«حمادة ابنى الوحيد، كنت أتمنى أشوفه عريس، لكن القدر مفرحنيش به، فاستقبلت جنازته بالزغاريد لأزفه لحور العين وأحقق أمنيتى»، تلك الكلمات الموجعة بدأت بها هاجر طاهر، والدة الضابط أحمد حسين (أصغر شهيد بوزارة الداخلية) حديثها مع «روزاليوسف»، كانت تذرف الدموع ساخنة على فراق فلذة كبدها الذى راح فداء هذا الوطن، تماسكت أم الشهيد، واستكملت حوارها معنا معددة صفاته النبيلة قائلة «كان قلبه طيبًا وحنونًا وعطوفًا على الكبير والصغير، وسخى على الجميع». أم الشهيد قالت أمورًا كثيرة عن حياة البطل سجلناها فى نص الحوار التالى. ■ حدثينا عن نشأة البطل؟ - مررت بظروف صعبة أثناء حمله فطلب منى الطبيب عدم الحركة 7 أشهر خوفًا عليه، والتزمت بالتعليمات إلى أن أكرمنى الله به وعمّ علينا الخير والبركة فى 28 فبراير 1992، فقد أدخل السعادة على جميع أفراد العائلة، وكان مرتبطًا بى بشدة، وأتذكر، وكان عمره 4 سنوات، تركته يومًا كاملًا إذ وقعت حادثة لأخى وأولاده، فاضطررت للتأخر بالمستشفى فرفض أن يفتح الباب وظل يبكى وقال لأبيه «مراتك جت أنا مش هكلمها تاني». فاحتضنته وقال «ما تسيبنيش تانى يا ماما». كان يحلم منذ الصغر بالبدلة العسكرية، وألعابه عبارة عن مسدسات ورشاشات ويؤكد دائمًا «أنا نفسى أبقى ضابط لأحارب وأدافع عن أرض الوطن». ■ حدثينا عن ذكريات طفولته؟ - التحق بالتعليم فى سن مبكّرة فقد أنهى الابتدائية فى مدرسة عمرو بن العاص بفيصل، وعمره 10 سنوات، ثم تفوق فى الإعدادية والثانوية ليلتحق بالجامعة وعمره 16.5 سنة، ليكون أصغر من أقرانه بعامين فى «تجارة القاهرة»، لما ظهرت نتائج كليتى «الحربية» و»الشرطة»، وجد أنه اجتاز اختباراتهما بنجاح، فقرر الالتحاق بالشرطة، وتخرج سنة 2012 ليعمل بمحافظة الإسماعيلية، قنطرة غرب، مدة عام، انتقل بعدها إلى قسم غرب بالإسماعيلية، تأمين الطرق والكمائن المتحركة، 6 أشهر وحتى استشهاده.
كان ابنى عزيز النفس، يتسم بالكرم والسخاء والذكاء الاجتماعى، مرحًا بطبعه، طيب القلب حنونًا، عطوفًا على رفقائه بالعمل، متواضعا مع الجميع، ومحبوبًا من أفراد الأسرة. ■ ما أصعب المواقف التى واجهها؟ - أصيب ابنى بتمزق فى فقرات الرقبة والظهر، بعد نجاته بأعجوبة من حادث كبير قبل استشهاده ب20 يومًا، فى انقلاب سيارته التى اشتراها فى نفس الأسبوع، وكل من رأى شكل السيارة بعد الحادثة يتعجب من نجاة من بداخلها، ورغم ذلك رفض الإجازة، وكان يذهب لعمله مرتديًا رقبة بالإضافة إلى عمل جلسات العلاج طبيعى، وكنّا نستعد للاحتفال بمولده إلا أن الموت خطفه قبلها ب16 يومًا ليكون أصغر شهيد بالداخلية ب22 عامًا، وشعرت بأن حادث السيارة رسالة من الله سبحانه وتعالى وكأنه يقول لى كان من الممكن أن اقبض روح فلذة كبدك فى انقلاب سيارة ولكنى استجبت لدعائه حيث كان يتمنى دائمًا الشهادة وأن وينال درجة الصديقين الذين عاهدوا الله وكان كل من يعزينى يذكرنى بذلك. ■ من أكثر الزملاء الذين تأثر برحيلهم؟ - اتصلت به فى يوم استشهاد صديقه محمد حسانين عبد الخالق، ووجدت صوته مليئًا بالحزن، فسألته ماذا حدث فأخبرنى بأنهم يدفنون زميلهم الذى أصابته رصاصات الغدر، وقال لى: لازم نجيب حقه. ■ كيف كانت الساعات الأخيرة فى حياة البطل؟ - قبل استشهاده بيوم كنت عائدة من عملي، فقبلنى ونام فى حضنى ودللنى كأنى ابنته الصغيرة، ودار بيننا حوار طويل حول مستقبله، وأخبرته بأنى ذهبت للبنك للاستفسار عن إجراءات الحصول على شقة، ثم قلت له: نفسى أفرح بك يا حمادة وأشوفك عريس وأشيل عيالك، فرد ضاحكًا: لسه بدرى يا ماما، ثم ذهب بعدها لمأمورية عمل، فاتصلت به الساعة العاشرة مساءً للاطمئنان عليه، وأثناء المكالمة ضحك ضحكة عالية من القلب بدون مقدمات، فسألته: أنت بتضحك مع مين يا أحمد؟ حد معاك؟ فرد: لا يا ماما يعنى بلاش اضحك، قلت له: يا بنى ربنا يفرح أيامك هتيجى امتى؟، فأخبرنى: مش عارف يا أمى أول متخلص المأمورية هاجى على طول» ولم يأت، إذ استشهد يوم 12 فبراير 2014 أثناء تأدية عمله بيد جماعة الغدر الإرهابيين. ■ هل شعرتى بأنك ستصبحين أم شهيد؟ - أول مرة انتابنى ذلك الشعور عندما أعلن خبر استشهاد النقيب محمد أبو شقرة، قُبض قلبى، ف»أبو شقرة» كان شديد الشبه بابني. وعندما يسألنى أخوتى وأقاربى كنت أرد دائمًا: أحمد الله أنه حى حتى الآن ولَم يأت عليه الدور، فكنت متابعة جيدة للأخبار وأحزن عندما أرى فلذات أكبادنا شهداء، وأسرع لاتصل بابنى وأنا أبكى، فيقول: «يا ماما ماتسمعيش أخبار تانى العمر واحد والرب واحد» ويخرجنى من حالة الحزن ويدعونى إلى الاستماع لأغانى «فيروز» التى كان يعشقها. الغريب أن قلبى شعر بما سيحدث له، فأذكر أنى طلبت منه قبل استشهاده بيومين أن يضع لى أغنية «أم البطل» للفنانة شريفة فاضل نغمة لتليفوني، فتعجب من الطلب، وكأنه يرى فى عينى ما يدور بداخلى. ■ كيف علمتى باستشهاده؟ - طُرق باب منزلنا فجرًا، فظننت أن «أحمد» جاء من المأمورية ونسى مفتاح الشقة، وظل الشيطان يرسم أفكارًا سيئة بذهني، بأنه مصاب ولا يستطيع فتح الباب، ففزعت وقمت مسرعة، ففوجئت بأولاد أخوتى وقالوا إن ابنى مصاب ونريد أن نذهب لرؤيته فى الإسماعيلية. وفى ذلك الوقت كان زوجى يقرأ القرآن ويدعو لأبنى، واتصلت أختى بعد علمها بخبر استشهاده من شريط الأخبار، للتأكد إذا كان تشابه فى الأسماء، وسافرنا للإسماعيلية على أمل أنه ما زال حيّا وصدمت باستشهاده. ويوم الجنازة لم أصرخ، بل ظللت أزغرد كأنى أزفه على حور العين، لأننى كنت أتمنى أن أراه عريسًا، وأحضر فرحه، وأشاركه لحظات سعادته وأحمل أبناءه، ولكنى حرمت من كل شىء، وأصبحت الدنيا بعده بلا طعم أو لون، كان نفسى أحضنه وأشبع منه.
بعد استشهاده وجدت مكالمات هاتفية تأتنى من أناس لا أعرفهم، يخبروننى بأنهم أدوا العمرة عن ابنى بعد معرفتهم بوفاته، وأنه كان يتمنى أن يذهب للعمرة، حتى بعد شرائه للسيارة قال لي: المرة الجاية هنعمل عمرة أنا وأنت وبابا وأختى قبل زواجى، وأكرمنى الله بعد استشهاده بعمرة وحج تابعة لوزارة الداخلية، بالإضافة إلى زيارات زملائه لى بعد استشهاده، وروايات عن كرمه ومساعدات للمحتاجين. ■ كيف ترين العمليات الشاملة بسيناء؟ - العمليات الشاملة فى سيناء ستحد من العنف والإرهاب، وستكسر شوكة الإرهابيين الذين يحاولون تدمير الدول العربية كافة، فمصر ستبقى منارة الوطن العربى. ■ ماذا تقولين للرئيس السيسى؟ - أقول له ربنا يقويك ويحفظك ويكرمك، وأن يجعلك عونا للمحتاجين والفقراء.