كان محمد على باشا ومن بعده ملوك وأمراء الأسرة العلوية يحلمون بتحويل مصر وإن شئنا الدقة القاهرة، لقطعة من أوروبا وباريس، ولم يتوقفوا عند مرحلة الحلم وسعوا لتحويله إلى حقيقة، وظهر ذلك جليا فى القصور والمبانى التى خلفوها وراءهم، واستعانوا فى ذلك بالمهندسين والمتخصصين من مختلف بلدان اوروبا، وأن كانت الغلبة لمهندسى فرنسا وايطاليا، حيث أبدعوا فى بناء القصور التاريخية لملوك وأمراء الأسرة العلوية. ويعد المهندس الإيطالى أنطونيو لاشياك هو الأشهر بين المهندسين الذين حملت تلك القصور بصمتهم الفنية المبدعة، الطاهرة.. عابدين.. يوسف كمال..شويكار.. وعمارة سوارس.. مجرد أمثلة من قصور وأبنية كثيرة تحمل بصمة وإبداع لاشياك فى القاهرةوالإسكندرية..وإن كانت أكثر مبانيه قصورًا استخدمت كمقرات للحكم فى فترات مختلفة حتى إنه يسمى مجازا «مهندس القصور الرئاسية». «روزاليوسف» قررت القيام برحلة تتبعنا فيها مسار القصور والأبنية التى تحمل لمسة لاشياك الهندسية الفنية، ويعد من أعظم المعماريين الأجانب الذين عملوا فى مصر قديما، حيث وصل إلى الإسكندرية عقب دخول الأسطول البريطانى مصر عام 1882م، وظل بها حتى 1888م، ثم توجه إلى القاهرة وشيد عددا كبيرا جدا من المنشآت والقصور، وفى 1907م تولى منصب رئيس المعماريين للقصور الخديوية، وفى 1910م عينه الخديو عباس حلمى الثانى عضوا بلجنة حفظ الآثار العربية. شهدت القاهرة توسعا عمرانيا فى عهد محمد على ومن بعده عباس وسعيد والخديو إسماعيل، وأصبحت القاهرة ممتلئة بمفردات التراث العمرانى والمعماري، مما جعلها وكأنها متحف مفتوح لتراث إنسانى رائع تنوعت فيه الطرز المعمارية وأنماط المبانى التى نشأت أواخر القرن 19 ومطلع القرن 20 على يد معماريين من إيطاليا والنمسا وفرنسا وبريطانيا، وأصبحت القاهرة ساحة استعرض كل منهم فيها قدراته الإبداعية، و«أنطونيو لاشياك» من هؤلاء المعماريين الذين سجلوا بصماتهم بأعمالهم المعمارية. وقد شيد لاشياك ثمانية مبان تُعَدّ من أجمل المبانى فى وسط القاهرة، وتنوعت وظيفيا ما بين مبان سكنية كالقصور والفيللات (قصرعابدين وقصر نعمة الله كمال الدين وفيللا سعيد حليم)، وعمارات اتخذت وظيفتين سكنية وتجارية (عمارة سوراس، دايرة جلال باشا، والعمارات الخديوية، وعمارة الشركة الإيطالية تريستا للتأمين) ومبانى بنوك (عمارة بنك مصر)، وتنوعت طرز مبانى لاشياك وأنماطها فى وسط القاهرة، ودارت حول 4 أنواع هى الكلاسيكى المستحدث والباروك المستحدث والنهضة المستحدثة والإسلامى المستحدث. والطراز الكلاسيكى المستحدث يتميز بالأعمدة بأنواعها المختلفة الآيونية والكورانثية والتوسكانية والمركب، وظهور العديد من العناصر الزخرفية الأخرى كعقود الأزهار والأكاليل ومناظر الأساطير، أما طراز الباروك المستحدث فتميز بالثراء الزخرفى واكتسبت فيه المبانى نوعا من الفخامة، فقد اتجهت مبانى الباروك إلى الخطوط المنحنية الكثيرة الالتواء والتشابك والانكسار على الواجهات، ووجود عمودين على جانبى فتحات النوافذ على الواجهات. أما طراز النهضة المستحدثة يظهر بوضوح فى قصر الأميرة نعمة الله كمال الدين بوسط القاهرة، ومن أبرز سماته فى عمائر وسط القاهرة فتحات النوافذ تعلوها عقود نصف دائرية أو عتب، كما زخرفت أعتاب النوافذ بإطارات أو كرانيش بارزة، والعناصر الزخرفية من حليات وكرانيش وأفاريز وسرر ووحدات نباتية وهندسية، وزخارف الأربطة والأشرطة والدروع والفيونكات. فيما جاء الطراز الإسلامى المستحدث من حرص بعض الأمراء والباشوات من الأسرة العلوية على أن تحتفظ بيوتهم بفن العمارة الإسلامية، وتميز هذا الطراز بأنه نفذ على يد معماريين أجانب أعجبوا كثيرا بالطراز الإسلامى المحلي، وتميز بوجود المشربيات والمقرنصات والدلايات وزخرفة الطبق النجمى. الباحثة كريمة حسين أحمد نصر المعيدة بقسم الآثار الإسلامية بكلية آداب جامعة عين شمس، تجرى بحثا لرسالة الماجستير الخاصة بها وعنوانها «واجهات منشآت المعمارى أنطونيو لاشياك الباقية بالقاهرةوالإسكندرية» عن أنطونيو لاشياك وواجهات القصور التاريخية التى بناها، وقالت إن لاشياك اختلفت لديه طرز العمائر والمنشآت التى بناها وواجهاتها بإختلاف فترات البناء ومدى تأثر خبرته المعمارية بعمارة المشرق، كما أن عمائره بوسط القاهرة اتجهت للطراز الكلاسيكى المستحدث باستثناء العناصر الزخرفية التى اختلفت باختلاف الطرز تبعا لذوق المعمارى أو صاحب المبنى.