"عشر سنوات وهذا المشروع يقف على أعتاب السادة المسئولين, يصعد ليصل إلى مكتب المسئول, ثم سرعان ما يدخل الأدراج لتغطيه أتربة النسيان حتى يأتى مسئول جديد ويتكرر الأمر نفسه .تمر السنوات ثقيلة على قصر الأمير سعيد باشا حليم بينما تخنق زخارفه ومبانيه وتماثيله يد الإهمال التى لم تترك لنا شيئا جميلا فى العاصمة المزدحمة بالقبح . حلم أن يتحول القصر " المهجور" لمتحف للعاصمة المنسية وبؤرة ضوء للثقافة والسينما وساحة للمعرفة لا يجد من يستمع إليه بينما ما زال الحلم الذى جاء بدعم عالمى وخبرات دولية ومصرية مجرد " مشروع " على ورق . و" الأهرام " تعرض الحلم وتتمنى أن يتبناه مسئول يملك جرأة اتخاذ القرار ". فى عام 1897 كلف الأمير محمد سعيد حلمى ,حفيد محمد على باشا المهندس المعمارى الشهير وقتها (انطونيو لاشياك) بتشييد قصره الجديد بمنطقة القاهرة الخديوية. وفى خلال سنوات قليلة انتهى بناء القصر الضخم لينافس فى جماله وروعته ما سبق للمعمارى العبقرى بناؤه من قصور وعمارات وعلى رأسها قصر المنتزه وعمارة بنك مصر وعمارات الخديوية الشهيرة .أصبح القصر الضخم الذى تصل مساحته إلى 4800 متر لؤلؤة منيرة فى قلب القاهرة الخديوية التى شهدت فى تلك الفترة بناء عدة قصور وفيلات بلغ عددها سبع لم يتبق منها سوى فيلا صغيرة وقصر واحد هو قصر سعيد حليم الشاهد الوحيد على روعة العمارة فى تلك الفترة الهامة من تاريخ مصر الحديث . المفارقة ليست فقط فى بقاء القصر حتى الآن رغم كل ما تعرض له من إهمال وإهلاك بل ايضا فى أنه لم يستخدم يوما للهدف الذى بنى من أجله فقد بناه صاحبه كهدية لزوجته الجميلة أمينة طوسون ولكنها لم تسكنه كما تؤكد مصادر التاريخ وفضلت أن تظل بقصرها على مضيق البوسفور بتركيا ، ومن هنا تتعدد الروايات التى تحكى عن انتقال القصر لوزارة المعارف فمنها من يقول أن الأمير تبرع به للوزارة ومنها من يقول انه تم مصادرته عقب إعلان الحرب العالمية الأولى لان صاحبه اعتبر وقتها من رعايا دولة معادية ( تركيا ) ومنها من يقول أن الأمير قد باعه إلى مسيو ( كارلو سيوني) ثم آلت ملكيته إلى شركة مساهمة يمتلكها ( شاؤول د. مديانو ) وذلك فى الفترة من 1918 وحتى 1925 حيث تم تحويله إلى مدرسة (الناصرة ) ,ثم استؤجر من وزارة المعارف وقتها ليكون مدرسة أميرية تحمل اسم (الناصرية) وذلك عام 1934واستمرت حتى عام 2004 عندما تم إغلاق المدرسة بعد عامين من تسجيلها كأثر طبقا للقرار الوزارى 121 لسنة 2004, والذى سبقه بشهور قليلة مفاجأة محيرة على حد قول دكتورة جليلة القاضى أستاذ العمارة بكلية الهندسة جامعة القاهرة ومدير مركز الأبحاث الفرنسى من اجل التنمية , المفاجأة هى أن القصر كان قد تم بيعه لأحد كبار رجال الأعمال وهو المقاول المعروف رشاد عثمان والذى قاوم كما تقول كل محاولات استعادة القصر بل وحصل على حكم قضائى بأحقيته فى ملكيته . 10 سنوات من الانتظار علاقة دكتورة جليلة القاضى بالقصر كما تحكى لنا بدأت قبل عشر سنوات عندما قدم الاتحاد الأوربى منحة لمشروع القاهرة الخديوية والذى يأتى فى إطار الشراكة الأورو متوسطية ,هذا المشروع كما تقول استمر منذ عام 1999 وحتى عام 2004 انتهى بتقديم تصور كامل عن القصر وحالته وما يمكن عمله لإصلاحه وإعادته لحالته القديمة معماريا ثم الهدف الأساسى وهو تحويله لمتحف لمدينة القاهرة وهى فكرة نوعية تنفذ لأول مرة فى مصر أسوة بمتحف لندن بانجلترا وتشرح :" برنامج هيركومانس والذى كان مركز الأبحاث الفرنسى من اجل التنمية مشرفا على تنفيذه استغرق أكثر من أربع سنوات ورغم أن هدفنا كان دراسة تطوير منطقة القاهرة الخديوية التى هى فى الأصل عمارات ومبان بعضها حكومى وبعضها خاص ,إلا أن قصر سعيد حليم كن يمثل حالة خاصة جدا فهو القصر الوحيد الباقى من حوالى 7 قصور وفيلات كانت موجودة فى تلك المنطقة رغم أن استخدامه كمدرسة لعب دورا فى تغيير بعض معالمه خاصة بعد إضافة مبان صغيرة له أو إغلاق نوافذ أو إنهاك المبنى نفسه داخليا وخارجيا, إلا أن المكان ظل محتفظا بطرازه المعمارى المميز وما يحويه من زخارف شديدة الروعة والجمال حيث يتميز القصر بأنه من القصور الغنية فى تفاصيله المعمارية والزخرفية ويعد نموذجا لعمارة عصر النهضة والباروك ". وصف القصر وحسب التوصيف الذى ورد بدراسة المركز الفرنسى ومركز استشارات بونامى فإن القصر يقع فى شارع شامبليون فى وسط البلد, تحوطه حديقة متسعة ويحده شمالا شارع النبراوى وشرقا شارع حسين المعمار وغربا شارع شامبليون وجنوبا شارع صغير يصل بين شارعى حسين باشا المعمار وشارع شامبليون . ويتميز القصر بأنه يقع على مقربة من ميدان التحرير والمتحف المصرى وهو تقريبا فى مكان شبه متوسط لمثلث المتحف والميدان وشوارع القاهرة الخديوية , وتشير عوائد القصر إلى انه فى الفترة من عامى 1910 و1917 وهى الفترة التى أعقبت الانتهاء من بنائه بسنوات قليلة كان القصر يمتد حتى شارع محمود بسيونى وتم اقتطاع أجزاء من جناحيه وحديقته بدءا من عام 1926 وشيدت عليها عمارة من ستة ادوار أما الحديقة نفسها فقد وصفتها أوراق العوائد أنها كانت حديقة واسعة تحيط بالقصر وبها أكشاك لتربية النباتات وأخرى لتربية الخيول, وهى الأكشاك التى اندثرت الان . وصف القصر نفسه جاء فيه أنه عبارة عن مبنى رئيسى وجناحين شرقى وغربى, وله أربع واجهات تطل على الحديقة المحيطة بالقصر وهى واجهات تتجسد فيها روعة العناصر المعمارية للعصر الذى بنيت فيه وتتميز واجهة القصر بوجود التماثيل الرائعة . يتكون القصر نفسه من بدروم وطابقين متماثلين لحد كبير . وبالنسبة لمدخل القصر فهناك مدخلان احدهما رئيسى وهو الجنوبى والأخر ثانوى وهو الشمالى بالإضافة لمدخل صغير يفتح على البدروم وتتوسط الواجهة الجنوبية للقصر كتلة المدخل الرئيسية وهى كتلة بارزة عن الواجهة وتتميز بالفخامة المعتادة فى طراز عصر النهضة والباروك ويتقدم كتلة المدخل سلم مكون من درج على جانبيه درابزين يفضى إلى بسطة ضخمة وعلى جانبيها سلمان فرعيان احدهما بالجهة الشرقية والآخر بالجهة الجنوبية, كما يتميز بوجود عمودين يعلوها عقد نصف دائرى ازدان بقناع يمثل رأس سيدة وتمتلئ تلك العقود بزخارفها النباتية البديعة ,بينما تم حشو الأبواب الخشبية بقطع الزجاج المعشق البديع فى ألوانه وتصميمه. أما القصر من الداخل فهو يتكون من بدروم ودور أرضى ودور أول يتكون البدروم من قاعة ضخمة ودهليز وبعض الملحقات الخدمية تشمل على حجرات تخزين ومطبخ ودورات مياه, بينما الطابق الأرضى عبارة عن بهو واسع يمتد بطول القصر من الشمال للجنوب ويتصدر البهو بالجهة الشمالية سلم مزدوج ذو فرعين يصلان للدور العلوى ويفتح على البهو ستة أبواب ثلاثة بالجدار الشرقى وثلاث بالجدار الغربى تفتح على حجراته الواسعة ويتشابه تخطيط الطابق الأول مع الطابق الأرضى إلا أن جزءا من البهو الرئيس تم إشغاله بحجرتين واسعتين تفتحان على الشرفة الرئيسية للقصر التى تعلو المدخل الجنوبي. بشكل عام يتميز القصر بعناصره المعمارية شديدة الروعة سواء كانت نوافذ أو أعمدة أو فصوصا أو فرنتون وشرفات أو دربزينات كما تكثر به العناصر الزخرفية البديعة من أشكال دروع وفيونكات وعقود أزهار ونياشين فالقصر فى حد ذاته تحفة معمارية شديدة التميز. وللقصر جناحان ملحقان به جناح شرقى وأخر غربى كل منهما يتصل بالقصر بواسطة ممشى يحمل سقفه صفان من الأعمدة وكان الجناحان عبارة عن عنابر واسعة ملحق بها حجرات ولكنها الآن تم تقسيمهم إلى غرف كانت تستخدم كفصول لطلبة المدرسة الناصرية . المشروع الحلم نعود لدكتورة جليلة القاضى لنسألها عن تفاصيل حلم تحويل المكان لمتحف فتشرح لنا وتقول :"تم التعامل مع المبنى هندسيا وتوثيقيا بشكل شديد الدقة من خلال الرفع المساحى للمبنى والعمران المحيط به وكذلك الرفع الهندسى له لتسجيل جميع التفاصيل الهندسية والزخرفية والعناصر المعمارية به .كما قمنا ايضا بتوثيق كافة تفاصيله من خلال رسم اسكتشات للموقع وللأجزاء ذات الشكل المميز ,والتصوير الفوتوغرافى للحيز الداخلى والخارجى للمبنى بما فى ذلك الإضافات التى لحقت به خلال فترة استخدامه كمدرسة .كل هذا كان الهدف منه أولا استعادة حالة المبنى لما كان عليه سابقا والتخلص من أى منشآت شوهت بعض أجزائه ثم الأهم وهو تحديد قدرة المكان الاستيعابية وما يمكن أن يتم استخدامه فيه بشكل دقيق ,وتحديد نوعية كل نشاط حسب الحيز العمرانى للمكان وفى النهاية استطعنا أن نضع مخططا واضح المعالم لاستخدام المبنى شديد التميز ليكون بحق نقطة ضوء لنشر الثقافة فى وسط العاصمة وليس فقط مجرد متحف يؤرخ لتاريخ العاصمة العريق وهو الهدف الرئيسى الذى نريد ان نحققه . ولكننا ايضا فكرنا بالاستفادة القصوى من إمكانيات المكان فهو يضم بدروم وطابقين متسعين بالإضافة للحديقة الواسعة والمبنيين الملحقين به كان تخطيطنا له كالأتى أولا بالنسبة للبدروم وهو للأسف فى حالة سيئة يمكن إعادة تأهيله وترميمه ليكون قاعة اجتماعات ضخمة وكذلك صالة عرض سينمائى حديثة أما الدور الأرضى وعبر توزيع الفراغات به يصلح تماما لاستخدامه كصالات عرض متحفى متميزة سواء بما سيتم وضعه من مقتنيات , أو بما تحتويه من بهو شديد الجمال بزخارفه الهندسية وتماثيله وأشغال الحديد فائقة الجمال والأمر نفسه بالنسبة للدور الثانى من المبنى . أما لجناحان الشرقى والغربى واللذان تتوسطهما حديقة القصر فقد وضعنا تصورا أن يحوى الجناح الشرقى على مكتبة ضخمة بينما الجزء الغربى سيكون كافيتريات بنفس طراز المكان لخدمة الرواد وأهالى الحى والشباب " المشروع وكما تتحدث عنه دكتورة جليلة يسعى فعلا لخلق بؤرة ضوء فى منطقة شوهت تماما معالم وسط البلد بمقاهيها وورشها بينما تبقى ملكية المكان كما تقول عائقا يمكن حلة بتكرار تجربة قصر البارون وتقديم بديل للمالك ليتنازل عنه لصالح الدولة التى يجب ان تسعى ليتحول لملتقى للثقافة والفن وإضافة لمتاحف مصر النوعية.