إذا كنت تتجول في وسط القاهرة مروراً بشارع شامبليون ولفت انتباهك مساحة كبيرة مهملة عليها قصر كبير وتمتد واجهاته الثلاث الأخرى عبر ثلاثة شوارع جانبية مزدحمة بالبنايات العالية تحجب النظر عن مبناه القديم، إذن فأنت تنظر إلى قصر الأمير سعيد باشا. حفيد محمد علي يعتبر قصر الأمير سعيد باشا حليم، حفيد محمد علي باشا الكبير، من أبرز وأجمل القصور الأثرية والتاريخية والملكية المهمة في مصر، وقد بنى هذا القصر في نهاية القرن التاسع عشر لتسكنه زوجته، إلا أنها رفضت واختارت قصراً آخر، فأهداه الأمير حليم للحكومة . الأمير سعيد حليم هو ابن الأمير محمد عبد الحليم بن محمد علي باشا الكبير، وقد تولى الصدارة العظمى في إسطنبول ثم اغتيل في روما سنة 1921، وبني هذا القصر سنة 1895، وصممه المهندس الإيطالي "أنطونيو لاشياك" الذي صمم قصر المنتزه والأبنية الخديوية في شارع عماد الدين، وهو مشيد على مساحة4781 متراً مربعاً. موقع القصر يقع هذا القصر في شارع شامبليون فى وسط البلد بمدينة القاهرة وتحوطه حديقة متسعة يحدها شمالا شارع النبراوي وشرقا شارع حسين المعمار وغربا شارع شامبليون وجنوبا شارع صغير، يصل بين شارع حسين باشا المعمار شرقا وشارع شامبليون. مصادرة القصر صادرت الحكومة أملاك الأمير حليم باشا باعتباره من رعايا دولة معادية في سنة 1914 بعد إعلان الحرب العالمية الأولى ، ومنذ ذلك التاريخ حولته الحكومة إلى المدرسة الناصرية الإبتدائية للبنين، والتي تعد إحدى أعرق المدارس في القاهرة وكان من خريجيها الصحفيان الشهيران مصطفى أمين وعلي أمين إضافة إلى الفنان حسين فهمي، ثم تم إخلاء المدرسة من القصر وظل مغلقاً منذ ذلك الحين ونقلت ملكيته إلى رشاد عثمان تاجر الأخشاب والتصدير بالإسكندرية. إهمال من وزارة الثقافة وعلى الرغم من اتباع وزارة الثقافة سياسية تحويل القصور والفيلات التاريخية إلى مراكز للإشعاع الثقافي عن طريق تحويلها لمتاحف قومية من عام 1999 إلا أن هذا القصر حتى الآن لم ينل حظه، وأصبح مهدداً بالانهيار رغم إدراجه ضمن هيئة الآثار في عام 2007. وفي هذا السياق تجولت شبكة الإعلام العربية محيط خارج وداخل القصر المعروف حاليا باسم قصر شامبليون نسبةً إلى شارع شامبليون، للوقوف على مدى الإهمال والتجاهل الحادث تجاهه ليس فقط من الحكومة، بل أيضا من المواطنين. "شيشة" و "ورش" في حضرة التاريخ عند مرورك من أمام القصر تجد القمامة تحيط بجميع أسوار القصر التي أوشكت على الانيهار نتيجة للإهمال الشديد من جانب الحكومة وهيئة الآثار والمواطنين من ناحية أخرى. وليس هذا فقط بل أصبحت أسواره ملتقى لعشاق "الشيشة" نتيجة لكثرة المقاهي بجانبه والتي أفقدته بريق التراث المعمارى الكبير. فضلا عن انتشار الورشة المكانيكية، والتى قد تكون السبب الأول في انهيار أسواره، وانتشار الباعة الجائلين ونشر كراسيهم بعرض الحائط ، ويلقون فضلاتهم بجانب السور. حديقة من الإعشاب الدخول داخل القصر أمراً صعب بسبب مالكه، حيث وضع عليه فرد أمن أو "غفير" كما يطلق عليه أهل المنطقة ويمنع منعا بتا دخول أحد، ولكن استطاعت شبكة الاعلام العربية "محيط" أن تخترق هذا الحصن وتتجول داخل القصر لفترة قصيرة. عند دخولك للقصر ستجد مساحات شاسعة عبارة عن حديقة من الأعشاب والأشجار المتروكة والمساحات الشاسعة وزخارف تمثّل نباتات وأشكالاً هندسية والتماثيل المنحوتة على واجهاته إلى جانب التفاصيل المعمارية والفنية الأخرى كالنوافذ والأعمدة والشرفات والشعارات المزينة والمحفورات الأسطورية والأقنعة الحيوانية. تدهور جدران القصر يتكون القصر من طابقين إضافة إلى القبو المكون من قاعة ضخمة وبعض الملحقات الخدمية، أما الطابق الأول ففيه "بهو" كبير يمتد بطول القصر من الشمال إلى الجنوب ويتصدر البهو من الجهة الشمالية سلم مزدوج ذو فرعين تفتح عليه أبواب غرف ست، يتميز القصر بفنيات معمارية مدهشة تظهر في الشرفات وحواجز السلالم. الغريب وأنت تتجول داخل القصر تجد آثار المدرسة الناصرية متواجدة حتى ذلك الحين حيث تجد السبورة معلقة على جدارن الحائط فى كل غرفة من غرف القصر وعليها آثار "الطباشير" فضلا عن تدهور حالة الجدران والأسقف والشبابيك والأبواب من الداخل. تحفة معمارية فى خطر وعن القصر يقول المهندس المعماري أشرف عبد الرحمن، أن القصر في عام 1914 تحول إلى المدرسة الناصرية العريقة وظل هكذا حتى العام 2007 حينما أصدر محافظ القاهرة قراراً بضمّه إلى وزارة الثقافة من أجل ترميمه ووضع القصر منذ ذلك الحين على قائمة المباني الأثرية في مصر. وتابع أنه بدأ جهد مشترك للمجلس الأعلى للآثار والمكتب الاستشاري الهندسي المصري الفرنسي وبإسهام من المهندس الفرنسي "آلان بونامي" المتخصص في إعادة تأهيل المباني التاريخية بالإضافة إلى معهد بحوث التنمية الفرنسي في القاهرة لترميم القصر وتحويله إلى متحف لتاريخ القاهرة. وأضاف أن الطرفان المصري والفرنسي كانا قد بدآ الاستعداد لتنفيذ المشروع بإشراف الأستاذتين في كلية الهندسة بجامعة القاهرة "دليلة الكرداني وجليلة القاضي" لكن الأقدار شاءت ألا يستكمل هذا المشروع. وأكد أنه حدث ذلك بعد ظهور مالك آخر للقصر غير وزارة التربية والتعليم، لتأخذ قضية قصر سعيد حليم منحى آخر بعيداً من فكرة ترميمه ويظل المبنى قائماً كما هو منتظراً الفصل في تلك القضية التي لم تعرف ملابساتها بدقة حتى اليوم، لكن المؤكد أن تحفة معمارية مصرية في خطر.