كثير من شعوب العالم عندما نشاهد صورها عبر الصحف أو حديثها عبر القنوات الفضائية أو أى من وسائل الإعلام الأخري، نتعرف على هويتها الوطنية من خلال ملابسها أو لهجتها بصرف النظر عما إذا كنا نعرف اللغة التى يتحدثون بها أم لا، فكثير من الشعوب لها رمز ثقافى تتميز به عن كافة شعوب العالم الأخرى، وتعتز به وتحافظ على توارثه للأجيال المختلفة، الأمر الذى إذا جاز لنا أن نعتبره «علامة ثقافية»، على غرار العلامات التجارية للشركات أو المنتجات العالمية الشهيرة. عندما نشاهد غطاء الرأس العمانى «المِصَرّ» و«الكمة» المميز، أو الخليجى الذى يختلف عنه، أو الجلباب المغربى «القفطان» الذى انتشر فى الأندلس، بفضل الموسيقى «زرياب»، وإن تميزت كل منطقة فى المغرب ببعض التغييرات فى اللون أو الشكل حيث يوجد القفطان الفاسى نسبة إلى فاس، والرباطى نسبة إلى الرباط، لكنها جميعا تتشابه فى الأصل لشكل القفطان، وإذا انتقلنا إلى شعوب آسيا الوسطى، أو القوقاز، أو دول شرق آسيا «إندونيسيا، ماليزيا، بروناى» نجد أن لكل من تلك الشعوب زيها الوطنى المميز لها عن غيرها من باقى شعوب العالم. ولا يقتصر الأمر على الملابس والأزياء وحسب، بل يمتد التميز الثقافى لتلك الشعوب إلى الفنون الشعبية، والأطعمة، وشكل الاحتفالات فى المناسبات الدينية والقومية، وحفلات الزواج واستقبال المولود الجديد، وحصاد بعض المحاصيل التى تمثل جانبا مهما فى الاقتصاد القومى، كما يمتد التراث الثقافى ليشمل العديد من العادات والتقاليد والقيم والأعراف بعضها ما يكون اقتصادى، كثقافة الاستهلاك والتسوق واستخدام المنتجات الوطنية، وبعضها اجتماعى كالتعاون والتضامن فى بعض المناسبات. ظلت مصر لعقود طويلة تمتلك الكثير من الخصائص والسمات الثقافية المتميزة، فقد كان الأزهر يمتلك «علامة ثقافية» متميزة ليس فى الوطن العربى أو العالم الإسلامى ولكن فى العالم أجمع، سواء من خلال دوره المستنير فى نشر الدعوة الإسلامية الوسطية، ومن ثم صار قبلة للطلاب والعلماء وحتى المستشرقين من أوروبا والغرب بصفة، أو من خلال الزى الأزهرى المميز الذى كان يفتخر به كل من يرتديه باعتباره ينتمى لتلك المؤسسة العلمية العتيقة. تبدل الوضع الثقافى فى مصر كثيرا، وأصبحت اللغة العربية التى هى جزء من الاسم الرسمى للبلاد «جمهورية مصر العربية»، يتحرج منها الكثيرون، وكأنها لغة الأقوام الرجعية المتخلفة، وخاصة فى وسائل الإعلام، والفنون والآداب، حيث حلت اللغة العامية بدلا من اللغة الفصحى، ولإظهار مزيد من الرقى الثقافى بات من الضرورة إدخال عدد من الكلمات والمصطلحات الأجنبية فى الحوارات والكتابات، كما تبدلت معظم أسماء المحلات التجارية إلى أسماء أجنبية، قد لا يعرف معناها فى كثير من الأحيان، المهم ألا تكون عربية، وامتد ذلك الطوفان الثقافى الخارجى ليشمل أسماء الأشخاص وأسماء الشوارع. أما عن الملابس والأزياء، فقد اختلطت الأمور، وأصبح أفراد البيت الواحد - لا أتحدث عن مدينة أو محافظة - يشمل خليط من مختلف أزياء العالم وكأن الشارع المصرى أو أى تجمع بشرى سواء فى الجامعة أو وسائل المواصلات أو الأفراح أو غيرها من التجمعات وكأنها معرض مفتوح لمختلف الأزياء العالمية. ولم يقتصر الغزو الثقافى على الملابس والأزياء، بل امتد ليشمل الكثير من عادات وأسلوب الطعام، التى لا تتلاءم مع الثقافة العربية الإسلامية التى تنتمى إليها مصر، ولا تعبر عن أسلوب اقتصادى يراعى المستوى الاقتصادى للبلاد، حيث ساد أسلوب الإسراف الذى وصل إلى حد السفه، وانتشرت عادات خاطئة لها الكثير من الأضرار الصحية والاقتصادية والاجتماعية أيضا. ونحن نبحث عن علاج للكثير من المشاكل التى تواجهها مصر فى تلك الفترة، يجب أن نضع فى اعتباراتنا أن غياب الهوية الثقافية الوطنية هو جزء أساسى من أسباب تلك المشكلات، وأن العودة بمصر إلى تراثها الثقافى والحضارى الأصيل، المتمثل فى اللغة العربية الفصحى، والملابس والأزياء الفنون والآداب والعادات والتقاليد والقيم المصرية الأصيلة هى من أهم مرحل العلاج للمشكلات التى تواجهها مصر، لأن «العلامة الثقافية المصرية» هى المعبرة عن قوة مصر الناعمة التى لها دورها المهم والفاعل فى جذب السياح وفى العلوم وغيرها من المجالات، وكذلك فى القضايا السياسية والاقتصادية على المستوى الاقليمى والدولى.