محمد أحمد بنيس شاعر ومترجم مغربى من مواليد مدينة تطوان، شمال المغرب عام 1970، بدأ مشواره مع الكتابة نهاية ثمانينيات القرن الماضى ، حصل على الدكتوراه فى الحقوق وعضو اتحاد كتاب المغرب، عمل مراسلا للمجلة الدولية للأدب والمسرح «Alhucema» فى العالم العربى والتى تصدر من غرناطة فى إسبانيا، وعمل كعضو بالهيئة التنفيذية للجمعية الشعرية فى بنى دُورم بإسبانيا. صدر له: «بِصُحبةِ جبلٍ أعمى» من منشورات وزارة الثقافة المغربية، 2006. والذى حصل عام 2007 على جائزة «الديوان الأول» التى يمنحها «بيت الشعر فى المغرب»، «ندمٌ أسفلَ اللوحة» من منشورات دار «الدار للنشر والتوزيع» القاهرة 2012، «بِصُحبةِ جبلٍ أعمى»، الترجمة الإسبانية، ترجمة الشاعر، مراجعة وتقديم: إميليو بايستيروس، منشورات المهرجان العالمى للشعر فى كوستاريكا، سان خوصي، 2013، شارك فى العديد من الأنطولوجيات الشعرية العربية والدولية، ترجمت بعض أعماله إلى الإسبانية والكطلانية والبرتغالية والفرنسية والإنجليزية والهولندية والإيطالية والرومانية والسويدية، عن قصائده ودواوينه ونشأته الثقافية كان حوارنا معه فإلى نصه. ■ متى وكيف تفجرت موهبتك الشعرية؟ - بدأت أخط أولى محاولاتى فى سن المراهقة، كان ذلك عبارة عن انطباعات وخواطر معظمها كان عن موضوعات قومية مثل فلسطين.. فى سن الثامنة عشرة، وفى أوج الانتفاضة الفلسطينية الأولى، تجرأت وأرسلت خاطرة بعنوان «دم ابن العاشرة» لصحيفة العلم التى كانت تُصدر صفحة «الباب المفتوح»، التى اهتمت خاصة بكتابات المبتدئين، وكان يشرف عليها آنذاك الصديق الشاعر نجيب خداري.. بعدها بأيام فوجئت بالخاطرة منشورة فى الصفحة المذكورة. لا أنكر أن ذلك شكل حافزا قويا على التورط أكثر فى الكتابة وخوض التجربة مع مرحلة الجامعة بدا أن التورط صار قدرا، خاصة مع القراءات التى تفتح أمام المرء دروبا وآفاقا مختلفة فى الفهم والإدراك والاطلاع. ■ ما العوامل والظروف التى أسهمت فى تكوينك الشعرى والثقافى؟ أظن أن القراءات فى البداية تكون أكبر مورد بالنسبة للشاعر كى يستطيع بناء وتطوير مخيلته ولغته وإمكاناته الفنية والجمالية.. هى الفسحة الكبرى التى يقف الشاعر على بابها بحثا عن الاستزادة والتأمل المعرفيين.. مع التقدم فى العمر، يصبح لعوامل من قبيل الخبرة فى الحياة، والاحتكاك بالواقع فى تفاصيله الصغيرة والعابرة، والسفر أهمية فى تشكيل رؤيتنا ونظرتنا للعالم والأشياء.. هناك أيضا الرغبة فى المصالحة مع الذات ومع أخطائها وتدبير المفارقات التى تلقيها الحياة فى طريقنا.. هناك كذلك الاشتباك مع تاريخنا الشخصى بكل ما فيه من إيجابيات وسلبيات، وتحويل كل ذلك لأفق شعرى ممكن. ■ ( بصحبة جبل أعمى ) هو عنوان أول دواوينك .. لماذا اخترت هذا العنوان الإشكالي؟ - لا أظن العنوان إشكاليا بقدر ما هو تعبير عن عوالم الكتاب. فى هذه التجربة كنت متأثرا بشكل واضح بقراءاتى فى مجالات معرفية مثل الأسطورة والأنثروبولوجيا وتاريخ الأديان. لبعض التيمات حضور طاغ فى هذا العمل مثل الجبل، العماء، البراري، الحواس، الموتى، الشاعر، المجوس، العنب... هى تيمات تشكل فى معظمها عناصر أساسية فى المتخيل الإنساني، بمعنى أنها تحضر بدلالات تلتحم بتلك التى تكتسيها داخل المجالات المعرفية السابق ذكرها. إنها دائما تشير إلى شيء ما سيحدث، فصحبة جبل أعمى هى فى نفس الوقت استعادة لممارسة إنسانية وثقافية، وإقرار أيضا بحق مكونات الوجود فى التواجد معنا من خلال اكتسابها لصفتنا الإنسانية. ■ الملاحظ أنك تؤنسن الأشياء والجمادات .. لماذا ؟ - ليست أنسنة، إنها إقرار بحق هذه الأشياء فى أن توجد وتحيا وتأخذ حصتها فى الوجود.. نحن نظن أننا نعيش العالم كما هو، أو بالأحرى كما وصل إلينا عبر مسار ثقافى طويل ومركب، لكن الحقيقة قد تبدو غير ذلك، على الأقل بالنسبة لي.. ما الذى يمنع الجدران والكراسى والأرصفة والمقاهى وواجهات المتاجر والتفاصيل الصغيرة التى نتعثر بها كل يوم من أن تشاركنا الإحساس بالوجود والحياة والعالم، أن تفرح وتحزن وتضجر وتحلم مثلنا.. أتصور أن أحد أهم إنجازات الشعرية فى القرن العشرين هى الإنصات لهذه التفاصيل الصغيرة وإعادة بناء علاقة الإنسان بها. ■ حدثنا عن ديوانك الثانى ( ندم أسفل اللوحة)؟ - هذا العمل الذى صدر بالقاهرة قبل ثلاث سنوات يبدو مختلفا عن العمل السابق، هناك اشتباك أكثر باليومى ومشتقاته المختلفة، هناك انفتاح على السينما والتشكيل والفنون البصرية.. أنا من عشاق السينما وأراها فردوس الخيال العظيمة التى تُقلنا إلى مجهول الذات واللاوعي، إنها تمنحنا إمكانات فنية وتخييلية هائلة فيما يتعلق بإثراء القصيدة وجعلها أكثر حياة وقابلية للسفر فى اتجاهات مختلفة. هناك أفلام تزلزلنا وتعيد تشكيل دخيلتنا ولو إلى حين، تمنحنا إحساسا باذخا بامتلاء غريب.. فى هذه المجموعة حاولت أن أصحب الأشياء والتفاصيل اليومية الصغيرة ضمن رؤية أكثر انحيازا للحياة بمعناها البسيط، هناك انشغال أكثر بأن تدب الحياة فى كل شيء وأحيانا دون مبرر، مثل الكراسى والجدران والقمصان والمتاحف واللوحات وغير ذلك، الأشياء التى تتلقى منا كل أشكال النسيان والتجاهل والتعالي، بينما هى تحيا بيننا وتقاسمنا هذا الوجود، فهى تولد وتعيش وتنتظر وتفرح وتتألم وتغادر وتتلاشى وتعود، كأنها مثلنا تنتظر دورها لتغادر هذا العالم بهدوء. ■ أنت تكتب بالإسبانية والعربية.. ألا يمثل ذلك ازدواجا فى الهوية؟ - أعمل على ترجمة معظم ما أكتبه إلى الإسبانية، وهذا يخول لى التواصل مع السياق الثقافى الإسبانى والاستفادة من إنجازاته الأدبية الرائعة.. وأنا سعيد جدا بأن ديوانى الأول» بصحبة جبل أعمى» الذى كان قد صدر ضمن منشورات وزارة الثقافة المغربية، لقى قبولا طيبا فى كوستاريكا بعد صدور ترجمته الإسبانية على هامش مهرجان سان خوصي، وهى الترجمة التى أنجزتُها وقام بمراجعتها والتقديم لها مشكورا الشاعر والروائى الإسبانى الصديق إميليو بايّسطيروس، كما أنى سعيد بأنى نقلت للإسبانية عملين شعريين عربيين لكل من الصديقين على الحازمى ومحمد ميلود غرافي، وقد صدرا عن منشورات نفس المهرجان وقد لقيا استحسانا من قبل الأوساط الشعرية والثقافية هناك، ولا أظن أن هذا الأمر يمثل ازدواجية فى الهوية، خاصة حين تقيم نصوصك بين ضفتين شعريتين وثقافيتين مختلفتين، تشتركان فى ماض ثقافى وتاريخى مشرق ويمكن ان يكون منتجا لامتدادات ثقافية وحضارية كبيرة.. أظن أن ذلك هو بمثابة شرفة أخرى على هذا العالم. وكما تعرف فإن أحد أعطاب الثقافة العربية المعاصرة هى فى عدم وجود حركة ترجمة منظمة ومتسقة تنقل لنا بعض إنجازات الثقافات الأخرى، وتجعلنا فى قلب المتغيرات الحاصلة حاليا. ■ ترجمت أشعارك إلى العديد من اللغات الأجنبية.. كيف تنظر إلى نصوصك وهى تسافر إلى لغات أخرى؟ - لم تعد اليوم الترجمة ترفا ثقافيا، فالسياق الثقافى يفرض علينا أن نرفع إيقاع تفاعلنا مع العالم بمختلف لغاته وثقافاته، وهنا تصبح الترجمة جسرا لا مفر منه لإبلاغ صوتنا إلى ضفاف ثقافية وشعرية أخرى. وكما تعرف، فإن ترجمة الشعر مليئة بالمآزق المختلفة التى تداهم المترجم وهو يقف على حدود التماس بين لغتين وثقافتين مختلفتين. بالنسبة لى يسعدنى أن أرى نصوصى مسافرة بين لغات مختلفة وإن كان ذلك أحيانا عبر لغة وسيطة. ■ يتشابه اسمك مع الشاعر المغربى الكبير محمد بنيس ألا يضايقك ذلك؟ - بالعكس، إذا كان الاسم العائلى يجمع بيننا، فالقصيدة تظل بالتأكيد الرابط الأكثر قوة وحضورا، أحترم وأقدر تجربة الشاعر محمد بنيس وإنجازاته النظرية والشعرية الكبيرة. ■ ما الذى تطمح إليه؟ - بصراحة، أطمح إلى أن تتسع مساحة الحياة أمامى كى أقرأ وأسافر وأتعلم أكثر. دائما تحضرنى هنا السيرةُ الذاتية للكاتب اليونانى العظيم نيكوس كزنتزاكيس، حين كان يتمنى فى أواخر أيامه أن يجد أناسا يستعير منهم دقائق وساعات يضيفها لمخزون عمره القصير كى يكتب ويقرأ أكثر.. إنه أحد أوجه مأساة الإنسان المحكوم بسلطة الزمن، لا نستطيع تحقيق كل أحلامنا.. نحن مرغمون على تدبيرها، من خلال تأجيل بعضها ومحاولة تحقيق بعضها الآخر، وخلال هذه العملية هناك أحلام نتخلى عنها للأبد.