من أعاجيب وزير الثقافة الأسبق "فاروق حسني"، موضوع اللوحات "التائهة"، لا نقصد "زهرة الخشخاش" التي لا أحد يعرف إن كانت سرقت أو تم أهداؤها كما يقال، وإنما ما نتناوله في هذا التحقيق عدد من اللوحات لكبار الفنانين المصريين، إما مسروقة ولا أحد يعرف مكانها، أو موجودة بالخارج ولم يتحرك أحد لاستعادتها، وإما موجود منها أكثر من نسخة تحمل كلها ختمًا يؤكد أنها الأصلية، في موقف لا يفهمه أو يقبله عقل. ومن أشهر اللوحات المسروقة لوحة «الراهبة» لرائد فن البورترية أحمد صبري، ولوحتيا الفنان حامدا ندا، اللتان تم سرقتهما ثم عادتا وتم تبرئه كل المتهمين، ولوحة "ذات العيون الخضراء" لمحمود سعيد، الذي أوقف القطاع بيعها في دبي، وقيل أن هناك نسختين منها، الأولي في دبي، والثانية في السفارة المصرية بواشنطن، تلك المدينة التي ورد اسمها كثيرا في ملف اللوحات "التائهة"، "روزاليوسف" حصلت علي المستندات الرسمية التي تؤكد مدي التضارب والمغالطات حول كنزنا الفني، نتحدث عن هذه الأعمال الثلاثة بالتفصيل في هذا التحقيق. القضية الثانية التي يضمها تحقيقنا خاص بلوحة "الراهبة" لرائد فن البوترية في مصر الفنان أحمد صبري (1889 -1955)، التي حصلت علي ميدالية الشرف من صالون باريس الدولي عام 1929، وتحمل لقب "أشهر اللوحات المختفية"، ووصل ثمنها حسب تقدير مقتني الأعمال الفنية إلي 75 مليون دولار، وقد خرجت "الراهبة" من مصر منذ تم إعارتها للسفارة مصر في واشنطن عام 1960 ولم تعد حتي الآن، وللوحة حكاية ملغزة، تقترب من الميتافيزقا، فهي تختفي وتظهر بالصدفة في دول كثيرة ثم تعاود اختفائها. ورغم مرور سنوات طويلة علي الاختفاء، فإن نزار أحمد صبري (67 عاما) الابن الأصغر للفنان أحمد صبري، يصر علي البحث عنها، وقال لنا ما لم يحكيه من قبل طوال حياته عن "الراهبة": في البداية اللوحة اسمها الحقيقي كما أطلق عليها والدي "تاملات"، ومع مرور الوقت أطلق عليها النقاد في مصر "الراهبة"، ومرت اللوحة بمراحل عديدة، ففي عام 1927 رسم راهبة تقف أمام مجمع الكنائس في باريس أثناء بعثة، وهذه اللوحة أيضا موجودة لدينا بمتحف الفن الحديث، لكنها لم تعجبه ولم يشارك بها في صالون "باريس"، فبحث عن "راهب" ورسم مجموعة استكتشات كثيرة ملونة، ولكن هذا "الراهب" لم يستمر معه لاستكماله اللوحة، فعاد يبحث عن "راهبة" حقيقة وليس موديل، لانه يؤمن بالروحانيات والشفافية الإنسانية التي تظهر في ملامح الشخصيات، ويريد أن يعبر عن معاني عمقية وليس مجرد شكل فني، وليلة عرض لوحة "الراهبة" في صالون باريس دخل اثنين من النقاد يشاهدونها، فسمعهم يقولون: "لو غير الفنان خلفية اللوحة ستفوز بالجائزة"، علي الفور قام والدي بإجراء التعديلات عليها وبالفعل فاز بالجائزة. وواصل: عرض عليه وقتها أكثر من مشتري في باريس بيع اللوحة، لكنه رفض قائلا: لوحاتي من حق مصر، وانتهت البعثة 1929 عاد الي مصر، فعرض علية متحف الفن الحديث اقتنائها اقتنائها ب75 حنيها مصري فقط لاغير، وهو ما أثار استياء أعضاء بمجلس الشيوخ، وقدموا استجوابا اعترضوا فيه بشدة علي الثمن، مؤكدين أن المبلغ كبير جدا لا يصح أن يدفع في لوحة فنية، رغم أن هذا المبلغ اقل بكثير مما عرض علية في باريس، وبعد وفاته في 8 مارس 1955 اقتنت الدولة أعماله، وتم عمل قاعة خاصة له باسمه في المتحف القديم في شارع قصر النيل، وعندما هدم المتحف تم تخرين الأعمال في فيلا في شارع "فيني"، وعندما افتتح المتحف المصري وضعت أعمال أحمد صبري فيه، وأكمل نزار صبري: منذ خرجت اللوحة عام 1960 اختفت بعدها، وبطريق الصدفة علمت من الفنان صبري راغب، وكان في زيارة لأمريكا أنها لدي الدكتور عصمت عبد المجيد بمكتبه في مقر الأممالمتحدة بنويورك، وأن عصمت عبد المجيد رفض إعادتها لمصر، وقال لن أعيد اللوحة إلا عند انتهاء فترة وجودي في أمريكا، من شدة إعجابه بها، ثم علمت بعد ذلك أنها انتقلت إلي سفارتنا في واشنطن في عهد السفير عبد الرءوف الريدي، وبعدها اختفت، وأصبح الصمت والغموض يحيط بها، وكلما تساءلت عنها لا أجد إجابة، وقد طلبت من الدكتور أحمد نوار في فترة وجوده بقطاع الفنون التشكيلية معرفة موقف اللوحة، فأبلغني أن اللوحة معارة وتجدد سنوياً، وكثيرا ما تقدمت لوزير الثقافة السابق فاروق حسني بطلبات كي يبحث عن اللوحة، وللأسف لم أصل لشيء.