الصور: فادي ندا ومايكل أسعد تمر الصحافة اليومية برحلة غاية في الإثارة والتشويق وسباق الزمن لتصل الجريدة للقارئ في أسرع وقت محملة بالأخبار والأسرار والتحليلات للأحداث اليومية المحلية والعالمية. فجمع المعلومات يبدأ مبكراً مروراً بالتجهيزات والطباعة والتوزيع لتستقر في أحضان باعتها في انتظار القراء. ورغم أن باعة الصحف يطالعون عبرها مشكلات الوطن والمواطنين بمختلف فئاتهم، فإنهم يستنكرون تجاهل الصحافة لآلامهم «روزاليوسف» التقت باعة الصحف وناقشتهم في المشكلات التي يواجهونها ورؤيتهم للصحافة قبل وبعد الثورة فكانت المفاجآت: من عجائب مصر أن ترص الأحذية والسجائر في فاترينات بالمحلات الراقية والعيش والصحف علي الرصيف.. يهاجمنا موظفو الحي من وقت لآخر.. وكثيراً ما تأخذ الشرطة بضاعتنا.. فلا نقابة تحمينا وتدافع عن حقوقنا ولا شركات توزيع تشعر بهمومنا.. منذ خمسين عاماً حاول بعض الباعة إنشاء نقابة فقبض عليهم جهاز أمن الدولة، وانتهت الفكرة.. بهذه الكلمات التي تقطر ألماً تحدث سامح رمضان بائع صحف ومجلات بميدان الجيزة. سامح قال: إن الشرطة والبلدية قبل الثورة كانت تلاحقنا وكثير من باعة الصحفة مهدد في مكانه بلا أكشاك يتحمل برد الشتاء وحرارة الصيف وتتعرض الصحف والمجلات للأمطار والأتربة، لذلك نطالب بإنشاء نقابة تطالب بحقوقنا وتلزم رؤساء الأحياء بتوفير أكشاك وأماكن ثابتة لنا. ورثت هذه المهنة أباً عن جد ولن أتركها فهي أكل عيشي، هكذا يري سامح مهنته التي يعمل بها منذ أكثر من 40 عاماً، لافتاً إلي أن شركات التوزيع لا تهتم إلا بكبار الموزعين رغم أنها تحصل منا علي تأمينات، فأنا علي سبيل المثال دفعت تأمين 30 ألف جنيه وهذا المبلغ لا أستفيد شيئاً من أرباحه التي تحصل عليها الشركات. وكشف سامح بعض أسرار المنافسة بين الصحف في مناطق التوزيع، فقال جريدة خاصة بدأت يومية مندوبوها يوزعون مكافآت مالية علي بعض الباعة لإظهارها علي الفرشة وهدايا لكبار الموزعين، وبعض الصحف تطبع أعداداً خارج التوزيع وتمنح أعداداً هدايا للموزع للاهتمام بعرض صحيفته. بينما يري ناصر شعبان أن مهنة بيع الصحف منحته أكثر بكثير مما أعطاها هو، مضيفاً اعمل بائع صحف منذ عام 1980 فهي المهنة المناسبة لي لإصابتي بإعاقة في قدمي ورغم أنني لم ألتحق بالمدارس فقد تعلمت القراءة والكتابة من المطالعة اليومية للصحف وقال: شاور لي علي أي جريدة وأنا أقرأ لك كل كلمة فيها. ناصر يري أن قراء الصحف زادوا خلال ثورة 25 يناير، مؤكداً أن نسبة المبيعات الأعلي كانت للصحف الخاصة والمعارضة لكن الصحف القومية بدأ توزيعها يتحسن بعد تغيير سياستها التحريرية. ناصر شاهد عيان علي أحداث التحرير، فهو يعمل بائع علي فرشة المعلم رمضان فارس وهو من أكبار موزعي الصحف ومقره ميدان التحرير قال: إن الشرطة هي التي بدأت بالعنف وإطلاق القنابل المسلية للدموع ثم سمعت صوت طلقات رصاص وعندما اشتعلت الأحداث يوم 25 يناير، أصبح صعباً فرش الصحف في الميدان لعدة أيام، كما أن شركات التوزيع لم تتمكن من توصيل الصحف إلينا. وحول إقبال الفئات العمرية علي الصحافة المتخصصة قال ناصر: الاهتمام بعد الثورة أصبح للسياسة وخاصة من كبار السن، فالشباب يقرأ الصحف علي الإنترنت، لافتاً إلي أن النساء والفتيات هن الأكثر إقبالاً علي صحافة الحوادث والجريمة والصحف الصفراء، وهو ما أكد عليه كل من قابلناه من باعة الصحف. عماد زكريا بائع صحف بالقرب من دار القضاء العالي بوسط القاهرة يعمل بهذه المهنة منذ 15 عاماً يري أن عدد القراء في ازدياد وهناك عدداً كبيراً من السياسيين والمهتمين بالأحداث اليومية يشترون 7 جرائد يومياً من كل التوجهات قومية وخاصة ومعارضة، معتبراً أن قراءة الجريدة مثل إدمان السجائر من يعتادها يصعب عليه تركها، ولذلك فمهما ظهرت المواقع والفضائيات ستظل الصحافة، ولذا فهو لا يخشي من البطالة في المستقبل. عصام عبدالحميد أحد الباعة المتجولين أراد أن يدلي برأيه قائلاً: كان نفسي أقرأ الحقيقة في الجرائد قبل الثورة، الكل كان ينافق الحكومة، أما الآن فالصحف تكتب الحقيقة وكل شيء عن الحرامية عرفناه، فأنا أقرأ الصحف من فرشة صديقي عماد. تنهدت الحاجة نور توفيق البالغة من العمر 65 عاماً قائلة: الله يرحم زمان كنت أبيع الجريدة ب20 قرشاً وكنت بكسب وأدخر.. اليومين دول الجرائد كثرت والعدد ب جنيه والجاي علي قد الرايح، فأنا ساكنه ب300 جنيه في الشهر في شقة غرفتين وصالة ومعايا بنتين واحدة معاها عيالها وفاضل شهرين وصاحب الشقة يستلمها ومش عارفة أروح بيهم فين وكل اللي طالباه من الدنيا شقة تسترني أنا وعيالي. الحاجة نور توفيق التي تعمل بائعة صحف علي ناصية شارع زين العابدين بالسيدة زينب خلف قسم الشرطة الذي احترق في جمعة الغضب تناشد المسئولين توفير مسكن لها وعائلتها قائلة: بأكسب في العدد 8 قروش فقط وفرشة علي الرصيف وكان معايا رخصة من الحي وصاحب البيت المجاور لي شتمني فرديت عليه فأبلغ عني موظف الحي وطلبوا الرخصة وقالوا لي هنجددهالك، وهذا الكلام كان قبل الثورة بشهور وكل ما أروح لهم يقولوا بكرة وحتي الآن لم أحصل عليها.. ربنا يسامحهم. علي ناصية شارع قدري بالسيدة زينب يجلس عاشور سعيد بائع صحف منذ العام 1981 قائلاً: أهم شيء أن يصدر «الجورنال» بدري، لأن فيه زبائن تأخذ 5 و6 صحف و«الجورنال» اللي بيصدر في الصباح نسبة المرتجع منه تزيد علي 70% والمهم أن تمنحنا الشركات الصحف ب 75 قرشاً لأن مكسب ال8 قروش ضعيف والمهم أن تهتم الصحيفة بمشاكل الناس لأنهم عاوزين الصدق. علي ناصية ش 153 بالمعادي كشك أحمد جمال شاب في مقتبل العمر يعمل بائع صحف والكشك ملك والده يقول: مطلوب نقابة لبائعي الصحف لحمايتهم وتوفير تأمين ومعاش للعاملين بهذه المهنة، فأنا حاصل علي دبلوم وأعمل بائع صحف منذ 10 سنوات منذ أن كنت طالباً وفي السابق كان هناك إقبال كبيرا فكنا نبيع 3 آلاف عدد علي 3 فرشات من مختلف المطبوعات، أما الآن نبيع من 1500 وحتي 1700 نسخة، لافتاً إلي أن تراجع المبيعات رغم تزايد أعداد الصحف والمجلات يعود لاهتمام قطاع كبير من الشباب بمطالعة الصحف علي شبكة الانترنت، كما أن المانشيتات الرياضية كانت هي الجاذبة للقراء قبل الثورة، أما الآن أصبح المانشيت السياسي الأكثر إثارة خاصة فيما يتعلق بقضايا الفساد. أما حسين صابر بائع صحف بالمعادي فطالب بأن تمنح شركات التوزيع كارنيهات تثبت علاقتهم بهذه الشركات قائلاً: «الكارنيه أبرك من أي حاجة، علشان موظفي الحي». بجوار فرشة الشيخ محمود بشارع 26 يوليو بوسط القاهرة وقف د.صديق أبو عمار سوداني الجنسية ويحمل دكتوراه في السياسة والاقتصاد يطالع مانشيتات الصحف المصرية، حاملاً مجلدًا عن السودان تتجاوز أوراقه ألفي صفحة، سألته عن رأيه في الإعلام المصري فقال: الإعلام المصري إعلام قصصي لم يؤرخ بعمق لثورة 25 يناير، ويؤسس لأن تتوارث الأجيال الوعي الثوري فمصر دائماً رائدة للإنسانية وثورتها تعلي من القيمة الإنسانية للإنسان المصري الذي ثار علي الظلم والقهر وإهدار الكرامة ليقول: أنا متمسك بكرامتي وأثور لحريتي قبل أن أثور علي الفساد. وأضاف صديقه: إن الإعلام المصري تعامل مع الثورة بشكل مقتضب وقصد وضعها في قالب قصص درامي وتجاهل القالب العلمي وصورها كأن أسبابها سخط مجموعة من شباب ال«فيس بوك» علي الأوضاع، بينما الحقيقة أن الثورة شعبية شارك فيها جميع طبقات وفئات الشعب وجاءت وتيرة الثورة قوية لم تلاحقها إجراءات سياسية تحقق المطالب فارتفع سقفها إلي المطالبة بسقوط النظام. وقال صديق: لقد عشت 11 يوماً في ميدان التحرير مع المتظاهرين وأري أن هذه الثورة أعادت لمصر ريادتها في العالم العربي، فالمصري دائماً مبدع يقدم الجديد للعالم وبثورته البيضاء قدم نموذجاً لكل الباحثين عن الحرية والحالمين بالتغيير السلمي في الوطن العربي. مضيفاً: إن تونس كانت مشهيات للشعوب العربية لكن الثورة المصرية هي النموذج لأنها أسقطت أقوي نظام عربي، فأثبتت أن من يملك الإرادة أقوي بكثير ممن يملك السلاح.