تونس.. قرار بإطلاق اسم غزة على جامع بكل ولاية    فريد زهران: دعوة الرئيس للحوار الوطني ساهمت في حدوث انفراجة بالعمل السياسي    بالأسماء.. محافظ كفر الشيخ يصدر حركة تنقلات بين رؤساء القرى في بيلا    تعيين أحمد بدرة مساعدًا لرئيس حزب العدل لتنمية الصعيد    الأزهر يجري تعديلات في مواعيد امتحانات صفوف النقل بالمرحلة الثانوية    من أمام مكتب (UN) بالمعادي.. اعتقال 16 ناشطا طالبوا بحماية نساء فلسطين والسودان    "نقل النواب" تطالب بالجدية في تنفيذ المشروعات: "لسنا في رفاهية الحلول المؤقتة"    توريد 503 أطنان.. انطلاق موسم توريد الأقماح المحلية بالإسكندرية    نشرة التوك شو| انخفاض جديد فى أسعار السلع الفترة المقبلة.. وهذا آخر موعد لمبادرة سيارات المصريين بالخارج    الارتفاع يسيطر.. سعر الحديد والأسمنت اليوم الأربعاء 24 إبريل 2024 بالمصانع والأسواق    رئيس شعبة الدواجن يزف بشرى للمواطنين بشأن الأسعار    بعد 3 أيام من المقاطعة.. مفاجأة بشأن أسعار السمك في بورسعيد    "المالية": تقديم مشروع الموازنة العامة للدولة أمام البرلمان حدث تاريخي    شهداء وجرحى في غارات إسرائيلية على قطاع غزة    إعلام عبري: مخاوف من إصدار الجنائية الدولية أوامر اعتقال لمسؤولين بينهم نتنياهو    بالأرقام| 200 يوم من الحرب الإسرائيلية على غزة    لازاريني: 160 مقار ل "الأونروا" بقطاع غزة دُمرت بشكل كامل    مسئول أمريكي: خطر المجاعة «شديد جدًا» في غزة خصوصًا بشمال القطاع    برنامج الأغذية العالمي: نصف سكان غزة يعانون من الجوع    شبانة: إمام عاشور لن يشارك أمام مازيمبي وأوباما مطلوب في بيراميدز    الدوري الإنجليزي.. مواعيد مباريات اليوم والقنوات الناقلة    مهيب عبد الهادي يكشف موقف إمام عاشور من الرحيل عن الأهلي    اسكواش - تأهل فرج ونور الشربيني لنصف نهائي الجونة.. ومؤمن يُقصي بطل بيرو    نصار يكشف كواليس مفاوضات الأهلي مع أبو جبل    بوكيتينو: مباراة أرسنال كانت بمثابة إهانة لنا.. وكنا ضعفاء وغير عدوانيين    أكبر قضية غسل أموال، حبس تشكيل عصابي لتجارة المخدرات    تفاصيل إصابة 3 أشخاص بينهم عروسان إثر انقلاب سيارة في ترعة بالبحيرة    3 أشهر .. غلق طريق المحاجر لتنفيذ محور طلعت حرب بالقاهرة الجديدة    أداة جديدة للذكاء الاصطناعي تحول الصور والمقاطع الصوتية إلى وجه ناطق    القبض على المتهمين بإشعال منزل بأسيوط بعد شائعة بناءه كنيسة دون ترخيص    مصرع سائق سقط أسفل عجلات قطار على محطة فرشوط بقنا    العثور على جثة شاب طافية على سطح نهر النيل في قنا    العثور على جثة سيدة مجهولة الهوية في ترعة الجعفرية بالغربية    برج العذراء.. حظك اليوم الأربعاء 24 أبريل 2024 : لقاءات مثيرة    أجبروا مصور على مشاهدتها، دعوى قضائية ضد ميجان ذا ستاليون بسبب علاقة آثمة    نشرة الفن: صدي البلد يكرم رنا سماحة .. إعتذار أحمد عبد العزيز لصاحب واقعة عزاء شيرين سيف النصر    فريد زهران: الثقافة تحتاج إلى أجواء منفتحة وتتعدد فيها الأفكار والرؤى    "رحلة ونس العمر".. محمود سعد يكشف أسرارا جديدة من حياة صلاح السعدني    ما حكم تحميل كتاب له حقوق ملكية من الانترنت بدون مقابل؟ الأزهر يجيب    ‏هل الطلاق الشفهي يقع.. أزهري يجيب    هل يجوز طلب الرقية الشرعية من الصالحين؟.. الإفتاء تحسم الجدل    حكم تنويع طبقة الصوت والترنيم في قراءة القرآن.. دار الإفتاء ترد    رغم فوائدها.. تناول الخضروات يكون مضرا في هذه الحالات    المتحدة تطلق أكبر تجارب أداء لاكتشاف الوجوه الجديدة من الشباب بقيادة المخرج عمرو سلامة    بعد انخفاضه.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم الأربعاء 24 أبريل 2024 (آخر تحديث)    لا بديل ولا غنى عنه للشعب الفلسطيني.. بوريل يشيد بتقرير الأمم المتحدة حول الأونروا    تنخفض 360 جنيهًا بالصاغة.. أسعار الذهب في مصر اليوم الأربعاء 24 إبريل 2024    أجمل مسجات تهنئة شم النسيم 2024 للاصدقاء والعائلة    عصام زكريا: الصوت الفلسطيني حاضر في المهرجانات المصرية    قد تشكل تهديدًا للبشرية.. اكتشاف بكتيريا جديدة على متن محطة الفضاء الدولية    طريقة عمل الجبنة القديمة في المنزل.. اعرفي سر الطعم    كم مرة يمكن إعادة استخدام زجاجة المياه البلاستيكية؟.. تساعد على نمو البكتيريا    مع ارتفاع درجات الحرارة.. دعاء الحر للاستعاذة من جهنم (ردده الآن)    رئيس هيئة الاستعلامات: الكرة الآن في ملعب واشنطن لإيقاف اجتياح رفح    واشنطن تدعو بغداد لحماية القوات الأمريكية بعد هجومين جديدين    الخطيب يفتح ملف صفقات الأهلي الصيفية    بعد تأهل العين.. موعد نهائي دوري أبطال آسيا 2024    عاجل- هؤلاء ممنوعون من النزول..نصائح هامة لمواجهة موجة الحر الشديدة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحركات الإسلامية والقفز على الربيع العربى
نشر في روزاليوسف اليومية يوم 09 - 09 - 2014

ظهرت على السطح خلال عقود ماضية حركات دينية تمارس السياسة وتخلط بينها ونشأت لأسباب منها ما هو سياسى وما هو اجتماعى ..وتعددت هذه الحركات حيث تفاتت فيما بينها فى مناهجها ونظرتها للمجتمع والحكم وفق تفسيراتها الخاصة للقرآن والسنة فاتخذ كل فصيل منها ما يتفق مع منهجه من وسائل لتحقيق غاياته ولأن كل هذه الفصائل تسعى للسلطة فكان صداهما مع القائمين عليها فى كل أقطار العالم العربى حتى جاءت ثورات الربيع العربى، ورغم أن هذه الحركات لم تكن البادئة بإشعال الثورة وأيضا لم تلحق بها إلا بعد التأكد من امكانية نجاحها إلا أنها استأثرت بهذه الثورات واستغلتها للوصول الى السلطة وتحقيق أهدافها وعن ظهور الحركة الإسلامية فى العصر الحديث والتفسيرات المختلفة لذلك يطرح الباحث معتز الخطيب دراسته عن الحركات الاسلامية فى العالم العربى والتى نشرها مركز الدراسات المستقبلية فى المرصد التابع لمكتبة الإسكندرية بإشراف د.خالد عزب وسكرتارية تحرير أمنية الجميل تفسيرات مختلفة فقد اعتبرها كثيرون ظاهرة جديدة صاحبت انتقال العالم الإسلامى إلى العصر الحديث وأرجعوها إلى ما اعتبروه حالة اغتراب تعرض لها الكثير من شباب المسلمين بسبب تسارع عجلة التحولات الاجتماعية والثقافية تلك التحولات التى اقتبست على نطاق واسع من اشعاع الحضارة الغربية المعاصرة بدرجة اعتبرها البعض صداما مع عقيدة الإسلام كما اعتبر آخرون أن ظهور الحركة الإسلامية صاحب هزيمة العرب أمام إسرائيل فى 5 يونيو 1967م كرد فعل لفشل القومية العربية فى مواجهة إسرائيل وكبديل لهذه القومية وهناك فريق ثالث رأى أن ظهور الحركة الإسلامية هو رد فعل لسقوط نظام الخلافة الإسلامية والذى تمثل فى إلغاء كمال الدين أتاتورك للخلافة العثمانية وإقامة جمهورية علمانية على أنقاضها فى تركيا.
ويؤكد الخطيب أن الحركات الإسلامية التى ينظر إليها على أنها حركة واحدة هى فى حقيقة الأمر عدة حركات تتنوع وتختلف نظريا وعملًيا فى أمور جوهرية عدة فجميع المسلمين ومنهم الإسلاميون يتوافقون على الإطار العام للإسلام ومبادئه مما يفضى إلى خلط كبير بين الإسلاميين المعتدلين والإسلاميين المتشددين وبين الإسلاميين وغيرهم من المسلمين فجميع المسلمين يؤمنون بحاكمية الله العليا إلا أن هذا لا يجعل كل المسلمين إسلاميين بالضرورة. لذلك لابد من التفريق بين الرؤية المعتدلة والرؤية المتشددة من خلال المنهج الذى يوظف فى تنفيذ برنامج سياسى ما فى الحياة العامة، فالإسلاميون يوظفون عدة طرق منهجية وعملية من أجل تفعيل النظريات السياسية والأيديولوجية النظرية الأولى تتأسس على الاستبعادية النظرية والعملية مما يسمح بتوظيف وسائل عنيفة مع الآخر الذى يختلف فى الرأى والمنهج ولأن الإسلامية الاستبعادية تعيش فى عزلة عن المجتمع وتحت ظروف الانقسام الاجتماعى والفساد والاستغلال والعنف السياسى وأنظمة غير ديمقراطية، فقد حولت هذه الإسلامية الاستبعادية المتشددة خطابها السياسى إلى علم كلام وفقه سياسى وينظر المتشددون إلى الشورى على أنها ليست فقط فريضة دينية أو عملية تنظيم للانتخابات بل هى تمثل الإرادة العامة للجماعة وهى مبدأ أسمى من الحريات والتوافق الاجتماعى الأكثر أهمية من كل هذا أن الشورى عندهم تمثل الإرادة الإلهية التى لا يمكن الوقوف ضدها دون المساس بالدين نفسه والواجب على الأفراد الخضوع الكلى لتلك الإرادة كما أن حرياتهم تقف عند هذا الحد ومع أنهم يرون شرعية ما فى العقد بين الحاكم والمحكوم عبر الشورى إلا أنهم يرفضون مفهوم التعددية والخلافات المفضية إلى التجزئة أو تهديد وحدة المجتمع. وبذلك، تصبح إقامة الدولة الإسلامية من وجهة نظر المتشددين تنفيذًا للإرادة الإلهية، وبالتالى تتحول الدولة إلى نظام قابض على الأفراد والجماعات ومعاشهم ومؤسساتهم.
فى مقابل هذا نجد أن التيار الإسلامى المعتدل يحدد أصل العنف فى غياب المؤسسات الديمقراطية والمجتمع التعددى إلا أن هذا التيار عملت الدولة على تهميشه وإدخاله عنوة فى دائرة العنف، فالدولة لا تريد التمييز بين معتدل ومتشدد لأنها لا تريد أى مشاركة شعبية سواء أكانت إسلامية أم علمانية فى السلطة، كما أنها تريد بالطبع المحافظة على مصالحها، فالإسلاميون المعتدلون يريدون المشاركة فى اللعبة السياسية الديمقراطية ويقبلون حتى بشرعية الأنظمة القائمة كما أنهم لا ينظّرون لأى جاهلية سياسية أو عالمية، بل ينظرون إلى الغرب ومؤسساته نظرة إيجابية بوجه عام، مع أنهم يختلفون معه حول قضايا عدة لكن هذه الخلافات سياسية فى المقام الأول وقابلة للحل.
ويكمل الخطيب يصعب القول إن حركة ما أو جماعة بعينها كان لها الفضل فى اشعال الثورات العربية التى كانت بشكل أو بآخر تعبيرًا عن التقاء الإرادة العامة للمجتمع فى لحظة تاريخية معينة شاركت فيها جميع القوى والحركات الإسلامية والسياسية والمجتمعية حيث إن اسهامات الحركات الإسلامية فى اشعال الثورات العربية كانت محدودة مقارنة بالوضع التنظيمى والحركى لها صحيح أن بعض هذه الحركات قد دفعت بقواعدها للانخراط فى العمل الميدانى لاحقًا، لكنها لم تكن بأى حال رائدة له كما أن مشاركتها كانت كطرف ضمن أطراف وقوى وحركات أخرى دون هيمنة وربما يعزو البعض الحضور الضعيف للإسلاميين فى الثورات العربية إلى ذكاء قياداتها وإدراكهم لحساسية اللحظة الثورية وحساباتها خاصة فى ظل إرث التربص السلطوى والرفض الغربى لهذه الحركات مما قد يزيد من احتمالات وأد الثورات العربية وإجهاضها فى مهدها كما حدث فى الجزائر أوائل التسعينيات لكن ذلك أيضًا لا ينفى ضعف الخيال السياسى لهذه الحركات وعدم استشعارها المبكر للزخم الثورى يضاف إلى ذلك انعدام أو فقر الخيال الثورى لدى التيارات الإسلامية وذلك نتيجة لخبرتها السلبية مع الأنظمة الحاكمة كما هى الحال فى مصر (الصدام بين عبدالناصر والإخوان فضلاً عن المواجهات المستمرة بين مبارك والجماعات الإسلامية طيلة العقدين الأخيرين) وسوريا (أحداث حماة عام 1982م) وتونس (أحداث باب سويقة عام 1990م) وقد اختزنت ذاكرة الإسلاميين هذه الأحداث طيلة العقدين الأخيرين فكانت النتيجة إسقاط الخيار الثورى من حساباتها والاعتماد على المنهج التدريجى كخيار وحيد للإصلاح. ولعله من اللافت أن لغة الخطاب الإسلامى الحركى طيلة العقود الثلاثة الماضية قد خلت من مفردات العمل الثورى كالتغيير، واسقاط الأنظمة، وتعطيل الدساتير وغيرها، فجاءت الثورات العربية نتيجة لفعل جماعى يتجاوز الأطر التنظيمية والأيديولوجية والسياسية الكلاسيكية، ومعبرة عن قوى وتيارات جديدة لم تعرف العمل الحزبى بشكله التقليدي. فالسواد الأعظم للثورتين التونسية والمصرية لم يخرج من عباءة الاحزاب القائمة، وإنما من حركات اجتماعية وثقافية تتسم بالمرونة الشديدة فى حركيتها وأفكارها وعضويتها. وهو ما يختلف جذريًّا عن طبيعة وبنية الخطاب الإسلامى الحركى الذى يتسم بالمركزية الشديدة والالتزام الأيديولوجى والتنظيمي. لذا كان أمام الحركات الإسلامية أحد خيارين، إما المشاركة فى الثورات العربية ولكن وفق شروط وقواعد اللعبة التى يحددها محركوها والداعون إليها، وإما عدم المشاركة وما قد يؤدى إليه ذلك من خسارة سياسية ومجتمعية ليس فقط بين قواعدها وأعضائها، وإنما أيضًا بين جموع الشعب.
ولم تكن مشاركة الحركات الإسلامية فى الثورة أمرا اختياريا أو بقرار تنظيمى إنما كانت أمرًا واقعًا فُرض عليها بفعل تطورات الفعل الثورى الذى كان سريعًا وحاول الجميع اللحاق به فعلى سبيل المثال رفضت جماعة الإخوان المسلمين فى مصر المشاركة إيجابيا فى تظاهرة 25 يناير 2011م فى بداياتها وهو أمر ليس غريبًا على الجماعة التى لم يكن لها حضور ثقيل فى غالبية المناسبات التعبوية التى قامت فى مصر خلال الأعوام الثلاثة الماضية (لم تشارك الجماعة فى إضراب 6 إبريل 2008م وغيرها من إضرابات العمال والمهنيين والضرائب العقارية) وذلك إما بسبب تخوفها من قمع النظام لها أو عدم تأثيرها فى هذه الدوائر الساخطة فى حين جاءت مشاركة الإخوان فى الثورة المصرية بعدما تأكد لها أن ما يحدث يتجاوز كونه تظاهرة فئوية كى يصل إلى العمل الثورى التاريخي. صحيح أن نفرًا من شباب الإخوان قد انخرط فى الثورة منذ يومها الأول، لكن ذلك لم يأت بقرار تنظيمي، وإنما من خلال مشاركة فردية عكست الفجوة الجيلية والفكرية داخل التنظيم الإخوانى وما لبثت الجماعة لاحقًا أن انضمت للثورة بكل قوتها وأصبحت طرفًا فاعلاً فى ديناميكيتها سياسيا وميدانيا وفى تونس كانت حركة النهضة آخر الملتحقين بقطار الثورة التونسية، وذلك نتيجة لضعف الحركة وتآكل بنيتها القاعدية بسبب الضربات المتلاحقة التى تعرضت لها طيلة العقدين الماضيين فضلاً عن انفصال المستوى القيادى (الذى كان أغلب رموزه فى المهجر) عن القواعد الحركية فى تونس.
ولم يكن متاحًا للإسلاميين بأى حال أن يعبروا عن هويتهم الذاتية فى الثورات العربية ليس فقط لأنهم لم يشعلوها أو يبادروا للقيام بها وبالتالى لا يحق لهم تلوينها بشعاراتهم وأيديولوجياتهم، وليس أيضًا لتخوفهم من أن يتم إجهاض الثورة بسببهم، وإنما أيضًا لإدراكهم عواقب ذلك على دورهم وإمكانية بقائهم كجزء من التركيبة الثورية فيما بعد. لم يكن شباب الثورتين التونسية والمصرية ليسمحوا ببروز أية هوية فئوية أو عمودية قد تؤثر فى شمولية الثورة وتحجب صورتها كحركة قاطعة للمجتمع ومعبرة عنه بكافة جماعاته وأطيافه. صحيح أن ثمة حضورًا لبعض رموز التيارات الإسلامية فى المشهد الثوري، إلا أنه كان حضورًا ملتزمًا بالتيار الثورى العام وليس متمايزًا أو منفصلاً عنه ولهذا لم يحتكر فصيل حركى بعينه المشهد الإسلامى فى الثورات العربية، وإنما تنوعت خريطة الإسلاميين الذين انخرطوا فى العمل الثوري، بحيث ضمت مختلف فصائل وجماعات التيار الدينى بدءًا من الإخوان المسلمين مرورًا بالحركة السلفية وانتهاءً ببقايا التنظيمات الجهادية التى كان لها حضور فى الثورة المصرية بدرجات متفاوتة وهو ما يؤكد مجددًا تجاوز الثورة المصرية للأطر الأيديولوجية والعقائدية لمختلف القوى الدينية والسياسية فلم يحدث من قبل أن انخرط الإخوان والسلفيون والجهاديون وفى بعض الأحيان الصوفية، فى عمل تنظيمى وحركى يستهدف تغيير نظام الحكم ليس فقط بسبب الاختلافات الشديدة بين خطاباتها وأيديولوجياتها وإنما أيضًا بسبب العداء التاريخى الذى وصل إلى حد الاتهام بالتواطؤ مع النظام السابق كما كانت الحال بين السلفيين والإخوان على سبيل المثال.
ويؤكد الباحث أن الحركة الإسلامية فى تونس حققت نجاحًا كبيرًا بعد ربيع الثورات العربية، حيث استطاعت حركة النهضة التونسية أن تحقق فوزًا كبيرًا فى الانتخابات التى جرت فى تونس يوم 23 أكتوبر عام 2011م تلك الانتخابات التى جاءت بعد نحو عشرة أشهر من سقوط نظام الرئيس التونسى زين العابدين بن على الذى فر تاركًا بلاده لمستقبل مجهول، استطاعت الحركة الوطنية التونسية وعلى رأسها القوى الإسلامية أن تنقذها من محنة كادت أن تعصف بها، ولعبت فيها المؤسسة العسكرية دورًا كبيرًا فى تأمين مرورها على هذا النحو، وهو ما كان له العامل الأول فى إنجاح ثورة تونس السلمية الخضراء.
حركة النهضة أو حركة الاتجاه الإسلامى كما كانت تسمى فى السابق هى الحركة التاريخية التى تمثل التيار الإسلامى فى تونس وعلى الرغم من أن الحركة لا تعلن نفسها كامتداد رسمى لجماعة الإخوان المسلمين إلا أنها قامت على منهج وفكر الإخوان المسلمين التى تأسست فى مصر على يد حسن البنا فى عام 1928م ولكنها لأسباب تتعلق بطبيعة المشهد السياسى فى حقبة حكم الرئيس الأسبق الحبيب بورقيبة لم تعلن عن نفسها رسميًّا إلا فى السادس من يونيو من العام 1981م نتيجة لنفس الظروف السياسية التى كانت سائدة فى عهد بورقيبة واستمرت فى عهد خلفه بن على غير معترف بها وتعرضت لأشكال عدة من التنكيل ما بين الإغلاق والحظر والاعتقال والنفى المتكرر لقياداتها طيلة العقود الثلاثة الماضية ووصل الأمر إلى درجة الحكم بالسجن مدى الحياة على أمينها العام السابق الصادق شورو ونفى الأمين العام الحالى لها وهو الكاتب والمفكر الإسلامى راشد الغنوشى بعد مؤامرة مزعومة عن قلب نظام الحكم فى أغسطس 1992م وعلى الرغم من ذلك عادت الحركة كحزب سياسى من جديد فى الأول من مارس 2011م باعتراف من جانب حكومة رئيس الوزراء محمد الغنوشى المؤقتة التى تولت حكم البلاد بعد الثورة.
تأسست حركة النهضة سنة 1969م كحركة تربوية فكرية اجتماعية ثقافيةعلى يد مجموعة من الشخصيات الوطنية فى مقدمتهم الشيخ راشد الغنوشى والأستاذ عبد الفتاح مورو وبإسهام فعال من شيوخ زيتونيين أمثال الشيخ محمد صالح النيفر والشيخ عبدالقادر سلامة وأسست حركة النهضة لمواجهة النزعة الاستبدادية للسلطة وتعديها على ثوابت البلاد ومؤسساتها الرمزية خاصة إغلاق جامع الزيتونة، ما ولد مرارة لدى الجيل الأول للاستقلال وأدى إلى موجة من الاحتجاجات فى نهاية الستينيات وكانت الحركة إلى جانب آخرين أحد تعبيراتها فنادت باحترام الهوية العربية والإسلامية لتونس وبرفع وصاية حكم الفرد والحزب الواحد. فلقد أقدم الرئيسان بورقيبة ومن بعده زين العابدين على القيام بعدة ممارسات ساهمت فيما بعد فى توطين التغريب والعلمانية فى الساحة التونسية ففى سنة 1957م أعلنت قوانين الأحوال الشخصية التى تقطع علاقتها بالشريعة الإسلامية فى مجال الأسرة وفى سنة 1958م ألغيت الأوقاف العامة، وفى سنة 1959م منع التعليم الديني، ثم شن بورقيبة بعدها بعام حربًا ضد الصيام وفى 1962م ألغى التقويم الهجري، كما قام بفتح أول ناد للعراة سنة 1965م، وفى سنة 1968م حظر ارتداء الحجاب الإسلامى فى البلاد، وفى سنة 1969م بدأت حملة لغلق المساجد، كما قام بورقيبة بإلقاء محاضرات ضد القيم الإسلامية وتهجم على القرآن الكريم والسنة النبوية، والآداب الشرعية والعادات الإسلامية، ولقد تابع بن على سابقه وزاد عليه عددًا من الممارسات التى زادت من سيطرت العلمانية وتفشى روح التغريب بين عموم التونسيين وعقب ذلك تحولت الحركة تدريجيًّا مع نهاية السبعينيات إلى العمل السياسى باعتباره أحد المداخل الرئيسية للإصلاح، فعقدت سنة 1979م مؤتمرًا أصبحت بمقتضاه حركة الاتجاه الإسلامى، ولقد تأكد هذا التحول بإعلان تأسيس الاتجاه الإسلامى فى 6 يونية 1981م كحركة سياسية ذات مرجعية إسلامية، تتبنى المنهج الديمقراطى فى التغيير، ولقد جوبه هذا الإعلان وطلب الاعتراف به رسميًّا بالرفض، وبحملة اعتقالات ومحاكمات شملت مئات من القيادات، فى حين واصل عدد آخر النضال تحت ستار السرية ليحفظ مسيرة الحركة وتواجدها خاصة فى القطاعات الشبابية والاجتماعية والثقافية. ولم يفتح الباب لحركة النهضة للعمل السياسى بشكل علنى وكامل إلا بعد قيام الثورة التونسية وهروب بن على من تونس، ليعود راشد الغنوشى إلى تونس بعد أكثر من 21 عامًا من اللجوء السياسى ببريطانيا، حيث استقبله بمطار قرطاج الدولى أكثر من 20 ألفًا من أنصاره، وأكد الغنوشى منذ عودته على عدم نيته الترشح لأى منصب سياسي، وأنه سيغادر رئاسة الحركة فى المؤتمر القادم. وخاضت الحركة أول انتخابات برلمانية وفازت فيها بأغلبية مقاعد المجلس التأسيسى وأخذت على عاتقها كما جاء فى بيانها التأسيسى العمل على إنجاز المهام الآتية:
بعث الشخصية الإسلامية لتونس حتى تستعيد مهمتها كقاعدة كبرى للحضارة الإسلامية بإفريقيا ووضع حد لحالة التبعية والاغتراب والضلال.
- تجديد الفكر الإسلامى على ضوء أصول الإسلام الثابتة ومقتضيات الحياة المتطورة، وتنقيته من رواسب عصور الانحطاط وآثار التغريب.
- أن تستعيد الجماهير حقها المشروع فى تقرير مصيرها بعيدًا عن كل وصاية داخلية أو هيمنة خارجية.
- إعادة بناء الحياة الاقتصادية على أسس إنسانية، وتوزيع الثروة بالبلاد توزيعًا عادلاً حتى تتمكن الجماهير من حقها الشرعى المسلوب فى العيش الكريم، بعيدًا عن كل ضروب الاستغلال والدوران فى فلك القوى الاقتصادية الدولية.
- المساهمة فى بعث الكيان السياسى والحضارى للإسلام على المستوى المحلى والمغربى والعربى والعالمي؛ حتى يتم إنقاذ شعوبنا والبشرية جمعاء مما تردت فيه من ضياع نفسى وحيف اجتماعى وتسلط دولى ولتحقيق هذه المهام تعتمد الحركة وسائل متعددة منها إعادة الحياة إلى المسجد كمركز للتعبد والتعبئة الجماهيرية الشاملة أسوة بالمسجد فى العهد النبوي، وامتدادًا لما كان يقوم به جامع الزيتونة من صيانة للشخصية الإسلامية ودعمًا لمكانة البلاد كمركز عالمى للإشعاع الحضاري، من هذه الوسائل:
- تنشيط الحركة الفكرية والثقافية بإقامة الندوات، وتشجيع حركة التأليف والنشر، وتجذير وبلورة المفاهيم والقيم الإسلامية فى مجالات الأدب والثقافة عامة، وتشجيع البحث العلمى ودعم الإعلام الملتزم
- دعم التعريب فى مجال التعليم والإدارة مع التفتح على اللغات الأجنبية. رفض العنف كأداة للتغيير وتركيز الصراع على أسس شورية تكون هى أسلوب الحسم فى مجالات الفكر والثقافة والسياسة.
- رفض مبدأ الانفراد بالسلطة لما يتضمنه من إعدام لإرادة الإنسان وتعطيل لطاقات الشعب ودفع للبلاد فى طريق العنف، وفى المقابل إقرار حق كل القوى الشعبية فى ممارسة حرية التعبير والتجمع وسائر الحقوق الشرعية والتعاون فى ذلك مع كل القوى الوطنية.
- بلورة مفاهيم الإسلام الاجتماعى فى صيغ معاصرة وتحليل الواقع الاقتصادى التونسى حتى يتم تحديد مظاهر الحيف وأسبابه والوصول إلى بلورة الحلول البديلة.
- الانحياز إلى صفوف المستضعفين من العمال والفلاحين وسائر المحرومين فى صراعهم مع المستكبرين والمترفين.
- دعم العمل النقابى بما يضمن استقلاله وقدرته على تحقيق التحرر الوطنى بجميع أبعاده الاجتماعية والسياسية والثقافية. اعتماد التصور الشمولى للإسلام والتزام العمل السياسى بعيدًا عن الانتهازية.
- تحرير الضمير المسلم من الانهزام الحضارى إزاء الغرب.
- بلورة وتجسيم الصورة المعاصرة لنظام الحكم الإسلامى بما يضمن طرح القضايا الوطنية فى إطارها التاريخى والعقائدى والموضوعي، مغربيا وعربيا وإسلاميا.
- توثيق علاقات الأخوة والتعاون مع المسلمين جميع فى تونس وعلى صعيد المغرب والعالم الإسلامى كله ودعم ومناصرة حركات التحرر فى العالم.
وجاء الفوز الذى حققه حزب النهضة والذى لم يكن مفاجئًا على الرغم من عقود الاضطهاد والنفى الطويلة التى مرت بها الحركة نتاجًا لجهد كبير وتضحيات كبيرة قدمتها قيادات ورموز الحركة وأعضاؤها، الذين تحملوا طيلة العقود الماضية مختلف صنوف الاضطهاد والنفي، بالإضافة إلى مجموعة من العوامل التى دعمت مكانة الحركة فى الشارع التونسى بعد الثورة، أبرزها المعاناة الشديدة التى مرت بها الحركة طيلة عقود حكم بن على ومن قبله بورقيبة، لتأتى الثورة وتكون الحركة على رأس قائمة القوى المرحبة بها. يأتى بعد ذلك طرح الحركة لبرنامج وطنى شامل وتصالحى لا يقصى أحدًا ويسعى إلى التعاون مع الجميع وينطلق من منطلقات وطنية، فمؤسس الحركة ورئيسها الحالى راشد الغنوشى أعلن التزامه بالتعددية وحقوق الإنسان واعتبر أن هذا هو أساس برنامج الحزب الذى أسسته الحركة بعد «ثورة الياسمين». إن هذه الرؤية من شأنها صياغة ديمقراطية إسلامية معاصرة تضمن الحريات المدنية والمساواة، كما أنها فكرة جاذبة لكثير من الناخبين الذين عانوا طويلاً من ويلات حكم دكتاتورى علمانى استمر لعقود طويلة. وتأكيدًا لهذا الجانب من برنامج الحركة، فبعد بدء ظهور معالم النتائج الأولية للانتخابات أعلن بعض قيادات الحركة، ومن بينهم عبد الحميد الجلاصي، ونور الدين البحيرى عضو المكتب التنفيذى للحركة إمكانية تحالف الحركة مع حزبين علمانيين وهما حزب المؤتمر من أجل الجمهورية الذى يتزعمه منصف المرزوقي، والذى حل ثانيًا فى الانتخابات البرلمانية، وحزب التكتل من أجل العمل والحريات بزعامة مصطفى بن جعفر، والذى حل ثالثًا.
الحركة لم تنف فى برنامجها أيضًا العمق العربى والإسلامى لتونس، ففى حديث للغنوشى لصحيفة «الشروق» الجزائرية فى الحادى عشر من أغسطس الماضي، قال الغنوشى: إن النهضة «حركة وطنية تونسية مستقلة فى قرارها» ولكنه قال: إن الحركة تربطها علاقات أخوية مع طيف واسع من الحركات الإسلامية المعتدلة فى العالم العربى والإسلامى يجمعها جميعًا الخط الإسلامى الوسطى والمعتدل، وقال: «نحن عضو مؤثر فيه نفيد ونستفيد منه، ولكن يبقى كل واحد بخصوصياته المحلية والقطرية». وأضاف فى الحوار ما يفيد أن الحركة منطلقاتها وطنية ومستهدفاتها وغاياتها أممية؛ حيث أشار إلى أنه «نحن لسنا فى نظام الخلافة، ونحن نحترم هذا الإطار الوطنى الذى نعمل فيه إلى أن يقع تجاوزه إلى دولة مغاربية أو اتحاد عربي، ولم لا اتحاد إسلامي». وقال أيضًا: «كل المسلمين يؤمنون بأنهم أمة واحدة ولكنهم لا يعملون فى إطار دولة خلافة أو ما شابهها؛ بل هم يتوقون ويتطلعون إلى توسيع ذلك الإطار من الوحدة إلى إطار أوسع، وهناك اليوم هياكل موجودة، اتحاد دول المغرب العربي، والجامعة العربية، ومنظمة المؤتمر الإسلامي، ولكنها هياكل تحتاج إلى تأهيل وتفعيل وعملية ارتقاء بها لخدمة الشعوب المغاربية والعربية والإسلامية». الجانب الثانى من برنامج الحركة هو تحديث تونس؛ حيث إن الحركة أعلنت فى أكثر من وثيقة لها وفى تصريحات قادتها أنها «مصممة على محو الصبغة الدينية للدولة لتحول تونس إلى فرنسا شمال أفريقيا» وهى دعوة مهمة لطمأنة الخارج قبل الداخل، ودفعت بشعبية الحركة إلى آفاق واسعة.
ولقد أثر هذا الخطاب حتى على القوى العلمانية الموجودة فى تونس، والتى تطرح بدورها برنامجًا وطنيًّا لا يقصى أحدًا، لتتحالف القوى التونسية فى صناعة مستقبل تونس الجديد بعد ثورتها الناجحة. ليكون ذلك دليلاً على قدرة الحركة الإسلامية على العمل مهما كانت الضغوط والمشكلات الموجودة، مع كونها تنطلق من دعوة نابعة من هوية المجتمعات التى تنطلق منها وتتحرك فيها.
وعن الوضع الليبى يقول معتزل الخطيب فى دراسته: المجتمع الليبى كما هو شأن كثير من الدول العربية والإسلامية تنوعت فيه نشاطات العمل الإسلامى ما بين الدعوى والجهادى والعلمي؛ فظهر الإخوان المسلمون والجماعة الإسلامية المقاتلة، إضافة إلى جماعة التبليغ والتيار السلفي. إلا أن القمع الشديد لنظام العقيد القذافى يكاد يكون قد ترك البلاد صحراء جرداء من التيارات الإسلامية إلا من بعض الواحات والحالات المعزولة عن التواصل مع المجتمع، واللجوء إلى العمل السري، ذلك الأسلوب الذى قادها جميعًا إلى صراعات ومواجهات مع السلطة الحاكمة، كان من نتيجته الاعتقال والتعذيب والتشريد والقتل فى أحيان كثيرة، وفى مراحل مختلفة طوال فترة حكم العقيد القذافى التى انتهت بقيام الثورة الليبية وسقوط نظامه فى أواخر عام 2011م.
وتعتبر الجماعة الإسلامية المقاتلة من أهم وأقوى التنظيمات الإسلامية الليبية التى اعتمدت خيار التغيير بقوة السلاح، وخاضت مواجهات عسكرية مع قوات السلطة المتمثلة فى الجيش أو الشرطة أو اللجان الثورية حيث إن إرهاصات ميلاد هذه الجماعة كانت فى أوائل ثمانينيات القرن الماضي؛يأتى ذلك بينما وصل التيار السلفى إلى ليبيا من خلال رحلات الحج والعمرة وتأثر بعض الطلاب الليبيين بنقاء وقوة فكر الشيخ العلامة محمد بن عبد الوهاب، وفى العقد الثامن من القرن الماضى كانت السوق الليبية مغلقة أمام الكتب الإسلامية. وكان الشباب يبحث عن أى فرصة للحصول على الكتب الإسلامية والأشرطة. وعندما يجد تلك الفرصة يشترى ما يستطيع، ويحاول إدخالها للبلاد لقراءتها ونشرها بين الأصدقاء. وكانت الكتب تهرب إلى داخل البلاد مثل أى سلعة ممنوعة ويحظرها القانون. وبعد عام 1988م تغيرت تلك الحالة نسبيا؛ فالسماح بالسفر للخارج بدون الحاجة إلى تأشيرة خروج سهَّل على القادرين على السفر عملية شراء الكتب وإدخالها إلى البلاد. كما جرى تسهيل دخول كميات من الكتب الإسلامية أثناء تنظيم بعض معارض الكتاب. أما الصحف والمجلات العربية والإسلامية والدولية فقد ظلت ممنوعة من الدخول والتداول بين الناس، وإن سمح لبعضها بالدخول فهى قليلة ولفترات لا تطول. كل هذا ساهم فى ظهور التيارات السلفية فى ليبيا؛ وإن كان بعضها قد استقطب من قبل النظام لإكسابه شرعية ولى الأمر، ومع انتشار المظاهر السلفية فى ليبيا وتمت مواجهتها من قبل النظام بالعنف والتضييق الشديد.
وعلى صعيد متصل أدى التقارب الجغرافى بين مصر وليبيا إلى سرعة تعرف المجتمع الليبى على فكر جماعة الإخوان المسلمين خاصة مع فرار كثير منهم خارج مصر نتيجة الأوضاع السياسية فى مصر بعد ثورة يوليو، واصطدامهم مع نظام عبد الناصر. وعندما وقع الانقلاب العسكرى فى الأول من سبتمبر 1969م فى ليبيا وانتهاء النظام الملكى لم يكن هناك وجود فعلى للتجربة التنظيمية الإخوانية، ولم يتم حلها بصورة حاسمة من قبل اللجنة أو الأسرة القيادية. ولكن فى أوائل عام 1973م جرى اعتقال قرابة ثلاثين شخصًا فى طرابلس أثناء الإعلان عما سمى رسميًّا بالثورة الثقافية والإدارية. وكان فى مقدمة من تم اعتقالهم اللجنة القيادية، ورغم البدء فى إجراءات محاكمة تلك المجموعة إلا أن المحاكمة توقفت بأمر سياسي، وأفرج عن الجميع إثر خطاب للعقيد القذافى رئيس مجلس قيادة الثورة آنذاك، قال فيه: إذا أراد الإخوان العمل للإسلام فعليهم أن يعملوا له خارج ليبيا، وأن يتجهوا إلى جمعية الدعوة الإسلامية، ويهتموا بنشر الإسلام فى إفريقيا وآسيا. وفور الإفراج طلبت المؤسسة الأمنية من عدد من الشخصيات الاتصال بجمعية الدعوة بطرابلس، وذلك تنفيذًا لقرار العقيد القذافى، وطلب منهم السفر للعمل خارج البلاد. وبذلك التطور تحدد مصير حركة الإخوان فى ليبيا؛ حيث انتهى نشاط أعضائها وأصبحت محظورة مثل كل الأحزاب الأخرى.
وفى عام 1998م اكتشفت السلطات الأمنية التنظيم الذى كان يعمل بسرية بعد حظره، ونفذت حملة اعتقالات واسعة وتم اعتقال قرابة مائة عضو، وحكم على المراقب العام ونائبه بالإعدام، وحكم على أعضاء مجلس الشورى بالمؤبد، وعلى أعداد أخرى بالسجن لعدد من السنوات. وبعد سلسلة من الحوارات والاتصالات مع عدد من قيادات الإخوان فى الخارج، وبعد حوارات مع المعتقلين تم الاتفاق على الإفراج عن الإخوان بشرط ألا يقوموا بأى نشاط تنظيمى ولا سياسى ولا اجتماعى عام، وأن يعيشوا مواطنين عاديين وأن يمارسوا حياتهم العادية. لكن الجماعة حاولت تجميع صفوفها من جديد وأعلنت عن قيادة تنظيمية لها فى عام 2005م، واحتل المهندس سليمان عبدالقادر موقع المراقب العام، لكنه كان يقيم خارج ليبيا.
وعلى صعيد آخر فقد امتدت شرارة الثورة العربية من القارة الإفريقية لتصل إلى القارة الآسيوية لتبدأ أولى محطاتها فى البحرين، ولكن النظام الحاكم بها بما له من سلطة ونفوذ داخليًّا وعلى مستوى المنطقة، استطاع تحجيم هذه الثورة وإن لم يستطع إخمادها. كانت المحطة الثانية للثورة العربية فى المنطقة الآسيوية هى اليمن التى ظلت مشتعلة طوال عام كامل تحدت خلاله القوى الثورية النظام الحاكم والمساندات والدعم الخارجى له حتى استطاعت إسقاط رأس النظام، لتدخل فى مرحلة جديدة وهى إحداث تغييرات واقعية وملموسة على أرض الواقع اليمنى بدأت خطاه مع بدايات الثورة وأحدثت الثورة اليمنية تحولات ملموسة فى البنية الفكرية والتنظيمية والحركية للحركة الإسلامية اليمنية، غير أنها بطبيعة الحال لن تكون بمستوى التحولات التى أحدثتها الثورات العربية فى الحركات الإسلامية المناظرة فى كل من تونس ومصر وليبيا، ويعود ذلك إلى أن الثورة اليمنية مازالت فى مرحلة صيرورة، ولم تكتمل فصولها بعد بالشكل الذى يتضح معه حجم ومستوى تلك التحولات، وبسبب خصوصية نشأة وتطور الحركة الإسلامية اليمنية، التى نمت وتطورت فى ظروف طبيعية، وانتقلت إلى العمل العلنى منذ ما يزيد على عقدين، علاوة على الواقع السياسى والاجتماعى الذى توجد فيه، والذى يعتبر المرجعية الإسلامية من الثوابت والمسلمات الأساسية، لكن فى الوقت ذاته يفرز تحديات مختلفة ذات طبيعة عملية وليست فكرية. أما السبب الأكثر أهمية فيتمثل فى أن الحركة الإسلامية اليمنية، اعتمدت تحولات مبكرة فى خياراتها وعلاقاتها وخطها السياسي، مكنتها من الانتقال من العمل الفردى إلى العمل فى إطار تحالفات واسعة، ومن العمل التنظيمى إلى العمل الجماهيرى.
تأسست الحركة الإسلامية (الإخوان المسلمون)، بشكل فعلى فى شطرى اليمن، خلال العقد السادس من القرن العشرين، على أيدى عدد من الطلاب اليمنيين الذين التحقوا بالجامعات والمعاهد المصرية، غير أنها تعرضت للإقصاء فى الشطر الجنوبى بعد وصول التيار الماركسى إلى السلطة هناك فى أواخر ذلك العقد. وفى ظل الظروف التى كانت تعيشها اليمن والمنطقة العربية عمومًا خلال عقد السبعينيات، كان من الطبيعى أن تهيمن على الحركة الإسلامية على الاتجاهات الفكرية المتصلة بالتركيز على حسم الهوية الإسلامية الكاملة للدولة والمجتمع فى الشطر الشمالى وتثبيتها فى النصوص الدستورية، والتشريعات القانونية، ووسائل التثقيف والإعلام والتنشئة العامة، وأن تتجه جهود الإخوان وتحالفاتهم إلى تحصين المجتمع والدولة تجاه الأفكار والتنظيمات اليسارية والقومية، ومواجهة المخاطر الأمنية والفكرية والسياسية القادمة من دولة الحزب الاشتراكى فى الجنوب وفرعه فى الشمال، إلى جانب خطاب دعوى يركز على القضايا الأخلاقية وأحوال المسلمين فى بقاع العالم المختلفة. وبعد تراجع المخاطر التى تحملها التنظيمات اليسارية والقومية فى أوائل عقد الثمانينيات، استمر الخطاب الإخوانى التقليدى الذى يركز على القضايا الأخلاقية، وهموم المسلمين فى أرجاء المعمورة، مع وجود تنوع فى هذا الخطاب، ومسحة سلفية محافظة اقتضتها البيئة الاجتماعية اليمنية شديدة التدين، وحالة التداخل والحراك السكانى بين اليمن والمملكة العربية السعودية بفعل هجرة اليمنيين للعمل والإقامة فى المملكة بصورة مؤقتة أو دائمة. وفى الجانب السياسي، دخل الإسلاميون مع نظام الرئيس السابق على عبد الله صالح فى تحالف استمر حتى عام 1997م، فكان لهم تواجد فى السلطة التشريعية والمجالس المحلية، وتنظيم المؤتمر الشعبى الحاكم، ونشاط كثيف فى مؤسسات الدولة المختلفة، وخاصة تلك المعنية بالتعليم، والتنشئة العامة. وفى مقابل التحالف مع النظام والدفاع عنه، حصل الإسلاميون على الأمن ومشروعية العمل شبه العلنى طوال عقد الثمانينيات، وهو ما وفر لهم حرية الحركة، ومكَّنهم من النمو الطبيعي، وخلصهم من العقد والهواجس الأمنية التى تعرض لها الإسلاميون فى معظم الدول العربية، وسمح لهم بالتمدد الفكرى والتنظيمى والنشاط الحركى.
مثلما كان قيام الوحدة فى مايو 1990م، متغيرًا استراتيجيا بالنسبة لليمن بشكل عام، فقد كان كذلك بالنسبة للحركة الإسلامية، فقد فتح لها أبواب المحافظات الجنوبية التى أُغلِقت أمامها طويلاً، ومكنها من الحصول على الشرعية القانونية والانتقال من العمل السرى إلى العمل العلنى الكامل من خلال الحزب الذى شكلته مع حلفائها التاريخيين، وهو حزب «التجمع اليمنى للإصلاح». وباستثناء الفترة الممتدة بين عامى 1990-1994م، التى اتسمت بالاستقطاب الفكرى بين الحركة الإسلامية من جهة وقوى الحداثة بقيادة الحزب الاشتراكى من جهة ثانية، حول الهوية السياسية والدينية للدولة، والتى انتهت بتثبيت الهوية والمرجعية الإسلامية فى التعديلات الدستورية التى أعقبت حرب عام 1994م، بنص المادة الثانية من الدستور على أن «الشريعة الإسلامية مصدر القوانين جميعًا»، فإن خط تطور الحركة الإسلامية سار باتجاه تغليب الاتجاه الواقعى الذى يركز على القضايا العملية فى الجوانب السياسية والاقتصادية والحقوقية. كما أن حالة التنقل السريع فى المواقع السياسية للحركة الإسلامية، «التجمع اليمنى للإصلاح»، أفضى إلى انغماسها بشكل كبير فى تقلبات الواقع السياسى ومتطلباته العملية؛ فقد تصدى حزب الإصلاح لمهام المعارضة السياسية أثناء الفترة الانتقالية 1990– 1993م، وشارك بعد انتخابات 1993م فى حكومة الائتلاف الثلاثية إلى جانب المؤتمر الشعبى العام (الحزب الحاكم) والحزب الاشتراكى اليمني، ثم فى حكومة الائتلاف الثنائى مع المؤتمر الشعبى العام بعد حرب 1994م، وعاد إلى مربع المعارضة بعد انتخابات 1997م، والتأم مع أحزاب المعارضة فى تكتل واحد منذ عام 2000م. ومعظم القرارات المرتبطة بتلك التحولات كانت تتخذ لاعتبارات واقعية، وفى ضوء معايير عملية أكثر منها فكرية وأيديولوجية، وهو ما وسع كذلك من مساحة الاتجاه الواقعى داخل الحركة. اتجه النظام بعد إخراج الحزب الاشتراكى من السلطة بقوة السلاح نحو الاستفراد والتمدد على حساب المكونات السياسية والاجتماعية الأخرى، فاختل معه التوازن السياسى واتسع بعد إخراج الإسلاميين من الحكومة على إثر نتائج انتخابات 1997م، وعلى الفور اتجهت الحركة الإسلامية إلى التقارب مع أحزاب المعارضة الرئيسية وهى الحزب الاشتراكى اليمني، والتنظيم الوحدوى الناصرى، وحزب البعث القومى، وحزبى الحق واتحاد القوى الشعبية. وبعد تعثر البدايات الأولى دخلت تلك الأحزاب فى تحالف أُطلِق عليه «تحالف اللقاء المشرك».
بعد مضى ما يزيد على عام من انطلاق الثورة اليمنية، يبدو أنها تركت آثارًا ملموسة على الحركة الإسلامية اليمنية. فقد أخذت الثورة اليمنية شكل الاعتصامات الدائمة فى أكثر من سبع عشرة ساحة وميدانًا، فى العاصمة صنعاء ومعظم محافظات الجمهورية رابط فيها اليمنيون منذ تأسيس أول ساحة للاعتصام فى 11 فبراير 2011م. وهكذا دفعت الثورة بالإسلاميين إلى الخروج من محاضنهم التنظيمية، ونمط حياتهم اليومى الذى يتسم بقدر من الاعتزال، وألزمتهم بالمرابطة فى الشارع والاختلاط بكل مكونات العمل الثورى بتنوعاته وتناقضاته المختلفة لشهور طوال. ولا شك أنها تجربة من العمل الجماهيرى غير مسبوقة فى تاريخ الإسلاميين اليمنيين. وفى المقابل فإن الاحتكاك المباشر بين الإسلاميين وبقية الثوار وتعايشهم اليومى وجهًا لوجه كل تلك المدة، يرجح له أن يترك انطباعات مختلفة كذلك لدى الثوار عن الإسلاميين، وأن يغير بعض قناعاتهم وانطباعاتهم السابقة عنهم. وبفعل ذلك كله يتوقع أن تترك الثورة الشبابية تحولات تلامس البنية التنظيمية والفكرية والأداء السياسى للحركة الإسلامية اليمنية؛ إذ من المتوقع أن يزداد تمثيل المكون الشبابى فى المؤسسات القيادية للحركة فى المستقبل القريب؛ فقد دفعت الأحداث اليومية للثورة بالقيادات الشبابية إلى تصدر المشهد الثورى والإعلامى وساهمت فى فرز نخبة من القيادات الشبابية قد يتصدرون المواقع القيادية فى الحركة بالمستقبل، ويتوقع كذلك زيادة المكون النسائى فى البنية القيادية للحركة ومؤسسات الدولة ذلك أن الدور والحضور النسائى الواسع فى الثورة سيضعف إلى حد كبير أى ممانعة قد تعترض تصدر النساء لقيادة العمل العام داخل الحركة وخارجهاويمكن القول بأن الثورة اليمنية وضعت الإسلاميين باعتبارهم الطرف المحتمل لتولى السلطة أو المشاركة فيها خلال المرحلة القادمة على المحك، فيما يتعلق بقدرتهم على التعامل مع التحديات التى يواجهها اليمن وفى مقدمتها الحفاظ على كيان ووحدة الدولة والتحديات الاقتصادية والانقسامات السياسية والاجتماعية والمناطقية والتعامل مع المشاريع الانفصالية والطائفية، وهى تحديات عميقة ومركبة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.