خبير مصرفي: المؤشرات الداخلية والخارجية تدفع المركزي لخفض الفائدة 1%    قوات قسد تُعلن إيقاف المواجهات مع الجيش وتعليق من "الدفاع السورية"    أشرف صبحي: مهمتان في انتظار منتخب مصر وكلنا على قلب واحد    محامٍ بالنقض يكشف العقوبات المتوقعة للمتهمين في واقعة وفاة السباح يوسف محمد    تصرف غريب من أحمد الفيشاوي مع المصورين في عزاء والدته    ضبط 1.7 طن دقيق دون فواتير دالة على مصدرهم بالقليوبية    مصر و الأردن يؤكدان تعزيز التعاون في النقل البري خلال اجتماعات اللجنة الفنية المشتركة بعمان    وليد صلاح عبداللطيف: محمد صلاح خارج التقييم.. وحسام حسن يشبه محمود الجوهري    نقيب أطباء الأسنان: "الخريجون مش لاقيين شغل"    رئيس وزراء جرينلاند: لن نحيد عن قيمنا الديمقراطية وجرينلاند ملك لشعبها    مسؤول سابق بالناتو: احتجاجات مزارعين أوروبا تتصاعد بسبب تقليص الدعم    فضل صيام شهر رجب وأثره الروحي في تهيئة النفس لشهر رمضان    "الحكومة": أكثر من 5 مليون مواطن استفادوا من التأمين الصحي الشامل    زيلينسكي: أوكرانيا بدأت إنتاج أنظمة الدفاع الجوي محليًا    جامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا ضمن أفضل الجامعات العربية في تصنيف 2025    ميرال الطحاوي تفوز بجائزة سرد الذهب فرع السرود الشعبية    رئيس الهيئة الدولية لدعم فلسطين: الاحتلال لا يسمح سوى بدخول أقل من ثلث المساعدات المتفق عليها إلى غزة    رمضان عبدالمعز: دعوة المظلوم لا تُرد    السيسي: مستعدون لدفع المزيد من الاستثمارات المصرية إلى السوق التنزانية    الكويت وروسيا تبحثان تعزيز التعاون في مجالات الزراعة والثروة الحيوانية والسمكية    توني يقود هجوم الأهلي ضد الشرطة العراقي في دوري أبطال آسيا للنخبة    البورصة تختتم تعاملاتها اليوم الإثنين بتباين كافة المؤشرات    مصلحة الضرائب تكشف تفاصيل الحزمة الجديدة من التسهيلات الضريبية    مصدر من الأهلي ل في الجول: لا نعرقل انتقال حمزة عبد الكريم ل برشلونة.. وهذا موقفنا    تعيينات جديدة بكلية التربية جامعة عين شمس    "يتمتع بخصوصية مميزة".. أزهري يكشف فضل شهر رجب(فيديو)    آيتن عامر تعتذر عن استكمال "حق ضايع" قبل بدء التصوير    لأول مرة بجامعة عين شمس.. نجاح جراحة زرع جهاز تحفيز العصب العجزي    خلال 24 ساعة.. رصد 153 مخالفة على الطرق في الغربية    نائب الصحة لشئون الحوكمة والرقابة يشهد الاجتماع الأول للجنة تطوير منظومة طب الأسنان    "هعيش حزين".. أول تعليق من أحمد الفيشاوي بعد وفاة والدته    جنايات الإرهاب تقضى بالمؤبد والسجن المشدد ل5 متهمين بخلية التجمع    يضم 950 قطعة أثرية.... محافظ المنيا يتفقد متحف آثار ملوي    في مشهد مهيب.. الأزهر ينجح في إخماد فتنة ثأرية بالصعيد    انتظام أعمال امتحانات الفصل الدراسي الأول بجامعة قنا    قائد أوغندا قبل مواجهة تونس: لن نكون لقمة سائغة لمنافسينا في أمم إفريقيا    قصة قصيرة ..بدران والهلباوى ..بقلم ..القاص : على صلاح    فرحة وحيدة لمنتخب مصر في الاستضافة العربية لأمم أفريقيا    رئيس جامعة القاهرة يجري سلسلة لقاءات رفيعة المستوى بالصين لتعزيز التعاون الأكاديمي والبحثي    مدير تعليم الجيزة يواصل سياسة العمل الميداني بزيارة مفاجئة لإدارتي «العياط والصف»    الانتقام المجنون.. حكاية جريمة حضرها الشيطان في شقة «أبو يوسف»    حداد ودموع في طابور الصباح.. مدرسة بمعصرة صاوي تنعى تلميذين لقيا مصرعهما في حادث الطريق الإقليمي    السيطرة على حريق بسوق عرفان فى محرم بك بالإسكندرية دون إصابات.. صور    وزارة شئون القدس تطالب بتدخل دولي عاجل لوقف هدم منازل المقدسيين    تشكيل مجلس إدارة غرفة الرعاية الصحية فى اتحاد الصناعات    إطلاق حملة "ستر ودفا وإطعام" بالشرقية    مصدر من الأهلي يكشف ل في الجول تطورات ملف المحترفين والراحلين.. وموقف توروب    هل طلب بيراميدز ضم ناصر ماهر من الزمالك ..مصدر يوضح    مدبولي: توجيهات من الرئيس بإسراع الخطى في تنفيذ منظومة التأمين الصحي الشامل    محافظ المنوفية يتفقد مركز خدمة عملاء مركز معلومات شبكات المرافق بقويسنا.. صور    كنز بطلمي يخرج من باطن الأرض محافظ بني سويف يتفقد أسرار معبد بطليموس الثاني بجبل النور بعد أكثر من عقد على اكتشافه    ننشر مواعيد امتحانات الفصل الدراسى الأول بمحافظة القاهرة    الحقيقة الكاملة لسحب الجنسية من البلوجر علي حسن    وكيل الأزهر يحذِّر من الفراغ التربوي: إذا لم يُملأ بالقيم ملأته الأفكار المنحرفة    وزير الثقافة ورئيس صندوق التنمية الحضرية يوقّعان بروتوكول تعاون لتنظيم فعاليات ثقافية وفنية بحديقة «تلال الفسطاط»    وزير قطاع الأعمال: نحرص على تعزيز الشراكات مع القطاع الخاص المحلي والأجنبي    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاثنين 22-12-2025 في محافظة قنا    مواعيد مباريات الإثنين 22 ديسمبر والقنوات الناقلة.. مصر تبدأ مشوارها في أمم أفريقيا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التحليل النفسى لقيادات الإخوان المسلمين سيد قطب 2 (الحلقة 11)


المصدوم
يقول الكاتب والفيلسوف اليونانى نيكوس كازانتاكيس: «ما إن نولد حتى تبدأ محاولاتنا فى أن نخلق وأن نجعل للمادة حياة»، أى نولد فى كل لحظة، لذا جاهر البعض ولا أبالغ إن قلت إن هدف الكثيرين فى هذه الحياة هو الخلود، فى الأجسام الحية الفانية يتصارع هذان التياران، الصاعد نحو التركيب، نحو الحياة، نحو الخلود، الهابط نحو التحلل، نحو المادة، ويقول «نيكوس» أيضا فى وصف هذين التيارين: «هذان التياران كلاهما مقدس»، إلى هنا انتهى كلام كازانتاكيس، ويقول الطبيب النفسى والمفكر النمساوى الشهير سيجموند فرويد: «إن الإنسان يحمل داخله – أى فى النفس اللا واعية – رغبتين إحداهما هى رغبة البناء، ودعاها «الإيروس»، والأخرى رغبة الهدم وسماها «الثانتوس»، وفى بدء مشروعه العلمى أكد سيجموند فرويد أن الإنسان تحركه الدوافع طبقا لغرائزه الجنسية فقط، تعرض بعدها لانتقادات شديدة ورفض أشد فى الأوساط العلمية والطبية أجبرته على تعديل آرائه فى نهاية حياته إلى مفهوم أقل حدة، وهو أن الجنس هنا المقصود به كل صور البناء والحياة، وأن العدوان والتدمير المقصود به كل الصور السلبية والهدم والرذائل حتى المعنوية منها، بل وخصوصا المعنوية منها والتى يمكن أن تندرج تحت هذا اللواء
.
وفى الفترة الأخيرة ابتليت بلادنا ليس فقط بطوفان من النوع الثانى الهدمى والتدميري، بل وبتمكن هذا الطوفان لفترة من مقدرات البلاد ومفاصلها، هذا الطوفان هو جماعة الإخوان الإرهابية، أما الابتلاء فهو مشروعها المقصود به التمكين لها فى جميع أرجاء الدولة المصرية، فيما عرف إعلاميا بمشروع «الأخونة»، وقام على هذا المشروع الخطير الغريب عن مصر مجموعة من الشخصيات أغرقت البلاد فى فوضى لا مثيل لها، حتى لفظت مصر شعبيا هذا الكيان الإرهابى الغريب النبت، ونحن نهدف هنا بالأساس لمحاولة فهم ما يدور فى نفوسهم، وبعض الديناميكيات لهذه الشخصيات التى تقود الجماعة الإرهابية، نتساءل: ما هوالتكوين النفسى لهذه الشخصيات؟، هل هى شخصيات سوية أم بها خلل ما؟، سنحاول جاهدين بلا إفراط ولا تفريط أن نوغل برفق فى تحليل نفسى بسيط لهذه الشخصيات، والتى ظلت طوال عام كامل من حكم الإخوان تطل على الساحة تحت الأضواء حتى أفول نجم الجماعة، فضلا عن سيطرتها على مقاليد الأمور بالدولة بعد ثورة 30 يونيو. شخصية اليوم ملغزة .. ربما، لكن الأكيد أنها ملغمة، فى حديثنا السابق عن شخصية سيد قطب تحدثنا عن الجانب النرجسى فى شخصيته، ونستكمل هنا حديثنا عن «حقل الألغام» المتحفزة، أعنى سيد قطب، نتناول هنا جانباً محورياً جداً من شخصيته، أو من الأحداث المكونة لها وهى رحلة الدراسة إلى أمريكا، كان ذلك أواخر الأربعينيات وكانت البعثة من وزارة المعارف لدراسة أساليب التعليم فى الولايات المتحدة والعودة للكتابة عنها والاستفادة منها فى الداخل المصرى .. الأمر لا يعدو كونه بعثة علمية تداوم الحكومات على إرسالها للاستفادة من تجارب الآخرين وتبادل الخبرات، خرج سيد قطب من مصر قبل مقتل حسن البنا وعاد إليها بعد الحدث، ولم يكن قد انضم إلى الإخوان بعد حتى تاريخ عودته، وإن كان قد نشأت بينهم بعض المشاعر - مشاعر التعاطف بينه وبين الجماعة - أدت إلى اعتناقه أفكارها فيما بعد، بالتحديد فى عام 1953، وهواختيار زمنى له دلالاته أيضا.
دعونا نبدأ من نقطة الصفر، تكلمنا آنفا وفى مرات سابقة أيضا عن التيارين المتحكمين فى النفس البشرية، تيار ايجابى يسعى للبناء وتحكيم الفضائل والارتقاء، وهو أيضا المعنى المرادف للحياة نفسها، وتيار آخر سلبى يسعى للهدم ويكرس للرذائل والدنو، وهو بالتالى المرادف للتدمير والموت ذاته، والتدمير هنا تدمير للذات قبل أن يكون تدميرا للمجتمع، وأشرنا أيضا إلى أن جماعة الإخوان بما تحمله من سمات الشخصية السيكوباتية المريضة اجتماعيا يحلو لها على مستوى اللاوعى فضلا عن مستوى الوعى تدمير المجتمع الكبير، وعدم الاعتراف بأى شكل من الأشكال بمجتمع آخر غير مجتمعها الصغير - الجيتو أو الأسرة الإخوانية - وهو ما نشاهده من عنف سلبى زمن الضعف - ضعفهم -، إلى عنف ايجابى مهووس زمن الاستقراء وزمن الضعف - ضعف الدولة - وهكذا.
نعود إلى النقطة الرئيسية، فى حالة ارتقاء الإنسان التدريجى وتحقيقه لنفسه على كل المستويات النفسى والاجتماعى وغيره، يبدأ الإنسان فى الارتقاء، وإذا بدأ الإنسان فى خسارة أو الخوف من خسارة مكتسباته فإنه يصبح عنيفا، وفى سبيل الحفاظ على مكتسباته يتصاعد العنف حتى يصبح عنفاً جسدياً وصولا إلى القتل نفسه .. لتتخيل مثلا أنك سمعت صوتاً فى منزلك ليلا، بالطبع سيكون أول رد فعل أن تصرخ قائلاً «من هناك»، ثم ستبدأ فى التفكير فى السيناريوهات المتوقعة للموقف، وإذا لمحت ظلاً لشخص ستسعى لاستكشافه، ثم لتخويفه لعله يخرج دون خسائر، ثم إذا واجهته ستشتبك معه للحفاظ على منزلك وأسرتك، وربما تضطر لقتله حتى لا يقتلك أويؤذى أبناءك، فمنزلك، أسرتك، حياتك هى المكتسبات، فتصاعد العنف هنا ناتج ببساطة عن تصاعد التهديد والعنف الزائد، وهذا نتيجة طبيعية للإحساس بالخطر، ففى البداية كان الخطر محتملاً أو مشكوكا فيه ثم واجهت الخطر بنفسك وتأكدت من وجوده فصارت المواجهة حتمية، ستجد نفسك تسحب سكينا من المطبخ - لاحظ أن السكين صنع فى الأساس لأغراض ايجابية لمساعدتك فى أعمال جيدة كإعداد الطعام أو أغراض كلها للصالح - وهنا نقف أمام اللحظة الحاسمة، إما تدمير الخطر وإما أن يدمرك، المعنى هنا يصب فى الحفاظ على الذات - الأنا - أى الحفاظ على الوجود نفسه.
رحلة قطب إلى أمريكا كانت فى زمن خرجت مصر منه منهكة من طول احتلال - مازال جاثما - أجبرها على خوض حربا عالمية لا ناقة لها فيها ولا جمل هى الحرب العالمية الثانية، ووضع سياسى متأزم ومجتمع يعانى من أزمات خطيرة، حالة اقتصادية سيئة، وضع سياسى خطير، وتراجع للحريات، انتقالا إلى مجتمع - المجتمع الأمريكى - خصب قوى منتصر منتشى منطلق قوى جموح طموح، تقريبا فى سبيله للسيطرة على مقاليد الأمور فى العالم ومقدراته وشعوبه، حالة من القوة المطلقة فى كون كان يبحث عن معنى للوجود بعد حرب كونية راح ضحيتها ما يزيد على ستين مليوناً من البشر، ناهيك عن الحجر، فضلا عن المبادئ الإنسانية التى تحطمت، قطب أصابته هذه الصدمة الحضارية فكان عليه أن يحافظ على ذاته بأن يتراجع أوينكص محاولا حمايتها بأى طريقة، الرجل نكص وثبت عند المبادئ الأخلاقية الأولى وهى الإسلام تشبث بها جدا وجعلها حصنه الحصين ضد الحضارة الصاعدة بقوة وحيوية مذهلة والتى تهدد وجوده الفعلي، وهنا نبت العنف ضد من يحاول أن يدمر مكتسباته، هنا استخدم قطب السكين الذى هو الإسلام رغم أن السكين مصنع لهدف أخلاقى إلا انه استخدم كأداء تدميرى تماما، نكص قطب وحدث له التثبيت عند تلك النقطة فالرجل المصدوم من حالة الحضارة المرعبة التى لم يستطع تقبلها كنرجسي، لأنها أعلى من مستواه، أصيب بهذه الحالة من الأعراض الاكتئابية شأنه شأن النرجسيين عند انكسارهم، فلا عجب أن نجد أن قطب الناقد الفنى المهتم بالأدب - يكتبه فعليا - المبعوث من الحكومة المصرية لدراسة أساليب التقدم فى التعليم يحزن بشدة على فرح الأمريكيين بمقتل حسن البنا، كان هذا أثناء تواجده فى الولايات المتحدة عام 1949 ولم يكن ينتمى ساعتها للإخوان، لاحظ أن قطب لم يحزن لوفاة البنا ولم يحزن على الإخوان لأنه لا ينتمى لهم - حتى تلك اللحظة - إلا انه غضب من شماتة الأمريكان فى الواقعة، لنلخص الأمر إذن، قطب - النرجسى المصدوم - حزن من شماتة الأمريكان - الأعلى حضاريا - لمقتل رجل يتشابه معه فى المكتسب الوحيد الذى يقاتل من أجله عند حدوث الصدمة بوصوله لأمريكا ونكوصه وتثبيته عند هذا المكتسب، الذى صار يمثل له حياة نفسها وأصبح تدميره يعنى تدمير ذاته نفسها، فتعاطف معه وقرر الانضمام بعد عودته إلى مصر فى زمن محنة بالنسبة للإخوان عام 1953، ثم - لأنه نرجسى - قرر أن يكون المُنظر والأعلى كعباً فى هذه الجماعة .. الأمر إذن لا يعدو كونه لعبة نفسية، تلاعبنا ذواتنا ومكونات النفس بأدواتها وعناصرها، ونتفاعل نحن مع أبجديات اللعبة، اللعبة التى ابتدأنا الحديث عنها ونستكملها فى حديثنا عن قطب الحلقة القادمة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.