بعد الأحداث الأخيرة في ليبيا السؤال الذي يطرح نفسه هل هذه هي ثورة أخري للشعب أم ثورة من ثورات البترول، بالطبع أنا لا أملك أي معلومات استخبارية وليس في وسعي سوي أن أحلل الأوضاع تحليلا تاريخيا وسياسيا منطقيا أضيف إلي ذلك حس داخلي شبه غريزي اكتسبته من حياة امتدت إلي ما يقرب من سبعين سنة كلها أحداث وحروب وثورات وانقلابات عاصرتها في العالم العربي.. كنت في هذه الدنيا طفلا ولكن واعيا بما يدور حولي من أحداث بداية من حرب فلسطين سنة 1948 مرورا بزواج الملك فاروق من الملكة ناريمان إلي حرائق القاهرة والغاء اتفاقية 1936 وقيام ثورة الجيش المصري بعد انتخابات نادي الضباط التي فاز فيها اللواء محمد نجيب وسمعت أول خطبة لأحمد ماهر باشا ورأيت محمد نجيب أول رئيس لجمهورية مصر ثم تحديد اقامته في المرج.. الخ. الخ. طبعا لم أكن أعلم في هذه السن الصغيرة أن أمريكا كانت ترغب في طرد بريطانيا من الشرق الأوسط لتحل محلها، كنت طفل مصريا وطنيا ساذجا بكل معني الكلمة براءة الأطفال، لم أكن أعرف أن فيلماً أمريكياًَ مثل «عبدالله الكبير» بطولة «أليانور باركر» كان تعضيضاً أمريكياً واضحاً للثورة المصرية الآن وبعد أن قدر الله لي أن أعيش كل هذا العمر ومازلت أمتلك قواي العقلية إلي حد لا بأس به بمقاييس الشرق الأوسط أصبح الشك الديكارتي منهجي في الحياة. أضف إلي ذلك أني علي خبرة لا بأس بها بالمجتمع الليبي حيث كان والدي يعمل في منتصف عمره في ليبيا وكانت العائلة علي علاقة صداقة بأحد أفراد عائلة وزير دفاع ليبي سابق. وأخيرا كان لي الحظ والشرف أني عشت أهم أيام حياتي العملية في دول عربية متقدمة ولكن تقدمها وحداثتها بنيت بعناية وحكمة علي نظام عشائري تقليدي مازال له وزنه حتي يومنا هذا. مسلحا بكل هذه المؤهلات والخبرة التي لا بأس بها لن أنتظر حتي تتضح الصورة وسوف أجازف بأن أبدو رأيي واضحا الآن وعلي الرغم من أن هناك بطبيعة الحال احتمالا أن أكون خطأ ولكن الآن هو المهم. أكاد أن أجزم أن هناك أكثر من يد أجنبية تحاول انتهاز فرصة انشغال الاخت الكبري مصر للاستيلاء بأي طريقة علي أكبر قسط ممكن من بترول ليبيا ووضعه بطريق مباشر أو غير مباشر تحت سيطرتهم بشكل أكبر كثيرا مما هو عليه الحال الآن. النسيان في بعض الأحيان نعمة ولكن نسيان التاريخ في عالم السياسة نقمة، ربما لا يعرف أغلب شباب اليوم تصريحات الاستعماري الأمريكي الكبير «هنري كسنجر» عن الشرق الأوسط وبتروله في السبعينيات واجازته التدخل المسلح في المنطقة لتأمين احتياجات الغرب للبترول، أنا لم أنس كتاب «لعبة الأمم»، كما لم أنس فيلم أمريكي «كوندور» بطولة «فاي دون أواي» و«روبرت ردفورد» عن مؤامرات هيئة الاستخبارات الأمريكية «C.I.A» بخصوص تأمين بترول الشرق الأوسط لصالح الولاياتالمتحدة وحلفائها. الحقيقة لم يمر أكثر من 20 عاما علي كل هذه السيناريوهات النظرية لكي تصبح حقيقة بداية من حرب أفغانستان التي كان العراق هو الهدف غير المعلن لها مرورا بدارفور والسودان والآن ليبيا. من كل ما سبق أكاد أن أجزم أنه وعلي الرغم من صدق كل المطالب بالحرية والديمقراطية إلا أن السبب الحقيقي لأحداث ليبيا هي مصالح بترولية لدول غربية. أرجو أن يقيم هذا التحليل تقييما جديا وأن نستفيد منه لمواجهة ما يمكن أن يحدث لبلاد عربية أخري مثل وطني الثاني والذي أدين له بالكثير وهي المملكة العربية السعودية، وكذلك مصر التي هي في اعتقادي أغني الدول العربية بالموارد الإنسانية والطبيعية بالإضافة إلي البترول والغاز المكتشف والذي يمكن اكتشافه في المستقبل ناهيك عن الثروة المائية التي سوف تزداد أهميتها في المستقبل لتفوق أهمية البترول. ربنا أحفظ لنا مصرنا من كل مكروه وبارك فيها لنا فهي ملاذنا وعرضنا. حكمة اليوم: أصعب شيء هو التنبؤ خصوصا التنبؤ بالمستقبل.