يوافق يوم الاثنين 8 يوليو 2013، الذكرى الحادية والأربعين لاغتيال الأديب الفلسطينى المناضل غسان كنفاني، والذى يعتبر أحد أشهر الكتاب والصحفيين العرب فى القرن العشرين، وأحد رواد الأدب الواقعى فى العالم العربي، ويعتبر «كنفاني» نموذجاً خاصاً للكاتب السياسى والروائى والمسرحى والقاص والناقد والفنان التشكيلى والمناضل الذى سخر حياته لقضيته، كانت أعماله الأدبية من روايات وقصص قصيرة تضرب بجذورها فى عمق الثقافة العربية والفلسطينية، فقد كان أدب غسان وإنتاجه الأدبى متفاعلاً دائماً مع حياته وحياة الناس وفى كل ما كتب كان يصور واقعاً عاشه أو تأثر به، وقد استطاع غسان كنفانى خلال فترة حياته القصيرة والخاطفة أنْ يواكب حياة الفلسطينيين ويكتب عن مآسيهم وأن يفضح أهداف الاحتلال عبر إطلاعه على الفكر الصهيوني، فكان غسان من أوائل من كتب عن شعراء المقاومة ونشر لهم وتحدث عنهم، وكان مرجعاً لكثير من المهتمين بالشأن الوطنى الفلسطيني، رسم العديد من اللوحات وصمم العديد من ملصقات الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وأصبح رمزاً من رموز القضية إلى الدرجة التى جعلت الكيان الصهيونى يعتبر اغتياله فصلاً حاسماً فى معركته ضد رموز حركة التحرر الوطنى الفلسطيني. كان ميلاده بمدينة عكا شمال فلسطين فى التاسع عشر من ابريل عام 1936، وبعد ميلاده بعشرة أيام اندلعت الشرارة التى أشعلت فتيل الثورة الفلسطينية الكبرى (1936-1939) فى حادث اشتباك بين مدنيين عرب ويهود فى مدينة يافا، وفى العام 1948 أجبرت ظروف الاحتلال الإسرائيلى الغاشم لفلسطين غسان وعائلته على اللجوء فى بادئ الأمر إلى لبنان وهو فى الثانية عشرة من عمره ثم إلى سوريا، وهناك أكمل دراسته الثانوية فى دمشق، وأثناء دراسته ظهر تفوقه فى الأدب العربى والرسم، وبعدها عمل فى التدريس فى مدارس اللاجئين، ثم التحق بعدها بكلية الأدب العربى فى جامعة دمشق وأسند إليه آنذاك تنظيم جناح فلسطين فى معرض دمشق الدولي، ولكنه انقطع عن الدراسة فى نهاية السنة الثانية وذلك بعد أن انضم إلى حركة القوميين العرب، وفى أواخر عام 1955 التحق غسان للتدريس فى المعارف الكويتية، وكانت فترة إقامته فى الكويت المرحلة التى صاحبته إلى نهم على القراءة، وهى التى شحنت حياته الفكرية، وفى هذه الفترة بدأ غسان يحرر فى إحدى صحف الكويت ويكتب تعليقا سياسيا لفت إليه الأنظار بشكل كبير خاصة بعد أن زار العراق بعد الثورة العراقية عام 58. وفى عام 1960 غادر غسان الكويت إلى بيروت التى كانت المجال الأرحب لعمله وفرصته لالتقاء التيارات الأدبية والفكرية والسياسية وذلك للعمل فى مجلة (الحرية) التى كانت تنطق باسم الحركة مسئولا عن القسم الثقافى فيها، ثم أخذ بالإضافة إلى ذلك يكتب مقالاً أسبوعياً لجريدة (المحرر) اللبنانية والتى أصبح فيما بعد رئيساً لتحريرها، وأصدر فيها (ملحق فلسطين) ثم انتقل للعمل فى جريدة (الأنوار) اللبنانية وحين تأسست الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين عام 1967 قام بتأسيس مجلة ناطقة باسمها حملت اسم مجلة «الهدف» وترأس تحريرها حتى استشهاده، كما أصبح ناطقاً رسمياً باسم الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. كان «غسان» ملتزماً بالفكر الفلسطينى الأصيل الذى يؤمن إيمانا تاماً بأن اندثار الكيان الصهيونى وتدميره وإزالته من الوجود هو حتمية تاريخية لا بد منها، ويتوجب على الفلسطينى أن يعمل من اجل إنجاز هذه الغاية العظمى، وكان إصراره وإيمانه بذلك السبب الأصيل فى اغتياله، ودليلا على أهمية الثقافة والأدب فى مسيرة النضال الفلسطينى ضد الحركة الصهيونية ومحاولاتها تزييف التاريخ، وإبعاد المثقفين وأصحاب الرأى والكلمة من المشهد الفلسطينى والعربي، ففى 8 يوليو 1972 قامت المخابرات الإسرائيلية بتفجير سيارته أمام منزله فى منطقة الحازمية قرب بيروت، واستشهدت معه ابنة شقيقته لميس نجم، تلك الفتاة التى ارتبط بها وارتبطت به أيما ارتباط، فقد كان فى كل عام يكتب لها قصة ويرسمها، ومن بين كتاباته الأدبية الأولى كتاب مهدى لها، فقد كانت علاقتهما عميقة جداً وكأن هناك رابطاً قوياً يجمعهما، حتى فى الممات. على الرغم من استشهاده وهو فى السادسة والثلاثين من عمره كان «كنفاني» خصب الإنتاج وكأنه كان يعرف أنه لن يعمر طويلا، فظل يسابق الزمن، فقد أصدر غسان كنفانى حتى تاريخ وفاته المبكّر ثمانية عشر كتاباً، وكتب مئات المقالات فى الثقافة والسياسة وكفاح الشعب الفلسطيني، وفى أعقاب اغتياله تمّت إعادة نشر جميع مؤلفاته بالعربية، فى طبعات عديدة، وجمعت رواياته وقصصه القصيرة ومسرحياته ومقالاته ونشرت فى أربعة مجلدات، وتُرجمت معظم أعماله الأدبية إلى سبع عشرة لغة ونشرت فى العديد من البلدان حول العالم، وتم إخراج بعضها فى أعمال مسرحية وبرامج إذاعية فى بلدان عربية وأجنبية عدة، وتحولت اثنتان من رواياته إلى فيلمين سينمائيين، وما زالت أعماله الأدبية تسطر بجدارة إصرار الشعب الفلسطينى على تحرير بلده المغتصب.