كتبت منذ عدة أيام، وبالتحديد يوم الأربعاء الدامي: الموقع: ميدان التحرير مابين عبد المنعم رياض والمتحف المصري.. الشخوص: مصريان لا يميز أحدهما عن الآخر في شيء.. الحدث: حوار قصير جدا جدا.. الأول: إنت معانا واللا مع الناس التانية؟ الثاني: معاكم طبعاً.. الأول بعد أن صفع الثاني علي وجهه صفعة قوية (بوووم): إحنا بأه الناس التانية.. من المفترض أن نضحك علي هذه النكتة القديمة في الأحوال العادية.. أما اليوم ونحن في حالة لا يمكن تصديقها من عدم الاتزان.. واللخبطة.. والتوهان.. واختلاط الحابل بالنابل علي كل المستويات.. لا نملك إلا أن نبكي علي هذه النكتة.. جميع الأطراف المتخاصمة المتعاركة علي أرض ميدان التحرير هي أطراف مصرية.. لا يوجد ناس، وناس تانية.. كلهم شعب واحد مهما اختلفت الآراء.. ماذا حدث إذن؟ في الخامس والعشرين من يناير، كان هناك فريق من الشباب له أفكار وآراء وطرق تعبير متفق عليها.. ومتفق علي عدم الخروج عن قواعد معينة.. وتجنب أي عنف أو حتي رد العنف بالعنف.. ولكن وقبل يوم الأربعاء الدامي، اختلط بهؤلاء الشباب عناصر أخري ربما أقل ثقافة.. ربما أكثر عنفا.. ربما لم تفهم جيدا ما تم الاتفاق عليه.. علي الجانب الآخر، وخارج ميدان التحرير، وفي مناطق متفرقة في مصر سمع المصريون خطاب الرئيس.. البعض تأثر أو اقتنع بما جاء فيه من تعهدات.. البعض كان قد انزعج مما حدث علي مدار الأيام السابقة من تخريب وترهيب وتبخر الأمن وانعدام الاستقرار.. هؤلاء وأولئك نزلوا بعفوية إلي الشوارع.. كان لهم هم أيضا آراء ومواقف وأفكار يريدون التعبير عنها.. ربما لا تتوافق مع شباب التحرير ولكن من حقهم التعبير عنها.. وتكرر المشهد.. كان عفويا وهادئا في البداية بالتحديد في الليل بعد خطاب الرئيس.. ولكن الحابل اختلط بالنابل في اليوم التالي الأربعاء الدامي.. من أين جاءوا؟ لماذا ذهبوا إلي التحرير بالذات؟ لماذا العنف؟ لماذا رد عليهم الفريق الآخر بالعنف؟ فضائيات تنتشي بالخبر.. ضرب المصريون المصريين.. أصابوا من أصابوا وقتلوا من قتلوا.. دماء ودمار.. دماء المصريين ودمار بلدهم.. أكرر سؤالي الذي سألته قبل أسبوعين أو أكثر: أين العقلاء؟ وأين الوطن؟ أعود إلي النكتة المبكية.. مع من نحن؟ إذا كنت من العقلاء فلا يهم مع أي فريق أنت ولا إلي أي رأي تنتمي.. فأنت مضروب مضروب.. وإذا كنت ممن يمسكون الأسلحة والحجارة، فلا يهم الجانب الذي اتخذته فأنت ضارب ضارب ولا عقل لك ولا منطق.. وإذا كنت لا تنتمي لفريق المعارضين ولا المؤيدين، ولا الضاربين ولا المضروبين.. فأنت وهم جميعا وأنا أيضا ما زلنا يرحمكم ويرحمنا الله - مصريين..