أكتب كلماتي هذه يوم الغضب وتحوطني أخبار لا أدري الصحيح منها والكاذب والمبالغ فيه.. نعم حدثت مظاهرات.. وأعداد المشاركين فيها ليست قليلة بالرغم من تضارب الأرقام في الإعلام.. وبالتأكيد هناك غضب من قبل هؤلاء المتظاهرين.. وهناك اشتباكات في بعض أو أكثر من بعض المحافظات بين المتظاهرين وقوات الأمن.. ولكن ما أسباب الغضب، وما دوافعه، وما آثاره؟ أسباب الغضب الجماهيري تتفاوت من شخص لآخر.. والغريب أن كثيراً من المحللين ينظرون لمشاعر الغضب عند الجماهير بشكل شمولي، وكأن أسباب غضبهم واحدة.. والحقيقة أن أسباب الغضب تختلف من شخص لآخر.. قد تتشابه أسباب عامة للغضب كالبطالة وارتفاع الأسعار وانخفاض الأجور.. ولكن تبقي أسباب أخري أقوي وأشد إلحاحا علي مشاعر الأشخاص مما يدفعهم للخروج بهذا الغضب المكبوت إلي الشارع والتعبير عنه بطرق فيها كثير من العنف.. فليس كل من خرج للتظاهر من الذين يعانون البطالة وليسوا كلهم تحت خط الفقر.. وبالتأكيد يوجد بينهم كثيرون من أصحاب الدخول المتوسطة.. ولكن أسبابا أخري قد جعلتهم غاضبين.. إذا ما تقابلت شخصيا مع عينة مصغرة من هؤلاء الغاضبين ستجد أنهم سيقدمون لك أسبابا متعددة لغضبهم، ومنها: صعوبة الحصول علي أي أوراق رسمية أو تصاريح.. البيروقراطية المقيتة التي ما زلنا نعاني منها.. الامتيازات المتعددة التي ينالها بعض المواطنين وتحجب عن آخرين.. التجاوزات التي تحدث أمام عيون النظار في مقابل الرشوة.. الظروف المعيشية المتردية في كثير من الأحياء ومنها نقص المرافق وانتشار القمامة وسوء الأحوال الصحية الذي يتبع ذلك التردي.. أحوال التعليم وتفشي الدروس الخصوصية.. ماذا نتوقع من شخص لا تصل المياه النظيفة إلي بيته إلا لمدة ساعتين في اليوم؟ ماذا ننتظر من أب يعاني مع أبنائه من سوء أحوال التعليم وصعوبة التحصيل الدراسي في فصول مكدسة؟ ألن يغضب من يستغرق ساعة وأكثر للوصول إلي عمله ومثلها أثناء العودة بسبب الاختناقات المرورية؟ ألا يشعر بالغضب كل شاب لا يتمكن من توفير مسكن بسيط حتي يستطيع أن يكون أسرة؟ ألن يخرج هؤلاء جميعا للتنفيس عن غضبهم ببعض الصراخ والهتاف والاعتراض؟ يتجه كبار المحللين إلي تفسير الغضب سياسيا ويستغل أصحاب الانتماءات المختلفة أصحاب الغضب من أفراد الشعب متجاهلين الأسباب الحقيقية المتنوعة التي أدت إلي غضبهم وموجهين هذا الغضب لخدمة توجهاتهم الشخصية.. وتبقي الحقيقة الواضحة ألا وهي عدم توحد الغاضبين علي أسباب غضب واضحة معلنة تجمعهم حول مطالبات واقعية واعتراضات ذات قيمة ونداءات بطلبات محددة.. فقد رفع البعض لافتات ضد الغلاء، وآخرون ضد الفساد، وآخرون للمطالبة بالتغيير.. البعض عبر عن غضبه بالهتاف، وآخرون في بعض البلدان قاموا برشق قوات الأمن بالحجارة وببعض أعمال الشغب.. مما يدل علي أن الغضب ليس مشتركا في أسبابه وبالتالي لا يتفق المتظاهرون علي ما يريدون.. هل تكفي مظاهرات اليوم للتعبير عن الغضب المكبوت؟ أم ستكون هناك آثار أخري لما حدث؟ هذا ما سنعرفه قريبا وللحديث بقية..