(صراحة انا تهت.. مش عارف أعمل إيه.. شوية يقولوا ازعل، صوّت، اصرخ، وبإحساس.. علي اللي موت الفرحة في قلوب الناس.. وشوية يقولوا دول شهدا مافيش حداد.. دي فرحة وأعياد.. شوية يقولوا اكره واشتم ده في ناس شايفاك فاسد كافر.. وناس تقول دول جيرانك، دول إخوانك تكره مين أنت ماتعرفش الكره يا شاطر.. شوية قالولي ياللا نمشي ما بقتش بلدنا.. نهرب قبل ما يفوت الأوان.. وشوية قالوا لأ هنفضل مش هنفرط في اللي سابهولنا أجدادنا من زمان.. وأسمع كلام: مصر قاسية.. مصر ناسية.. واتقلب كمان الميزان.. وناس تقول جه الوقت علشان نبني ونتعاون ونحط لينا بين الشعوب مكان.. قعدت أفكر لقيتها حسبة صعبة: اسكت ازاي وأنا كده متهان.. وازاي اسيب اللي موت فرحتنا وملانا احزان! لكن لقيت نفسي بأقول: هي القوة اني ابقي غضبان؟ واللا اني أسكت وابقي هربان؟ واللا القوة، اني من جوه، انتصر علي وقفة شيطان؟ القوة اني أضرب وأكسّر وأفتكر اني من الشجعان؟ واللا أبني وأشيد بحب وإيمان؟ القوة اني أشتم وأهين وأتهان؟ واللا أسامح ده أنا مؤمن بالغفران؟ أنا عارف إن النقمة دي تصرف عادي للإنسان.. أما المغفرة هبة من الديان.. أنا مش زعلان والغضب مالوش في قلبي مكان.. واثق انك معايا في كل أوان) علي صفحة الفيس بوك الخاصة به، وبعد مرور عدة أيام علي حادث كنيسة القديسين قام (مينا) بمشاركة هذه الكلمات التي يعبر فيها عن نفسه وعن أفكار وخواطر كثيرين من الشباب.. جاءتني كلماته فقرأتها بعناية.. وجدت فيها تعبيرا صادقا لا عن حالة مينا وحده بل عن حالة عامة تجتاح الشباب وتحتاج إلي تحليل لما تتضمنه من أفكار وخواطر ومخاوف ومشاعر.. أولها: حالة من (التوهان) سببها اضطراب المشاعر واحتراق النفوس بالحزن مما أدي إلي اختلاط الأفكار المتناقضة.. فإلي أين يذهب؟ هل يعبر عن نفسه في غضب ومظاهرات وتنديد وصراخ يضيع صوته وينهي كلماته؟ أم يسكت ويكتم حزنه وغضبه ويرتفع ضغط دمه ويصاب بجلطة دماغية؟ أم يترك هذا البلد وما فيه ومن فيه ويبحث عن حياة جديدة في أرض جديدة؟ وثانيا: توجد حالة من (الشجن) حول مشاعر متنوعة: لوعة علي من قتلوا.. يأس من الإحساس بانعدام الفرصة.. شعور برغبة في الرحيل يقابله عزوف عن ترك تقاليد وتراث الأجداد وعدم رغبة في البعد عن الجذور.. وهو شعور مصري أصيل ربط المصري المزارع المستقر بأرضه رباطا أبديا سريا في عروق الأبناء والأحفاد حتي بعدما تركوا الزراعة.. ثم تعبير قوي عن قوة داخلية مصدرها الإيمان بالغفران.. ثالثا: حتي لو كان مينا لم يقصد التعبير سوي عن نفسه وبعض أصدقائه.. إلا أن كلماته تعبر عن حالة (عامة) للشباب المصري وفي كثير من مقاطعها تشمل مشاعر الكثيرين منهم الذين ما زالوا يبحثون عن انتمائهم الحقيقي، ويغضبون من انعدام الفرص، ويثورون، ويهدأون، ويرغبون أحيانا في الرحيل، ويسكتون أحيانا ويستسلمون في يأس، ويبحثون عما في داخلهم من إيمان.. ويصرخون كل واحد منهم مع مينا: صراحة أنا تهت وحيران.