من المؤكد أن كل منا وجد نفسه على الأقل مرة في تجمع على المقهى أو المترو أو في حديث مع سواق تاكسي حيث يتمحور الموضوع حول السياسات الخاطئة للحكومة وكيف قادت البلد للوضع الحالي الذي لا يرضى عنه أي من المشاركين في الحوار، و يقوم كل من الموجودين بالإدلاء بدلوه وعادة تبدأ كل جملة ب "أنا لو يمسكوني البلد دي...." و لا أحد يدري "هما مين اللي هيمسكوه" و "هيمسكوه بمناسبة إيه" ولكن هو فرض لا بد منه حتى يستمر الحديث ويستمتع الجميع. وفي هذا النوع من الحوارات تسمع كل أنواع الآراء، فمنها الرأي الجدير بالتفكير وله جوانب عميقة وجديدة، ومنها الآراء العجيبة المستحيل تنفيذها على أرض الواقع، ومنها الآراء ال "كلاشيه" التي تسمعها في كل الحوارات من هذه النوعية مثل "الأرقام الزوجية والفردية" في أزمة المرور، و"تجربة الصين" في الاقتصاد، و"الاعتماد على الناشئين" في كرة القدم وغيرها كثير. ولكن دعونا نتخيل ما هو نوع الحديث الذي من الممكن أن يجري في المقهى التخيلي الذي تجتمع فيه الحكومة يوميا بعد انتهاء العمل الحكومي، فمثلا ها هو وزير التربية والتعليم يأتي من الخارج ويلقي بجسده على أحد الكراسي طالبا "واحد شاي نعناع": " أنا مش عارف الناس دي عايزة ايه، كل واحد ابنه ما يحلش سؤال في الامتحان يعمل مشكلة ولا مشكلة الشرق الأوسط، ولازم الامتحان ييجي سهل علشان كل الطلبة تحله، إزاي مش فاهمين إن كل ما الامتحان ييجي أسهل، مجاميع القبول هتبقى أعلى!!، ومش بس كده، طول الوقت شكوى من الدروس الخصوصية وولي الأمر من قبل ما السنة تبتدي أوحتى يشوف المناهج يبتدي يجري ورا المدرسين ويحجز في مراكز الدروس، المشكلة إن الناس ما بتحاولش تساعد نفسها علشان حد يقدر يساعدها". يرد وزير الصناعة والتجارة " أمال أنا أعمل ايه، الناس كل شوية بتشتكي من البطالة ولما عملنا إعلان عن أكتر من 12 ألف وظيفة ما تقدمش غير حوالي 3200 واحد بغض النظر كام واحد من دول ينفع أصلا". وهنا يتنهد وزير النقل "أنا بأه مش عارف أتصرف إزاي، مش عارف أصرف ميزانية الوزارة على عمل مواصلات جديدة ولا صيانة وإصلاح المواصلات القديمة، الناس بتتعامل مع المواصلات بغل فظيع وما يهدوش إلا لما يبوظوا حاجة أو يعملوا حاجة غلط، إحنا بقينا محتاجين عسكري مع كل مواطن". يتدخل وزير الداخلية: " انت هتقوللي، انت عارف إن السبب الرئيسي لأزمة المواصلات هو سوء تصرف السواقين في الشوارع؟ معظم أزمات المرور يبقى السبب فيها واحد ابن حلال قرر إن هو يركن في مكان غلط أو يطلع عكس الاتجاه، أنا بيتهيألي إن مفيش بلد في العالم فيها عربية بترجع بضهرها على الكوبري إلا مصر !! ومش عارف الحل إيه، لازم نحط عسكري مرور كل 500 متر علشان الناس تلتزم". ويرد وزير التنمية الإدارية: "وحتى لو عملت كده، كان غيرك أشطر، الناس هتلاقي طريقة ترشيه أو تجبلوا واسطة علشان يعملوا اللي هما عاوزينه، إحنا هنا في مصر محدش عاوز يقف في طابور أو يستنا دوره، الناس بتفسد اللي مش فاسد فما بالك باللي فاسد، ومهما كانت الإجراءات بسيطة لازم يدور على طريق مختصر علشان يكون أحسن من غيره، وفي كل قعدة لازم تلاقي مواطن يسألك: ما تعرفش حد في المرور؟ ما لكش حد في وزارة كذا أو مصلحة كذا.. لازم وسطة ولازم محمد بيه وحسين باشا بيسلم عليك". وفجأة يدخل عليهم سمير زاهر ومعاه حسن شحاتة يبدو عليهما الغضب الشديد والحدة، فيسأله الجالسون مالك حصل ايه، فيرد سمير زاهر: "مش معقول اللي بيحصل ده، إحنا عندنا 80 مليون مدرب منتخب و80 مليون رئيس اتحاد، نزود عدد اللعيبة في قايمة الأندية يقولوا الأندية الكبيرة بتشتري اللاعيبة وتركنهم، نقلل عدد اللعيبة يقولوا مش بنساعد الأندية في أفريقيا، نأجل مباريات الدوري يقولوا دوري مش منتظم، نصمم ما نأجلش يقولوا تشدد وضد مصالح الأندية، نجيب مدرب أجني يقولوا مدرب وطني، نجيب وطني يقولو أجنبي، ما فيش حد ممكن يقف ورا رأي عكس رأيه علشان المصلحة العامة". ويكمل حسن شحاته:" أنا بقيت بفكر أعمل استفتاء شعبي على قايمة المنتخب في كل تجمع، أنا أول ما بعلن القائمة الناس بتسيب كل اللعيبة اللي أنا اخترتهم وتدور على أي لاعب ما اخترتوش وهات يا أسئلة وحوارات ولقاءات، أنا مش عارف لو الناس مش هتثق في اختياراتي بعد 3 أمم أفريقيا أمال هيثقوا فيها إمتى !!!" يضحك وزير المالية ويقول: " انتوا بس اللي مش عارفين تتعاملوا مع الناس، الشعب في مصر ليه عقلية معينة، كده كده فيه انتقادات فانت تعمل اللي انت عاوزه وسيبهم يقولوا اللي يقولوه، يللا بينا بأه علشان الساعة اتأخرت وبكرة ورانا شغل". وهنا يبدأ الجميع في الانصراف استعدادا ليوم جديد من "المشاكسة والمناكفة" بين الشعب والحكومة. وتبدو وراءهم لافتة كبيرة في صدر المقهى منقوش عليها "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم".