تسعي مصر إلي إقرار دستور جديد في أسرع وقت ممكن لكن الخبراء يتسائلون عما إذا كان ما يحدث في مصر الآن هو عملية إعداد دستور حقيقية ذكرت الكاتبة النمساوية "جودرون هرّير" Gudrun Harrer بصحيفة "هرستاندرد" DER STANDARD. النمساوية الحقيقة السياسية الحالية الواضحة في مصر الآن هي محاولة محو الفترة ما بين فبراير 2011 و يوليو 2013 من تاريخ مصر، وهو الأمر الذي يجري تنفيذه بأقصى سرعة الآن وتنفيذ هذه العملية يشمل الإسراع في إعداد دستور جديد. الخبراء السياسيون مثل ناثان جي. براون (Nathan J. Brown) من مركز (Carnegie Endowment for International Peace) في واشنطون يشككون في كون ما يحدث الآن هو عملية سياسية حقيقية لإعداد دستور، فقد قامت لجنة قانونية مكونة من "عشرة أعضاء" بإعداد مسوّدة للدستور خلف الغرف المغلقة من المفترض أن تقوم لجنة الخمسين المكونة من 50 عضوا بمناقشتها الآن، وهي اللجنة التي تم الإعلان عن أسماء أعضائها قبل عدة أيام والتي تضم ممثلاً واحدا عن حزب النور الإسلامي السلفي بينما ظل التعامل مع المرأة كأقلية مرة أخرى فلم تحصل المرأة إلا على 5 مقاعد في اللجنة المذكورة وهو ما أستنكرته منظمات نسائية. كما أن أحداً لم يحاول إخفاء عملية إقصاء التيار السياسي الفائز في أول انتخابات حرّة والتي بدت واضحة جداً ويشير السيد "جي.براون" أن الاتجاه العام في لجنة الدستور تلك ليس فقط غير إسلامي بل هو اتجاه معادٍ للإسلام. أما عن حزب النور "السلفي" والذي شارك بقوة في عملية "إسقاط الرئيس مرسي" وكيف سيتم التعامل معه داخل اللجنة فهو أمر مفتوح. لكن من المؤكد أنه سيتم في تلك اللجنة مناقشة "حظر تكوين أحزاب علي أساس ديني" وذلك وسط أنباء عن نيّة الحكومة المصرية حل جماعة الإخوان المسلمين. الأمر الأخر الذي سيواجه لجنة الخمسين هو ما حجم الأغلبية التي ستحققها تعديلاتهم علي مسودة لجنة العشرة والكلام هنا يدور حول الحاجة لنسبة 75% إجماع علي كل بند يتم تعديله من بنود مسودة العشرة وهو ما يعني أن إدخال تغييرات جوهرية علي مسودة لجنة العشرة سوف لن يكون بالأمر اليسير؛ ليس هذا فحسب . الدستور المصري الجديد سوف لن يلقي نصيباً كبيراً من الحوار المجتمعي، وعلي هذا, فإن شيئاً لم يتغير بسقوط مرسي . كل ما في الأمر هو أن أشخاصاً آخرين هم من يعدّون الدستور. مع العلم أن مرسي ضغط بالدستور الذي كتبه الإسلاميين علي القضاء المصري الذي أراد حل اللجنة التأسيسية للدستور, لكن ذلك الدستور تم طرحه للاستفتاء، وتمت الموافقة عليه من الشعب، وهو الأمر الذي من المفترض أن يحدث مع الدستور الجديد. من الواضح أيضاً أنه قبل أن تبدأ لجنة الخمسين عملها فإن مسألة إلغاء المادة 219 قد باتت محسومة وذلك بسبب أنها تمثل تفسير "سنّي" للشريعة وهو ما تم اعتباره أمراً طائفياً, كما سيتم إلغاء أسلمة مواد أخرى من الدستور بينما ستبقي الماد الثانية والتي تم إقرارها منذ عام 1981 بالرغم من رغبة العلمانيين العودة إلي دستورما قبل حقبة السادات، فالرئيس الراحل أنور السادات وفي ظل حربه مع الناصريين في 1971 قام بالتحالف مع المتدينين ومن بينهم الإخوان المسلمين، وأضطر إلى تقديم تنازلات لهم. أمر أخر يثير قلق المراقبين للمشهد السياسي في مصر وهو أن الانتخابات البرلمانية القادمة سوف تكون علي نفس النظام الانتخابي المستخدم في نظام مبارك؛ حيث النظام الفردي ولا وجود للقوائم الحزبية وهو الأمر الموجّه بكل وضوح وبلا شك ضد الفائزين في انتخابات 2011/2012 من الإسلاميين بينما سيتم إلغاء الغرفة الثانية للبرلمان وهي مجلس الشورى. إهانة الرئيس باقية اللجنة القانونية أقترحت حذف 32 مادة من ال 236 مادة وتعديل 109 مادة ليس من بينها المادة التي تقضي بحبس الصحفيين بتهمة إهانة رئيس الجمهورية. دستور مرسي لم يكن يُتّهَم فقط بأنه دستور إسلامي بل إنه كان دستوراً قمعياً بشكل عام. ونحن ننتظر أن يقر الدستور الجديد حريات أكثر من دستور مرسي. ولا عجب ألا نجد في الدستور الجديد أي إشارة إلى مسألة ضرورة خضوع الجيش للرقابة المدنية فنحن في هذا الصدد قد عدنا إلي عصر ما قبل ثورة يناير 2011.