أعلنت مصر فى أبريل الماضى، عن اعتزامها إطلاق «صندوقها السيادى» للمرة الأولى والذى أطلقت عليه «صندوق مصر»، واتخذت فى هذا الاتجاه العديد من الخطوات، قبل أن يعلن قسم التشريع بمجلس الدولة مؤخرًا الموافقة على مشروع قانون يتم بموجبه تأسيس الصندوق برأس مال 200 مليار جنيه، تدفع منها الدولة مليار جنيه من الخزانة العامة. «أكتوبر» فى سطور تحقيقها التالى تستعرض أسباب الاتجاه لتأسيس الصندوق، وكيفية تمويله، وآلية عمله، وما هى الفوائد التى تستهدفها الدولة من إطلاقه. أداة تمويلية إضافية بداية قال السفير أشرف سلطان المتحدث باسم مجلس الوزراء، إن فكرة إنشاء الصندوق السيادى المصرى، جاءت بعد الحاجة الملحة لوجود أداة تمويلية إضافية للدولة تسمح لها بتطوير مشروعاتها القائمة، وإقامة أخرى جديدة، هذه الآلية تتمتع بالمرونة الكافية للاستغلال الأمثل لثروات الدولة وتسمح لها الدخول فى شراكات، واتخاذ قرارات بالاستثمار فى قطاعات متنوعة، بهدف التنمية الاقتصادية وتوفير فرص العمل والأهم الحفاظ على الثروات المختلفة من التآكل حماية لحقوق الأجيال القادمة. وأشار إلى أنه فى هذا الإطار، فقد شكلت وزارة التخطيط قبل نحو عام لجنة عليا لحصر أصول الدولة، و انتهت من عملها بإعداد قاعدة بيانات شاملة وحقيقية بكل أصول الدولة والجهات التى تمتلك تلك الأصول، وهل هى مستغلة بالشكل الأمثل، أم هل يمكن تحقيق استفادة أفضل منها، موضحا أن الصندوق سيكون له مجلس إدارة سيشكل من الوزارات المعنية (التخطيط والاستثمار والمالية) إضافة لعدد من الخبراء، بحيث يكون لهذا المجلس الصلاحيات التى تسمح له باتخاذ القرارات التى تحقق أهداف الصندوق. قرار تأخر وعن توقيت إطلاق الصندوق قال الدكتور عوض الترساوى مستشار الجمعية المصرية للاستثمار، إن التوقيت تأخر عدة سنوات، حيث كان ينبغى إطلاقه بالتزامن مع صندوق «تحيا مصر» الذى أطلق قبل نحو أربع سنوات، لهدف اجتماعى، موضحا أهمية الصندوق كأداة لتعظيم الاستفادة من أصول الدولة بالشكل الأمثل. وأوضح الترساوى، أن أول صندوق سيادى فى العالم أسسته الكويت عام 1953 بأفكار خبراء مصريين لمواجهة مخاوف تقلص الموارد البترولية لتلك الدولة الشقيقة، مستطردا: ورغم أنه بدأ بفكرة شخصية من أمير البلاد فى ذلك الوقت إلا أنه تحول لفكرة عالمية ، وأصبح صندوق النرويج هو أكبر صندوق سيادى فى العالم باستثمارات 848 مليار دولار، يليه صندوق أبو ظبى، ثم الصندوق السيادى السعودى، ثم الكويتى. وتابع: الدول النامية مثل سنغافورة وماليزيا، وحتى الدول الأفريقية كالمغرب وتنزانيا وبوروندى أقامت صناديق سيادية لتعظيم الاستفادة من أصولها ومواردها فى تحقيق التنمية الاقتصادية، تحقيقا للسائد «فى الاقتصاد كراكب الدراجة لو توقف.. سقط»، فمن خلال الصناديق السيادية يمكن تحريك عجلة الاستثمار فى العديد من الاتجاهات حتى لا تتآكل الأصول. تجنب المخاطر ورأى أن أهم ما يحقق النجاح للهدف الذى أنشئ من أجله الصندوق هو تشكيل مجلس إدارته، واختيار مدير الاستثمار الذى سيتولى تمثيل الصندوق فى التوقيع و أمام القضاء، وتحديد مهامه، لتحقيق النجاح المستهدف، مؤكدًا ضرورة تنوع القطاعات التى سيستثمر فيها الصندوق لتقليل المخاطر، بحيث يسهل تعويض الخسائر فى حال التراجع بأحد القطاعات. واستطرد: لا يمكن أن يتجاوز حجم الاستثمار فى أحد القطاعات 20% من رأس مال الصندوق تجنبا للمخاطر، وتأكيدًا على الاستفادة من كل قطاعات الاستثمار الأخرى لتحقيق أقصى استفادة ممكنة من أمواله. وعن آلية تدبير رأس مال الصندوق والبالغ 200 مليار جنيه، قال مستشار الجمعية المصرية للتمويل، إن الأساس فى الصناديق السيادية فى العالم هو الاستثمار فى الفوائض المالية التى تمتلكها الدولة، ولذلك قامت تلك النوعية من الصناديق فى الأساس بالدول التى تمتلك ثروات طبيعية كالنفط والغاز، وفى مصر فإنه من المنتظر أن تحقق حقول الغاز المكتشفة فيها فوائض مالية كبيرة، ولكن تحقيق تلك الفوائض قد يستغرق بعض سنوات، ولذلك فإن مصر ستعتمد على ثرواتها العقارية المملوكة للحكومة وغير المستغلة، لاستغلالها بشكل أفضل، أو أن تحصل الدولة على تمويل لمشروعاتها التى ترغب فى تمويلها بضمان أصولها فى الداخل أو الخارج، ومن الممكن أن تكون مصادر التمويل بنوك أو مؤسسات مالية عالمية أو إقليمية، أو حتى قطاع خاص. آليات مضاعفة رأس المال وأكد أن رأس مال الصندوق يمكن أن يتضاعف إلى 50 ضعفا، من خلال إنشاء صناديق فرعية وشراكات مع صناديق أخرى إقليمية أو عالمية، متابعا: ودائع المصريين فى البنوك تبلغ نحو 2 تريليون و 300 مليار جنيه، لو أتيحت للبنوك إنشاء صناديق استثمار خاصة بها والتعاون مع صندوق مصر السيادى، سينتج ملاءة مالية ضخمة يمكن أن تحقق نتائج ضخمة. فى نفس السياق قال أسامة مراد خبير الاستثمار، إن تأسيس صندوق مصر السيادى يستهدف فى المقام الأول تعظيم الاستفادة من أصول الدولة، المتمثلة فى الأراضى والمشروعات والعقارات لتحقيق التنمية الشاملة، ومضاعفة قيمة تلك الأصول حفاظا عليها للأجيال القادمة، مشيرًا إلى أن تلك الأصول ستشكل رأس مال الصندوق حتى تكوين فوائض مالية من حصيلة بيع مخرجات حقول الغاز والبترول التى أعلن اكتشافها فى مصر مؤخرًا. وأضاف: كما تشير أنباء إلى اعتزام دولتى الإمارات العربية المتحدة وسلطنة عمان الاستثمار فى الصندوق السيادى المصرى. تشريع خاص ورأى مراد أن أبرز ما يميز آليات عمل الصندوق السيادى، هو سن تشريع خاص ينظم عمله بعيدا عن آليات الإدارة التقليدية للحكومة، ما يمكنه من عقد شراكات ناجحة وأكثر جدوى مع القطاع الخاص الذى عقد شراكات ناجحة بالفعل فى مشروعات حكومية خلال السنوات الأخيرة ولكن ليست بالقدر الكافى ولا يمكن تعميمها لكن الصندوق سيسهم فى زيادة هذا التعاون. وأشار خبير الاستثمار إلى أن إنشاء الصندوق السيادى لاستثمار الأصول لا يعنى إلغاء وزارة قطاع الأعمال العام المسئولة عن إدارة نحو 200 شركة معظمها يمتلك أصولًا ضخمة، مستطردا: ولكن هناك جهات وهيئات كبيرة فى الدولة لها أنشطة اقتصادية ولا تتبع قطاع الأعمال العام، يمكن للصندوق إدارة أصولها و استغلاها بشكل احترافى لتحقيق أقصى استفادة منها. وأوضح أن الفرق بين إدارة المشروعات من خلال وزارة أو من خلال الصندوق السيادى، يتمثل فى خضوع تلك المشروعات للقانون المنظم لكل جهة إدارة، موضحا أن إدارة الصندوق ستكون أكثر احترافية لاعتمادها على خبراء عالميين ومصريين متخصصين فى الاستثمار بكل مجال، لديهم القدرة على اتخاذ القرارات المناسبة. قواعد الحوكمة وأكد مدحت الشريف وكيل اللجنة الاقتصادية بالبرلمان أن قواعد الحوكمة التى سيتم إقرارها فى عمل الصندوق هى السبيل لتحقيق أهدافه وإنجاح عمله، مشددًا على أن تلك القواعد هى ما سيناقشها البرلمان ممثلا فى اللجنة الاقتصادية باستفاضة. وأوضح الشريف أن قواعد الحوكمة تتضمن على سبيل المثال قواعد تسعير الأصول، وآلية التسعير، وصلاحيات مجلس إدارة الصندوق وقواعد اختيار أعضائه، مشيرًا إلى أن تفاصيل القانون مازالت غير معروفة بالنسبة لأعضاء البرلمان، حيث عرضت الحكومة مشروع القانون على رئيس الجمهورية، بشكل مبدئى باعتباره رئيسا للسلطة التنفيذية فى البلاد، وقد أحاله الرئيس لمجلس الدولة الذى وافق عليه، وننتظر إحالته إلينا فى البرلمان لدراسته ومناقشته قبل إعادته للرئيس لإصداره رسميا. إدارة الأصول فقط وذكر الشريف، أن الصندوق يعد آلية جيدة للاستفادة من أصول نحو 44 شركة من شركات قطاع الأعمال العام الخاسرة، موضحا أن الصندوق مهمته إدارة الأصول فقط، وليست الشركات التى تتضمن إدارتها جوانب متعددة غير مالية. وأضاف: إدارة أصول الشركات سيكون للغير مستغل منها، والتى لا تؤثر على نشاطها الإنتاجى، فمن غير المعقول أن ينتزع الصندوق أصولا يمكن أن تؤثر سلبا على أداء الشركات. خبرات متنوعة وكانت الدكتورة هالة السعيد، وزيرة التخطيط والمتابعة والإصلاح الإدارى قالت فى وقت سابق، إنه تم النص على أن يتم تشكيل مجلس إدارة الصندوق السيادى، للاستفادة لإدارة أصول الدولة بطريقة تضمن وجود عدد كبير من الخبرات المتنوعة، موضحة أن مجلس الإدارة يضم أعضاء من ذوى الخبرة، وممثلين عن ثلاث وزارت من الوزارات المعنية بالتنمية الاقتصادية وهى وزارات التخطيط والمالية والاستثمار، كما تم منح الحق لمجلس الإدارة فى تعيين المدير التنفيذى للصندوق والذى يمثله فى معاملاته مع الغير و أمام القضاء، وذلك بخلاف رئيس مجلس الإدارة غير التنفيذى، وتحديد اختصاصات مجلس الإدارة على النحو الذى يكفل تحقيق أهداف الصندوق.