أزمة عنيفة ضربت الحياة السياسية فى تونس عقب استقالة 16 نائبا من حزب نداء تونس «الحزب الحاكم»، وطرحت هذه الاستقالات تساؤلات حول مصير الحزب الحاكم ومستقبله السياسى، والموقف الدستورى بعد تراجع عدده داخل البرلمان إلى 70 عضوًا بفارق عضو واحد عن الكتلة الإسلامية ممثلة فى حزب النهضة، ومستقبل حكومة الحبيب الصيد بعد هذه الاستقالات وهل سيقود الإسلاميون المشهد السياسى أم سيشاركون مناصفة، وغيرها من التساؤلات الملغمة فى طريق المشهد السياسى التونسى. وجاءت استقالة أعضاء حزب نداء تونس لتعمق الانقسام فى الحزب الحاكم بعد أيام من إعلان الأمين العام والقيادى بحزب نداء تونس محسن مرزوق الاستقالة والاستعداد لتأسيس حزب جديد. النواب المستقيلون برروا هذه الخطوة بسيطرة نجل الرئيس حافظ قائد السبسى على الحزب، تزامنا مع ما يواجهه الباجى قائد السبسى رئيس البلاد انتقادات بأنه يحاول توريث ابنه قيادة الحزب لإعداده لمنصب سياسى أهم. ولكن رئاسة الجمهورية تنفى هذا كما تنفى أى تدخل فى الخلافات بين الفريقين المتصارعين وتستنكر الزج بها فى خلافات الحرب الداخلية، ويرى الأعضاء المستقيلون بأن استقالتهم هى رد فعل على الطريقة غير الديمقراطية للحزب والانقلاب عليه من مجموعة تريد أن نكون مجرد قطيع نؤيد فقط ما تقرره، مشيرين بأن هذه الممارسات هى نفسها التى كان يتبعها (الرئيس السابق) زين العابدين بن على، وأن ابن الرئيس وجماعته سطوا على الحزب وأخرجوه عن مساره وهم غير مستعدين للانخراط فى مسار غير ديمقراطى حسب زعمهم . وكان النواب قد هددوا بالاستقالة عدة مرات لكنهم تراجعوا لإفساح المجال للمفاوضات ورأب الصدع لكنهم قرروا الاستقالة نهائيا هذه المرة، وينتقد معسكر الأمين العام والقيادى بنداء تونس محسن مرزوق ما يسميه رغبة البعض فى الهيمنة على الحزب بالقوة فى إشارة لحافظ قائد السبسى، ???????ويدفع فريق نجل السبسى الاتهامات عنه ويقول إن الفريق الثانى يحاول الهيمنة على الحزب وإقصاء قيادات بارزة. والسؤال الذى يفرض نفسه هل سيعود الإسلاميون ممثلين بحزب النهضة لصدارة المشهد السياسى التونسى مرة أخرى؟ وهل تسقط حكومة الحبيب الصيد؟ الإجابة كما يراها فقهاء دستوريون ومحللون سياسيون ،مفتوحة الاحتمالات فهناك فريق يرى استبعاد هذه الفرضية، مؤكدين أن احتمال دخول حركة النهضة (69 مقعدا) فى مغامرة جديدة للحكم مستبعد جدا، لافتا إلى أن الحركة تبدو غير مستعدة لطرح نفسها بديلا عن «نداء تونس» أو الحكومة الحالية المتكونة من ائتلاف أربعة أحزاب، وأن هناك أسبابا عديدة تمنع النهضة من التفكير جديا بالإمساك من جديد بزمام السلطة فى تونس، من أهمها أنها ليست مستعدة هيكليا ولا سياسيا للقيادة فى الوقت الراهن، ويرون أنه لو أقدمت النهضة على هذه الخطوة فستستنفر جميع القوى السياسية ضدها فى الداخل، وستثير شكوكا ضدها من قبل العديد من القوى الدولية التى عملت النهضة منذ أشهر على طمأنتها، معتبرين أنه من مصلحة النهضة اليوم المحافظة على وضعها الداخلى فى انتظار عقد مؤتمرها، خاصة بعد أن هدأت نسبيا طموحات عدد من قياديها بخصوص التمسك بالسلطة، وأن النهضة، فى ظل هذه المعطيات، ستحاول بكل جهدها أن تحافظ على التوازنات الراهنة فى اتجاه التمسك بالعلاقة مع كل الأطراف فى المشهد السياسى ودعم حكومة الحبيب الصيد، مؤكدين أن انقسام كتلة النداء لن يربك الوضع العام فى البلاد، مستبعدين سقوط الحكومة، أو حدوث تغييرات جوهرية فيها. وأكد القيادى فى النهضة والنائب بمجلس نواب الشعب الصحبى عتيق أن ما حدث داخل «النداء» لن يؤثر على استقرار حكومة الصيد المدعومة من شقى الخلاف وباقى أحزاب الائتلاف الحاكم التى تتشكل منها الحكومة، وهى حركة النهضة (69 نائبا)، والاتحاد الوطنى الحر (16 نائبا)، وحزب آفاق تونس (8 نواب). وقال الآن لا يمكن طرح موضوع إعادة تشكيل الحكومة؛ لأن هذا لا يتم إلا عند استقالة الحكومة أو سحب الثقة منها، وما عدا هذا تبقى الحكومة مستمرة فى مهامها، وحتى إن حدث ذلك فسيكلفُ النداء بتشكيل الحكومة؛ لأنه الحزب الفائز، سواء انقسم أو خرج منه أعضاء أو ما شابه ذلك، بينما يرى فريق آخر أن هناك مخاوف من انهيار حكومة «الصيد»،خصوصا وأن احتمالية انشقاقات جديدة واردة فى حزب نداء تونس مما سيمنح حزب النهضة الإخوانى الأغلبية فى البرلمان، فهذه الاستقالات ستُقلل من عدد نواب الحزب الحاكم «نداء تونس «داخل البرلمان ليصبح عدد نوابه 70، وبذلك سيقترب من حركة النهضة الإخوانية التى لديها 69 نائبا، مما سيؤثر حتما على الأغلبية فى التصويت داخل البرلمان لصالح النهضة، وتكون استفادتها مضاعفة بعد أن حظيت مؤخرا بحصولها على حقائب وزارية جديدة فى التعديل الوزارى الأخير. كما أن هذه الاستقالات ستؤثر حتما على فاعلية ونجاح حزب نداء تونس فى تسيير البلاد لأنها ستجعله مرتبكا وضعيفا وهشا على الساحة السياسية، كما أن الحزب الجديد لمحسن مرزوق سيكون لاعبا فاعلا فى المعارضة بكتلة برلمانية قوامها «17 نائبا» وسيعمل على إضعاف الحكومة الحالية التى يواصل قيادتها الحزب الأصلى نداء تونس ما سيؤثر حتما على المشهد العام فى الفترة القادمة.