توشك فرنسا على التخلى عن صورتها التاريخية فى أذهان العالم كبلد الحرية الثقافية واحترام التعددية والاختلاف، وذلك بعد أن منح شعبها أولى مقاليد القيادة السياسية لحزب الجبهة الوطنية اليمينى المتطرف، بفوزه الساحق والتاريخى فى الجولة الأولى للانتخابات المحلية للمجالس الإقليمية والتى أجريت الأحد الماضى. وأظهرت النتائج تفوق الحزب المتطرف بنسبة 30% من إجمالى الأصوات ليحتل المرتبة الأولى بواقع 6 دوائر انتخابية من أصل 13، بينما حصل حزب الجمهوريين اليمينى الوسطى الذى يتزعمه الرئيس الفرنسى السابق، نيكولا ساركوزى، على 27%، وجاء الحزب الاشتراكى اليسارى الحاكم فى المرتبة الثالثة بنسبة 22%، لتعكس تلك النتائج تغير الوجهة السياسية لفرنسا وخروجها عن الإطار المعتاد لتنقل السلطة بين الاشتراكيين واليمين المعتدل. ويظهر جليا تأثر تلك التغييرات بالاعتداءات الإرهابية التى تعرضت لها باريس مؤخرًا وأسفرت عن وفاة 103 أشخاص لتعكس مخاوف الشعب الفرنسى وتراجع ثقته فى الحزب الاشتراكى وزعيمه الرئيس الفرنسى فرانسوا أولاند أمام الحزب المتطرف الذى نجح فى استثمار تلك المخاوف خلال حملته الانتخابية. وتكمن خطورة صعود حزب الجبهة اليمينى فى ارتباطه باحتمالات الانتخابات الرئاسية القادمة 2017 والتكهنات بوصول رئيسة الحزب مارين لوبان لقصر الإليزيه، حيث إن لوبان مشهورة بعنصريتها ومعاداتها للإسلام المعلنة ما بين محاكمتها بتهمة التحريض على الكراهية العرقية إثر تصريحها بأن صلاة المسلمين فى شوارع فرنسا تذكرها بمشاهد الاحتلال النازى، وحتى موقفها من عمدة باريس، حيث دعتها لوبان لارتداء الحجاب بعد أن رحبت باللاجئين السوريين من خلال تغريدة باللغة العربية على موقع التواصل تويتر، كما تدعى لوبان أن الدستور الفرنسى مهدد باستبداله بالشريعة الإسلامية بعد سيطرة الإسلام الراديكالى على قوانينها. وعلى الرغم من تراجع نسب التصويت العامة فى فرنسا والدعوة للامتناع عن التصويت ووصف الصحف الفرنسية نتائج الجولة الأولى بالصدمة، إلا أن الوضع السياسى العام لا يبشر بأى تغيير خلال الجولة الثانية المنتظرة اليوم الأحد 13 ديسمبر، رغم الإجراءات التى اتخذها قطبا السياسة فى فرنسا لمواجهة المد اليمينى المتطرف، حيث أعلن الرئيس الفرنسى سحب عدد من مرشحى حزبه الاشتراكى من بعض الدوائر الضعيفة بالنسبة لهم لتوجيه ناخبيهم لانتخاب الحزب الجمهورى، وتكوين كتلة تصويتية، بينما رفض الزعيم الجمهورى ساركوزى العمل بالمثل أو التحالف مع الحزب الاشتراكى اليسارى مفضلا تغيير السياسة الانتخابية لحزبه وتقديم برنامج انتخابى مختلف، الأمر الذى قوبل بالهجوم ووصفه الرئيس أولاند بأنه تنصل من المسئولية العامة والتركيز على السعى نحو السلطة.