حقق حزب الجبهة الوطنية اليميني فوز كبير على الحزب الاشتراكي الحاكم في ظرف استثنائي لم تشهده فرنسا منذ عقود وهو التهديدات الإرهابية وحالة الطوارئ، حيث حصد اليمين المتشدد في فرنسا نتائج وصفت ب"التاريخية" في انتخابات المناطق التي جرت جولتها الأولى الأحد، بينما خسر الحزب الاشتراكي الحاكم أغلب المناطق التي كان يسيطر عليها. تصدر حزب الجبهة الوطنية بقيادة "مارين لوبين" 6 مناطق على الأقل من أصل 13 منطقة جرت فيها الانتخابات، وحصل على نسبة تراوحت بين 27.2 و30.8%، وفي الوقت نفسه تقدم مرشحو الحزب اليميني المتشدد بفوارق مريحة على منافسيهم في ثلاث مناطق رئيسية من بين المناطق الستة التي فاز فيها الحزب، حيث تصدرت "لوبان" نتائج الاقتراع في منطقة "نور با دو كاليه بيكاردي" شمال البلاد بنسبة تتراوح بين 40.3 و43% من الأصوات، فيما تصدرت ابنة شقيقتها "ماريون ماريشال لوبان" منطقة "بروفانس ألب كوت داوزور" جنوبفرنسا بنسبة تتراوح بين 41.2 و41.9% من الأصوات. في الوقت نفسه حل حزب "الجمهوريون" الذي ينتمي إلى وسط اليمين بزعامة الرئيس السابق "نيكولا ساركوزي" في المرتبة الثانية بحوالي 27%، في حين جاء الحزب الاشتراكي الحاكم في المرتبة الثالثة بحوالي 23% من الأصوات. فوز الجبهة الوطنية بمجلس إقليمي واحد على الأقل إن لم يكن ثلاث أو ست مجالس بحسب النتائج، سيكون انتصارًا كبيرًا له وسابقة لم تحدث في تاريخه، حيث أن الجبهة لم تسيطر مطلقا على مثل هذه الدوائر، وهو ما دفع زعيمة حزب الجبهة الوطنية "مارين لوبين"، للإشادة بالنتيجة التي حققها حزبها في هذه الدورة الأولى من الانتخابات، حيث وصفت النتيجة ب"الرائعة"، مؤكدة أنها قادرة على "تحقيق الوحدة الوطنية" في البلاد إثر هذا النجاح التاريخي لحزبها. هذه النتائج مثلت نكسة كبيرة وخيبة أمل للحزب الاشتراكي الحاكم الذي كان يسيطر على كل المناطق تقريبًا، وهو ما جعل الكثيرين يتوقعون تعاونا أو تحالفا بين الحزب الاشتراكي والمعارضة اليمينية بزعامة "ساركوزي"، إلا أن الأخير قطع الطريق على هذه التكهنات، قائلًا إنه لن يتحالف مع الاشتراكيين في الجولة الثانية لكبح جماح حزب الجبهة الوطنية بعد النتائج الكبيرة التي حصدها في الجولة الأولى، رافضًا أي اندماج مع الاشتراكيين وأي سحب للوائح حزبه الذي قال إنه يمثل "البديل الوحيد الممكن" في المناطق التي قد يفوز فيها حزب "الجبهة الوطنية" اليميني المتطرف بزعامة "مارين لوبن". من جانبه؛ دعا رئيس الحزب الاشتراكي الحاكم "جان كريستوف كامباديليس"، جميع الأحزاب اليسارية التي أسماها "المعقل الأخير للروح الجمهورية في فرنسا" إلى التوحد في الدورة الثانية من الانتخابات ل"سد الطريق" أمام اليمين المتشدد إلى الفوز الانتخابي، وفي الوقت نفسه أعلن انسحاب الحزب الاشتراكي من منطقتين رئيسيتين على الأقل في الدورة الثانية من انتخابات المناطق، وقال "كامباديليس" إنه "في المناطق المهددة بالسقوط بيد اليمين المتطرف حيث لا يتقدم اليسار على اليمين، قرر الحزب الاشتراكي تشكيل سد جمهوري ولا سيما في "نور با دو كاليه باكاردي" في شمال فرنسا و"بروفانس آلب كوت دازور" في جنوبفرنسا". من المقرر أن تجري الجولة الثانية من هذه الانتخابات في 13 ديسمبر الجاري، إلا أن المراقبين لم يتوقعوا أن تشهد الجولة الثانية تغيرات كبيرة على مستوى النتائج، وكان دعي أكثر من 46 مليون ناخب للمشاركة في الجولة الأولى وقاربت نسبة المشاركة حوالي 50%. يبدو أن اعتداءات باريس الأخيرة دفعت قسمًا من ناخبي الحزب الاشتراكي الحاكم للتوجه نحو اليمين المتطرف كمحاولة للبحث عن قيادة جديدة بعد أن فشلت القيادة الفرنسية الحالية في الحفاظ على الأمن القومي للبلاد، حيث أعطت تلك الهجمات قوة الدفع لليمين المتطرف ليتبوء موقعًا طليعيًا لما يتسم به خطابه من لهجة مناوئة للهجرة والترهيب من الإسلام، وهو ما يثير مخاوف الحزب الاشتراكي الحاكم، حيث تعتبر هذه الانتخابات المحلية اختبارًا ومقياسًا أخيرًا للحكم على التوجهات العامة للناخبين الفرنسيين في الانتخابات التشريعية والرئاسية المقبلة في 2017.