إزدادت العلاقات تعقيدًا بين إيران وحزب الله من جانب وروسيا من جانب آخر بعد اختلاف الرؤى والمصالح تجاه التدخل العسكرى الروسى فى سوريا، والسؤال الذى يطرحه الكثير من المراقبين. لماذا تخشى إيران من النفوذ الروسى فى سوريا؟ إن إيران تحمل مخاوف من تعاظم النفوذ الروسى فى سوريا والمزاحمة فى الكعكة السورية فهى، قلقة من التمدد الروسى على الأرض، فقد كانت الخطة الإيرانية تسير وفق قاعدة (الأرض لإيران والجو لروسيا) ولكن التقارير الميدانية تشير إلى أن روسيا تنشر قواتها على الأرض أيضا ليس فقط فى قواعدها فى اللاذقية وطرطوس ولكن أيضا فى حماة. وقد بلغ عددها أكثر من 1000 جندى، هذه التطورات فى التحركات الروسية تفقد إيران مكانتها كمتفرد بالقرار نيابة عن نظام الأسد وتجعله شريكا فى الكعكة السورية وهو ما ترفضه إيران التى ترى أنها دفعت وحدها ثمن دعم النظام السورى طوال 4 سنوات. أمام تلك التطورات وصل مئات الجنود الإيرانيين إلى سوريا، فضلا عن انتقال ما بين 2000 إلى 2500 مقاتل من مقاتلى الحشد الشعبى من العراق إلى سوريا. من جانب آخر تحمل كل من إيرانوروسيا مصالح متعارضة فى المنطقة أيضا، فمن ناحية فإن النفط الإيرانى الذى ينتظر أن يغرق الأسواق قريبا ينظر إليه على كونه منافسا للنفط الروسى، أما المخاوف الأهم فتتعلق بالغاز الطبيعى، حيث تخشى إيران أن تسعى روسيا لاستغلال نفوذها فى سوريا لنقل الغاز عبر المتوسط. كما تخشى إيران من أن التعاون الاستخباراتى مع روسيا قد يؤدى فى النهاية إلى إكساب موسكو المزيد من المعلومات حول القدرات العسكرية لحزب الله وخطوط السير الخاصة بقواته، وهو ما تخشى إيران أنه يمكن أن يتم تمريره إلى إسرائيل بشكل أو بآخر كثمن لشراء صمت رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو وموافقته على التدخل العسكرى فى سوريا. السؤال الآخر ما هى جوهر الخلافات بين إيران وحزب الله وروسيا فى سوريا؟ وتتلخص الإجابة بحسب المحللين فى أن المهمة الروسية فى سوريا تنطوى على رغبة فى التفاوض وتهيئة ظروف الحل السياسى وعدم الصدام مع الولايات وربما «إسرائيل» عسكرياً فى سوريا. تباين المصالح ظهر أيضاً فى الاهتمام الكبير الذى توليه روسيا لإعادة الاعتبار للجيش السورى على نحو ما ورد على لسان ميخائيل بوجدانوف نائب وزير الخارجية الروسى الذى أكد أن موسكو ستضرب كل من هو خارج الجيش وستتيح الفرصة للجميع للانضمام إلى الجيش، هذا يعنى أن روسيا يمكن أن تضرب تنظيمات عسكرية وميليشيات موالية لإيران مثل «جيش الدفاع الوطنى» و«اللجان الشعبية» وإذا ما بقيت خارج الاندماج فى الجيش السورى بجانب هذا التوجه سعت روسيا أيضاً إلى الترويج لدعوة تأسيس «مجلس عسكرى» تبحث الآن عن تركيبته ضمن مسعى إعادة هيكلة الجيش وتنظيمه، يصعب أن يتم تحت إشراف بشار الأسد، انطلاقاً من قناعة مضمونها أن الجيش وحده هو من يضمن وحدة سوريا، وإذا كانت هذه المهمة تستلزم إعادة دمج العسكريين المستقيلين اعتراضاً على ممارسات سياسية وعسكرية خاطئة للنظام فإن هذه المهمة تتعارض تماماً مع كل ما يسعى إليه الأسد بدعم من إيران. وجنباً إلى جنب مع هذا التوجه تتحدث روسيا بعد مؤتمر فيين عن اعتبار «الجيش السورى الحر» منظمة غير إرهابية وتسعى إلى دمجه فى العملية السياسية، مع تلميحات بدعمه بقصف جوى فى حال انخراطه فى قتال ضد «داعش»، ما يعنى أن روسيا مستعدة للتنسيق مع المعارضة عسكرياً، وهذا ما أغضب إيران ونظام الأسد. الرؤية الروسية لتفعيل العملية السياسية فى سوريا مثال آخر للاختلاف بين الطرفين. وفقاً لمؤتمر فيينا، فروسيا حريصة على إتمام حوار سورى- سورى بين النظام وقوى المعارضة المعتدلة التى سوف يتم الاتفاق عليها كشريك فى هذه العملية السياسية بحيث يضم هذا الحوار كافة أطياف المجتمع السورى بما فى ذلك كل مجموعات المعارضة التى سوف يتفق على اعتبارها معارضة معتدلة. إيران ترفض إطلاق مثل هذا الحوار وترفض أى تعاون مباشر أو غير مباشر مع واشنطن حول سوريا. وظهر الارتباك والتناقض الإيرانى بشكل واضح على الميليشيات التى تدعمها سواء حزب الله أو تلك التى حشدت مقاتليها من العراق وباكستان وأفغانستان، فغالبية الميليشيات غير السورية بدأت تتمركز فى العاصمة دمشق ومحيطها وبعدما أخذت تدريجيا فى الانسحاب من منطقة الساحل السورى حيث ألقت موسكو بثقلها، وأنشأت غرفة العمليات الرئيسية التى تتحرك من خلالها القوات الروسية. وتأكد هذا التوتر بين الجانبين على لسان قائد الحرس الثورى عندما تعمد التنديد بالسياسة الروسية فى سوريا بقوله إن «روسيا تعمل فقط من أجل مصالحها فى سوريا». وتخشى طهران أن يقايض بوتين الغرب فى تسوية الأزمة السورية على حساب الإيرانيين الذين قدموا كافة أنواع الدعم للأسد بالمال والسلاح والعسكر، وألا يكون لهم أى حضور فى سوريا فى مرحلة ما بعد الأسد وفقا لاتفاق فيينا 2. ولم تخف دوائر مقربة من حزب الله من وضع مقاتليه فى سوريا وخاصة مصير الحزب فى ضوء المعادلة الجديدة.