عادل أبو طالب شكل المؤتمر الدولى حول مستقبل سوريا الذى عقد فى فيينا الأسبوع الماضى، فرصة للبحث عن مخرج سياسى للأزمة السورية التى خلفت وراءها عشرات الآلاف من القتلى وملايين النازحين فى دول الجوار ودول الاتحاد الأوروبى. ألقت الأطراف المشاركة فى المؤتمر أوراقها على الطاولة فى مفاوضات الربح والخسارة ومحاولة إيجاد موضع قدم لها فى الخارطة الجديدة لمنطقة الشرق الأوسط، التى تتشكل فى أعقاب الفوضى التى اجتاحتها فى السنوات المنصرمة. وقد دعيت إيران إلى المحادثات الدولية بشأن مستقبل سوريا تلبية لدعوة من الجانب الروسى، كما شاركت الولاياتالمتحدة وفرنسا وبريطانيا وتركيا والسعودية ومصر ولبنان وممثل الاتحاد الأوروبى والإمارات والأردن. واضطرت الولاياتالمتحدة والمعارضة السورية للقبول بمشاركة إيران فى المؤتمر فى مسعى للحصول على دعمها للحل السياسى للأزمة السورية، برغم أن الأممالمتحدة ألغت فى مؤتمر جنيف السابق مشاركة طهران تحت وطأة ضغوط واشنطن والمعارضة السورية. وقد جمع المؤتمر الداعمين للمعارضة السورية كالولاياتالمتحدة والسعودية وتركيا والداعمين للنظام وهما روسياوإيران ودول أخرى تتباين مواقفها كالأردن والإمارات. فيما دعى النظام السورى للمشاركة فى الاجتماع لم تتلق المعارضة السياسية السورية دعوة للمشاركة فيه وهو ما جعلها تبدى تحفظاتها حول مخرجاته. وبرغم الآمال التى علقت على مؤتمر فيينا فإنه أخفق فى التوصل إلى رؤى مشتركة، بشأن حل ثلاث مشكلات رئيسية فى الأزمة الروسية، وهى مستقبل بشار الأسد والفصائل المعارضة التى سيسمح لها بأن تكون جزءا من مستقبل سوريا، وتلك التى ستصنف على أنها إرهابية وموعد انسحاب القوات الروسية والإيرانية وميليشيات حزب الله من الأراضى السورية. وتوصل المجتمعون إلى بيان إنشائى أكد الالتزام ب"وحدة سوريا واستقلالها وسيادة أراضيها وهويتها العلمانية" و"الإبقاء والحفاظ على المؤسسات السورية" وحماية حقوق السوريين بغض النظر عن انتماءاتهم العرقية أو الدينية، وتعزيز وتكثيف الجهود الدبلوماسية لإنهاء الحرب مع ضمان وصول المساعدات الإنسانية إلى كل مناطق سوريا والموافقة على ضرورة إلحاق الهزيمة بتنظيم داعش وجميع الجماعات المصنفة إرهابيا من قبل مجلس الأمن الدولي. دعت الأممالمتحدة إلى جمع ممثلى الحكومة السورية وممثلى المعارضة معا لتدشين عملية سياسية تؤدى إلى تشكيل حكومة قادرة وفاعلة وشاملة وغير طائفية، يتبعها وضع دستور جديد وإجراء انتخابات تحت إشراف الأممالمتحدة، بما يحقق أعلى المعايير العالمية وأعلى معايير الشفافية والتحقق، ويقود إلى إجراء انتخابات حرة ونزيهة يشارك فيها كل السوريين بمن فيهم المهجرون الذين لهم حق المشاركة. كان موقف بشار الأسد فى أى تسوية سياسية محل الخلاف الرئيسى بين الأطراف المتفاوضة، لاسيما مع إصرار روسيا على المساومة بورقة بشار للحصول على وضع سورى جديد يثبت أركان وجودها العسكرى والسياسى فى سوريا، وهو ما ترفضه المعارضة السورية برغم محاولات موسكو مغازلة بعض الأطراف داخلها وبالتحديد داخل الجيش السورى الحر. يتسق هذا الموقف الروسى مع الموقف الإيرانى الذى يريد جعل بشار طرفا فى أى معادلة سياسية مستقبلية، برغم أنه لا يسيطر سوى على 17 بالمائة من الأراضى السورية، وفى هذا الإطار كانت تصريحات نائب وزير الخارجية الإيرانى أمير عبد اللهيان التى قال فيها إن طهران تعتقد أن أى حل للصراع لا يمكن أن يكون إلا بشروط الأسد، ونحن نعتقد أن الحل فى سوريا هو حل سياسى وليس لدى الأمريكيين واللاعبين الأجانب فى سوريا خيار سوى قبول الحقائق فى سوريا. وبينما أعادت طهران التأكيد خلال مؤتمر فيينا على أنها تقبل برئاسة انتقالية لبشار لمدة 6 أشهر يجرى بعدها استفتاء بشأن استمراره من عدمه، فإن المعارضة والشعب السورى اعتبرا هذه مناورة لمحاولة لكسب الوقت وتثبيت أركان النظام السورى أطول فترة ممكنة دون أن يشكل تغييرا حقيقيا فى الموقف الإيراني. فى المقابل تمسكت تركيا والسعودية وفرنسا برحيل بشار الأسد وفق خطة زمنية يتم الاتفاق عليها وهو ما أعاد تأكيده وزير الخارجية السعودى عادل الجبير، بقوله إن محادثات فيينا فرصة لاختبار مدى جدية روسياوإيران فى التوصل إلى حل سياسى، والأسد يجب أن يتنحى "ضمن إطار زمنى محدد"، قائلا: إننا سنعرف إذا ما كانوا جادين فى ذلك أم غير جادين ولن نهدر كثيرا من الوقت معهم. وكان هناك إصرار سعودى فى محادثات فيينا على أنه لا حل للمشكلة السورية إلا وفق مقررات مؤتمر جنيف 1، وأنه لا خيار أمام بشار الأسد سوى التنحى أو أن يمنى بهزيمة ميدانية. تحفظت المعارضة السورية على دعوة إيران لمؤتمر فيينا معتبرة أن تلك الدعوة لن تؤدى إلا إلى إطالة الصراع، لأن طهران ستتبنى فقط موقف الحكومة السورية، بينما إيران هى مصدر "عقدة" فى الشرق الأوسط ولن تقود مشاركتها فى المؤتمر سوى إلى تعقيد الوضع وزيادة سفك الدماء. كما أن الدول الخليجية، لاسيما السعودية وقطر أبدتا تحفظا على مشاركة إيران، وقال مصدر خليجى ل«الأهرام العربي»: لقد تمت دعوة الطيور الجارحة إلى الوليمة وطلب منهم أن يكونوا أكثر لطفا. وقد فشلت جميع الجهود الدولية السابقة لوقف الحرب فى سوريا التى دخلت الآن عامها الخامس، فيما تحاول واشنطن توحيد جميع الأطراف ذات النفوذ فى البلد العربى حول رؤية مشتركة لسوريا "السلمية العلمانية والتعددية". يقع الرئيس الأمريكى باراك أوباما تحت خط نار الانتقادات اللاذعة من المعارضين السياسيين، ولذا سعى لخلط الأوراق مجددا حول سوريا على أمل استعادة المصداقية الأمريكية بعد الإخفاق فى القضاء على تنظيم داعش والتقاعس عن إسقاط بشار الأسد. واتخذت واشنطن أخيرا مجموعة من الخيارات العسكرية لمكافحة تنظيم داعش تشمل عمليات نشر مؤقت لأعداد محدودة من القوات الخاصة فى سوريا ونشر طائرات هيلكوبتر هجومية فى العراق. وجاء تحرك أوباما الأخير من منطلق الخوف من أن روسياوإيران ستفوزان فى لعبة شد الحبل فى الحرب المندلعة، حول التأثير الحاسم فى كل من سورياوالعراق والتخوف أيضا من أن الشرق الأوسط سيظل رهينة الفوضى، التى تمتد من الموصل إلى البحر الأبيض المتوسط. علاوة على ذلك فعلى الرغم من الاعتراضات التركية تدرس واشنطن أيضا توثيق التعاون مع الميليشيات الكردية السورية التى طردت داعش من الأراضى على طول الحدود الشمالية لسوريا. وقد قوبل قرار واشنطن بإرسال قوات سرية إلى سوريا برفض روسى وتحذير على لسان وزير الخارجية سيرجى لافروف من إمكانية أن يقود ذلك إلى حرب بالوكالة فى سوريا، وهو ما اعتبره مراقبون مقدمة لفصل جديد من فصول التصعيد فى سوريا. على الجانب الآخر لا تزال الإستراتيجية الأمريكية تغضب الحلفاء السعوديين والأتراك مع إصرار أوباما على رفض مهاجمة مواقع بشار الأسد حتى مع تجاوزه المستمر للخطوط الحمراء سواء فيما يتعلق باستخدام الأسلحة الكيماوية أم إلقائه أطنان البراميل المتفجرة على الأطفال والمدنيين العزل بجانب قبول واشنطن إدخال إيران فى معادلة حل الأزمة. كما أن هذه الإستراتيجية لاقت تحفظا حتى فى الداخل الأمريكي، حيث اعتبر «فردريك هوف» المستشار الخاص السابق لأوباما، أن قرار الإدارة الأمريكية بإرسال 50 من القوات الخاصة إلى سوريا لن يغير من الوضع بشكل كبير ولا يعدو كونه مجرد إسعافات أولية بينما اعتبر السيناتور الديمقراطى «بريان كاتس» أن التحرك الأمريكى الأخير ليس بوسعه هزيمة تنظيم داعش، لكنه يمكن أن يهدد بتورط أمريكى أكبر فى الحرب الدائرة فى سوريا. ورأت مصادر دبلوماسية تحدثت ل«الأهرام العربي»: أن أوباما اضطر أخيرا إلى تقديم تنازل لإيران بالموافقة على مشاركتها فى مفاوضات فيينا، مع اهتمامه بالتوصل إلى صفقة تسوية انتقالية لإنهاء الحرب السورية. واعتبرت أن إصرار أوباما أن تشاهد الولاياتالمتحدة الصراع الدائر فى سوريا من الخارج دون انغماس عميق فيه، قد يعنى أن روسياوإيران ستواصلان شق طريقهما، فيما ستحل موسكو محل واشنطن فى العراق، حيث ستنظر الحكومة المدعومة من إيران إلى موسكو نظرة الصديق الموثوق فيه، الذى لن يتخلى عنها. أكد مصدر سعودى عدم رضا المملكة على إستراتيجية أوباما الخاصة بالقيادة بالخلف فى الملف السورى لأنه سمح لروسياوطهران يمزيد من التغلغل وعقد الأمور وصعب فرص التوصل إلى تسوية مقبولة. ثمة أرضية مشتركة تجمع القوى الإقليمية والدولية تتمثل فى محاربة تنظيم داعش والحيلولة دون تمدده لمناطق أخرى يسيطر عليها، لاسيما أنه يسيطر حاليا على مساحات تفوق مساحة دول كثيرة، لكن يظل الخلاف حول سبل تنفيذ ذلك والوسيلة الأنجع لتحقيق هذا الهدف، حيث تعتقد السعودية وتركيا مثلا أن القضاء على داعش غير ممكن دون الإطاحة بنظام بشار، بينما تتمسك روسيا بأن القضاء على داعش يتطلب التعاون مع النظام. وقال مسئول عسكرى إن اللافت للنظر أن روسيا ركزت أغلب هجماتها بواقع 85 بالمائة على المعارضة المسلحة المعتدلة، بينما نال تنظيم داعش قسطا يسيرا من تلك الهجمات بل يسمح له بالتمدد فى بعض المناطق. علاوة على أن نتائج المؤتمر أفضت إلى مزيد من الإحباط للشعب السورى الذى لم يعول عليه كثيرا بدليل أنه فى الوقت الذى اجتمع فيه الوزراء فى فيينا، أزهقت طائرات النظام السورى أرواح 40 شخصا على الأقل وأصيب 100 آخرون حينما أطلقت 12 صاروخا على الأقل على الشمال الشرقى لدمشق.