وسط الاتهامات المتبادلة بين طرفى النزاع بخرق اتفاق وقف إطلاق النار الموقع أواخر أغسطس الماضى، جاء قرار رئيس جنوب السودان سلفاكير ميارديت بزيادة عدد ولايات البلاد إلى 3 أضعاف ليجعل الاتفاق الأخير لتقاسم السلطة غير صالح، حسبما تقول المعارضة المسلحة بقيادة رياك مشار، مما يهدد عملية السلام من جديد. وبموجب مرسوم جمهورى تم بثه على التليفزيون الرسمى الحكومى، تم تقسيم البلاد إلى 28 ولاية بدلا من عشر ولايات، و ذلك فى إطار توسيع نطاق نظام اللامركزية الإدارية فى جنوب السودان، وأعلن اتينى ويك اتينى، المتحدث باسم الرئيس، أن «الحكومة أمرت بإقامة 28 ولاية من أجل إعطاء سلطة أكبر للشعب». وأضاف اتينى أن العملية ستنجز «فى غضون شهر». وأشار القرار إلى أن مسائل الحدود بين هذه الولايات ستحسم عبر اللجنة القومية لترسيم الحدود، والتى ستشكل للنظر فى كل الخلافات الحدودية. وبحسب المرسوم الرئاسى، ستكون هناك عاصمة لكل ولاية، وسيعين حاكم لكل منها، وقد اتخذ التقسيم الجديد طابعًا عرقيًا، حيث تم فصل القبائل الثلاث الكبرى - الدينكا التى ينتمى إليها سلفاكير، والنوير التى ينتمى إليها رياك مشار، والشلك قبيلة الأمين العام لحزب الحركة الشعبية الحاكم باقان أموم - وكانت هذه القبائل مجتمعة فى ولايات أعالى النيل، وجونقلى، والوحدة، والتى شهدت موجة من العنف المسلح عقب حدوث مواجهات بين القوات الموالية للرئيس سلفاكير، وخصمه نائبه المقال رياك مشار. أما الولايات الباقية فتضم خليطاً قبليًا وعرقيًا، لكن اللافت بالنسبة للتقسيم الجديد أن المناطق الغنية بالنفط، أصبحت تتبع لولايات سكانها من قبيلة الدينكا، مما قد يخلق أزمات جديدة من شأنها أن تعيق تنفيذ اتفاق السلام. وفى محاولة لتبرير الخطوة المفاجئة، قال مايكل مكوى وزير الإعلام الناطق الرسمى باسم الحكومة إن القرار جاء تلبية لمطالب الكثير من مواطنى البلاد الذين طالب بعضهم بإعادة تقسيم ولاياتها من جديد، لشعورهم بالتهميش من قبل بعض المجتمعات، خصوصا عندما يتعلق الأمر بالسلطة. وأشار مكوى إلى أن الخطوة تمهد الطريق أمام تطبيق النظام الفيدرالى فى الحكم الذى يطالب به الجميع. وبينما شهدت العاصمة جوبا ومناطق أخرى احتفالات نظمها أنصار القرار الرئاسى، حفلت مواقع التواصل الاجتماعى بالجدل بين المؤيدين والمعارضين للقرار، حيث يرى الداعمون للقرار أنه سيؤدى إلى تخفيف حدة الصراعات القبلية والعرقية حول ملكية الأراضى والثروات الطبيعية، ويمهد الطريق أمام تطبيق نظام فيدرالى فى الحكم، فيما يشير الرافضون للقرار إلى أنه يكرس الانقسام العرقى وسط البلاد ويعوق اتفاق السلام الموقع بين الحكومة والمتمردين. من جانبه، اعتبر رياك مشار، زعيم المتمردين والنائب السابق لرئيس البلاد، أن المرسوم «المعلن من جانب واحد... انتهاك واضح لمعاهدة السلام التى تقوم على عشر ولايات». وكان سلفاكير ومشار قد وقعا أواخر أغسطس الماضى تحت ضغوط واسعة من الهيئة الحكومية للتنمية لدول شرق أفريقيا «الإيجاد» والمجتمع الدولى، اتفاقا للسلام ينص على بدء «مرحلة انتقالية» لمدة 30 شهراً يظل سلفاكير خلالها رئيسًا بعد 90 يومًا على توقيع الاتفاق. كما نص الاتفاق خصوصاً على تقاسم المراكز التنفيذية المحلية فى الولايات العشر بين الحكومة والمتمردين، وفى شمال البلاد الغنى بالنفط حصل المتمردون على مراكز حكام ولايات الوحدة وأعالى النيل وجونقلى. وردًا على المعارضة، قال عضو المكتب السياسى لحزب الحركة الشعبية الحاكم أكول جول إن قرار إضافة ولايات جديدة وجد تأييدًا شعبيًا منقطع النظير، ودافع عن القرار بقوله إن قرار الرئيس لم يخرق اتفاق السلام الموقع مع المعارضة المسلحة، مشيرا إلى أن نسبة المشاركة فى السلطة التى نصت عليها الاتفاقية ستظل كما هى دون أى مساس بها، خصوصًا فى الولايات الثلاث أعالى النيل، رغم أنها ضمن الولايات التى تم تقسيمها. واستبعد بول تراجع كير عن القرار فى حال تم الضغط عليه من «الإيجاد» والمجتمع الدولى، وقال إن القرار تم بعد دراسة متأنية وعميقة، ونحن ملتزمون بتنفيذ اتفاق السلام، ونحن نعمل الآن على إنهاء التجهيزات لاستقبال رياك مشار الذى سيصبح نائبا أول للرئيس فى الفترة الانتقالية. يشار إلى أن جنوب السودان، وهى أحدث دولة فى العالم، انفصلت عن السودان فى يوليو 2011 بموجب اتفاق سلام أنهى عقودا من الحرب الأهلية بين الشمال والجنوب، لكن صراعا سياسيا بين الرئيس سلفاكير ونائبه السابق رياك مشار أدخل البلاد مجددا فى حرب أهلية شرسة منذ ديسمبر 2013، اتخذت طابعا عرقيا، وأدت حتى الآن إلى مقتل عشرات الآلاف ونزوح أكثر من 2.2 مليون شخص. وقد تعرضت سلسلة طويلة من اتفاقات وقف إطلاق النار منذ فبراير 2014 لخروقات خلال الأيام أو حتى الساعات التى تلت إبرامها، وبالرغم من توقيع اتفاق السلام الأخير، فإن منظمات دولية أكدت أن المعارك وما يواكبها من عمليات الاغتصاب والتعذيب والهجمات الدامية وجرائم القتل، لا تزال مستمرة على الأرض، ما يؤدى إلى تفاقم الوضع الغذائى الكارثى الذى يطال أغلب سكان جنوب السودان.