السينما المصرية عاشت دائمًا فى أحضان السلطة، وخاصة بعد قيام ثورة 23 يوليو، وبداية عصر الإعلام والفن الموجه والأدب الواقعى.. حيث أمطرتنا السينما بوابل من الأفلام التى تنتقد الإقطاع وتصور الباشوات على أنهم جلادون يعذبون الفلاحين ويسرقونهم ويتعاملون معهم بالعصا والكرباج، وبعض هذه الأفلام تحول الآن إلى مادة للسخرية على مواقع التواصل الاجتماعى، مثل حكاية «على» ابن البواب الذى لعب دوره الفنان الراحل شكرى سرحان، والأميرة إنجى التى جسدت دورها الفنانة مريم فخر الدين فى فيلم «رد قلبى» قصة أحد الضباط الأحرار الأديب يوسف السباعى، وإخراج ضابط آخر وهو عز الدين ذو الفقار، وبطولة الضابطين صلاح ذو الفقار وأحمد مظهر. وبعد وفاة الرئيس جمال عبد الناصر، وتولى الرئيس الراحل أنور السادات بدأت موجة أخرى من الأفلام فيما يمكن تسميته ب «كرنكة» السينما ، نسبة إلى فيلم «الكرنك» قصة الأديب الرائع نجيب محفوظ، وسيناريو وحوار ممدوح الليثى، صاحب العدد الأكبر من الأفلام التى تهاجم ثورة يوليو 52، وحكم ناصر، باعتبارها فترة سيطرة مراكز القوى على البلاد، والحكم الشمولى والقمع وتكميم الأفواه، والتنكيل بالمعارضين، كما شاهدنا فى هذا الفيلم، وأفلام أخرى مثل «إحنا بتوع الأتوبيس» إخراج حسين كمال وبطولة عادل إمام وعبد المنعم مدبولى، وفيلم «زائر الفجر» وطائر الليل الحزين للسيناريست وحيد حامد، و«حافية على جسر الذهب» بطولة ميرفت أمين وحسين فهمى. وما أن مات السادات حتى بدأت موجة أخرى لانتقاد عصره، بدأت بفيلم مهم عن قصة لنجيب محفوظ أيضًا، وهو «أهل القمة» إخراج سمير سيف وبطولة سعاد حسنى ونور الشريف وعزت العلايلى، عن بداية سياسة الانفتاح السداح مداح - كما أسماه الكاتب الصحفى الراحل أحمد بهاء الدين - وكيفية صعود اللصوص وتجار السلع المهربة لقمة الهرم الاجتماعى، وهو نفس الموضوع الذى عالجته أفلام أخرى كثيرة مثل «انتبهوا أيها السادة، بطولة محمود ياسين وحسين فهمى وناهد شريف، و«حب فى الزنزانة» لسعاد حسنى وعادل إمام، و«الغول» تأليف وحيد حامد وبطولة عادل إمام أيضًا. ورغم مرور ما يقترب من 5 سنوات على خلع مبارك، إلا أن السينما لم تقدم حتى الآن أفلامًا مهمة تعبر عن ثورتى 25 يناير و30 يونيو، وإن كان صناع السينما المصرية قد قدموا أفلامًا بشرت بالثورتين، مثل فيلم يوسف شاهين، هى فوضى الذى عُرض قبل ثورة يناير بفترة قصيرة، وفيلم وحيد حامد طيور الظلام.. الذى عبر عن التحالف بين رجال أعمال مبارك وبعض رجال السلطة فى عصره وبين التيار الدينى ممثلًا فى شخصية المحامى الإخوانى الذى لعب دوره ببراعة الممثل رياض الخولى، وكان الفيلم بمثابة نبوءة لما حدث بالفعل بعد ذلك. ورغم تجدد الحرب بين الشعب والنظام فى مصر وبين تيار الإسلام السياسى بكل أجنحته، ووصول هذا الصراع إلى درجة غير مسبوقة من العنف بسبب حالة الجنون واليأس الكامل التى أصابت المنتمين للتيار بعد الإطاحة بهم من السلطة، ورغبتهم المريضة فى الانتقام والتخريب، إلا أن السينما لم تقدم حتى الآن شيئًا له قيمة، يعبر عن هذا التحدى وتساهم به فى الحرب ضد الإرهاب.