ضمن فعاليات " الاحتفالات الثقافية " احتفل معرض الكتاب بعميد الرواية العربية نجيب محفوظ.. وقد تزامنت الاحتفالية مع مضي فترة بسيطة على مئويته التي لم يتسن الاحتفال بها كما يجب لظروف الثورة المصرية.. شارك فى الاحتفال: يوسف القعيد، وحسين حمودة، ومحمود قاسم وأدارها خالد عاشور. دار اللقاء حول عدة محاور هى: موقف نجيب محفوظ من الثورات عمومًا ومن ثورتي 1919 وثورة يوليو 1952 بشكل خاص، وثورات مصر في أدب نجيب محفوظ، وتقاطع الفيلم مع روايات نجيب محفوظ في الثورة والسياسة. فى البداية أكد خالد عاشور أنه مهتم بأدب العميد الراحل، وكتب عنه عدة كتابات كما أنه أعد رسالته للدكتوراة عن نجيب محفوظ.. وقال في تقديمه للندوة أن توقيتها يتقاطع مع حدثي الثورة ومئوية نجيب محفوظ والتي لم يتسن لها أن تأخذ قدرها، وأشار إلى أن أحداث الثورة في أدب محفوظ لها مكانة خاصة وأهم ما يخرج به قارئه أن أدب هذا الرجل وثيقة بالمعنى الحرفي للكلمة فقد كان محقًا من شبهه بالأديب الإنجليزى تشارلز ديكنز في كتابتهما لأدب الوثيقة والذي يمكن الرجوع إليه لمعرفة حقبة اجتماعية معينة كثورة 19 التي عايشها صبيًا ثم ثورة الضباط الأحرار فى يوليو 1952 والتي تنبأ بكثير من أحداثها. موقف نجيب محفوظ من الثورات وعن موقف نجيب محفوظ من الثورات عمومًا ومن ثورتي 19 و52 بشكل خاص تحدث د.يوسف القعيد قائلا: الثورة في أدب نجيب محفوظ حاضرة، نجدها ونحن نقرأ بورتريهات "المرايا" من خلال عدة شخصيات عرضها، فالمظاهرات والاعتصامات والشهداء يملئون المرايا، كذلك "حكايات حارتنا" و "أصداء السيرة الذاتية" و"ثرثرة على النيل" يستحضر من خلالها أول ثورة حصلت في العهد المصري القديم ويقول أن ما قدمه في ذلك الوقت كأنه نبوءة لسنة 1967. وأضاف د.القعيد البعض أخذ فكرة خاطئة عن نجيب محفوظ وهذه الفكرة تكونت عند البعض بسبب نمط حياته فهو المسالم المحافظ ضد الثورات، فقد التزم بنمط معين وفر له الوقت الذي مكنه من إقامة مشروعه الروائي العظيم، غير أن ذلك غير صحيح ولعل موقفًا حدث في آخر أيامه يوضح رؤيته للثورات، فقد زارته كاتبة من البحرين وكانت تتحدث عن السنة والشيعة، فما كان منه إلا أن سألها دون الدخول في أي تفاصيل وقال لها: من الأغلبية؟ قالت: الشيعة، قال: إن الأغلبية من حقها أن تحكم، لم يناقشها أو يسألها إن كانت هي من السنة أو الشيعة فموقفه كان واضحًا دون نقاش، كان ضد الظلم والاضطهاد في أي مكان وتحت أي ظرف. لم يقصد نجيب محفوظ أن يؤرخ للثورات، هكذا تابع د.القعيد قائلا: حدثت ثورة 19 وكان عمر نجيب محفوظ ثمان سنوات، ولم يكتب عنها إلا بعد ثلاثين سنة في "الثلاثية" ولعل دافع كتابتها كان كما كتب في رسالة لأحد معارفه قبل أن يشرع في كتابة الرواية أنه سيكتب عن استشهاد ابن أخيه في رواية طويلة كان "فهمي عبد الجواد" شقيق البطل في الرواية هو ابن شقيق نجيب محفوظ الذي استشهد في ثورة 1919. وأضاف قائلا: إن الثلاثية هي أهم نص روائي عربي على الإطلاق، وهي تمجد الثورة والثوار وشهداء الثورة، ويختتم الجزء الأول منها بذهاب الرفاق إلى السيد عبد الجواد يبلغونه بخبر استشهاد فهمي، يأتي بعد ذلك الجزء الثاني "قصر الشوق" ونرى فيه من خلال فصلين أو ثلاث كيف يخيم حزن غير عادي على الأسرة ندرك معه لوعة الاستشهاد، وتعتبر هذه الرواية سجلا حقيقيًا لثورة 19 بأحداثها، تحيي أحوال مصر في هذه الفترة وترصد مواقفها التاريخية وتنتهي سنة 1943 والثورة مازالت هي الكلمة الأولى والأخيرة برغم وجود الملك والأحزاب يبقى الحوار المهم يدور حول النضال والخروج على الحاكم ومحاربة المحتل ونرى أن أصداء ذلك الحوار تتردد الآن في أي بيت مصري رغم مرور نصف قرن من الزمان. بين ثورة يوليو52 و 25 يناير وعن موقفه من ثورة 1952 قال د.القعيد أن عميد الرواية العربية كان عمره وقت نشوب الثورة 41عامًا لكنه أيضًا لم يكتب عنها إلا بعد 9سنوات من خلال روايته "السمان والخريف" التي كان بطلها أحد رموز العهد السابق بمنصب مدير مكتب وزير الداخلية "عيسى الدباغ" الذي عاد من مقابلة فدائيي الإسكندرية ليكتشف ألا أحد ينتظره ولا سيارة تقله، فقد عاد في يوم فارق في تاريخ مصر يوم أن احترقت القاهرة، نرى كيف يذهب إلى منزله ثم يترك القاهرة وتقوم الثورة ويتم التحقيق معه، يخرج إلى المعاش ويهاجر ثم أخيرًا يقرر العودة وتنتهي الحرب والرواية لا تحسم الموقف وإن كانت الايماءات تقول إنه قرر أن يصبح جزءًا من الواقع الجديد فيصبح فيما بعد بالفعل ممن حكموا مصر بعد ذلك. ويؤكد د.يوسف القعيد من عميق معرفته لنجيب محفوظ أنه لو كان على قيد الحياة وقت ثورة 25 يناير 2011 لوقف معها قلبًا وقالبًا دون شك أو نقاش، فقد كان ثائرًا بطبعه ورافضًا للتوريث وكان سيمنح تأييدًا مطلقًا للثورة فكل أعماله فيها حلم الحرية حتى روايته "اللص والكلاب" تضم حلمًا بشريًا من النوع النادر. وعن الاحتفال بمئوية نجيب محفوظ التي بدأت 11ديسمبر2010 وكان من المقرر أن تستمر لعام كامل، أوضح د.يوسف أنها لم تأخذ حقها إطلاقًا بسبب نشوب ثورة يناير، وكان من المقرر تدشين متحف ومزارات محفوظية، وقال: لقد كتبت مطالبًا وزير الثقافة السابق أن يعتبر هذه السنة بدايتها ديسمبر2011 وتصبح سنة لاحقة فلم يوافق، وهكذا مرت السنة دون أن يقام احتفال غير أن وزير الثقافة الحالي د.شاكر عبد الحميد وعد بعمل ندوة دولية تليق بنجيب محفوظ وإنجازه الأساسي وهو المشروع الروائي والإنساني والثقافي الذي يكاد أن يكون الوحيد في عصره الذي بنى مشروعه بكدحه وكفاحه، فلم يكن لديه ما يقدمه لمصر إلا جهده، وختم حديثة قائلا: إن نجيب محفوظ هو نموذج لشخص يحترم العمل ويقدس الحوار والليبرالية، يحترم الرأي الآخر ولديه قدرة نادرة على الإنصات للآخرين.. الثورة والميدان الغاضب في أدب العميد وفي حديث أكاديمي عن ثورات مصر في أدب نجيب محفوظ تحدث الناقد د.حسين حمودة عن تكرار لفظ (الثورة) واعتباره زاوية مهمة تستحق الانتباه في أعمال نجيب محفوظ، وكمثال تلا د.حسين نصًا من "أصداء السيرة الذاتية" لمحفوظ اسمه "دعاء"، يقول فيه: (دعوت للثورة وأنا دون السابعة؛ ذهبت ذات صباح إلى مدرستي الأولية محروسًا بالخادمة، سرت كمن يساق إلى سجن، بيدي كراسة وفي عيني كآبة، وفي قلبي حنين للفوضى، والهواء البارد يلسع ساقي شبه العاريتين تحت بنطلوني القصير، وجدنا المدرسة مغلقة، والفراش يقول بصوت جهير :سبب المظاهرات لا دراسة اليوم أيضًا.. غمرتني موجة من الفرح طارت بي إلى شاطئ السعادة ومن صميم قلبي دعوت الله أن تدوم الثورة إلى الأبد) وقال حمودة: على تجربة ذاكرة تحاول أن تقاوم من خلال رحلة إلى العالم القديم لتعبر عن آخر هو الآن قائم وراهن، نجد أن صيغة النص تتخطى الزمن الذي كتبت فيه. ثم أضاف أن فكرة أخرى مثل فكرة (الميدان الغاضب) نجدها كمفردة أيضًا تتكرر كثيرًا في أعمال نجيب محفوظ باعتبارها ساحة لاحتجاج جماعي ومدافعة للخطر، ونجد مثالا في "حكايات حارتنا" لطفل اسمه (سلومة) ينضم لمظاهرة فتصيبه رصاصة فيموت، وتظهر تجربته لترتبط بمعنى التحول، سيكون شهيدًا ووالده يتحول من عاطل إلى والد شهيد، كما أن الثلاثية أيضًا بها عدة وقفات عند عدد من الميادين الغاضبة التي شارك فيها بطل الرواية. ويرى د.حسين أن الجزء الثالث من الثلاثية "السكرية" وردت بها بعض عبارات كالواجب الإنساني العام، والثورة الأبدية، شخصية "سعيد مهران" التي مثلت الثورة في شكل طالب، كما أن صورة واضحة للثورة (المجهضة) تجلت، فقد كانت كل أعمال نجيب محفوظ تتحدث عن ثورات بعينها باستثناء ما كتب في روايته "الحرافيش" كانت ثورة لم تتم أو لم تتحقق بعد يطل فيها البطل عاشور الأخير ليجسد هذا المعنى بوضوح، نرى كيف لا يتساقط الظالمون والمستبدون فقط وإنما الظلم ذاته يتبدد ويتحول الحرافيش إلى قوة لا تقهر، وتتساوى قيمة القوة والعمل ويخوضون الحياة مثلما قال ببراءة الأطفال وطموح الملائكة. وأخيرًا يختتم د.حسين حمودة حديثه بقوله إن نجيب محفوظ ظل مسكونًا بثورة لا تتوقف أبدا، نراها واضحة جلية في رواياته "عبث الأقدار"، و"رادوبيس"، و"كفاح طيبة" ولا يمكن أن يتخيل أحد أن من كتب تلك الروايات باستطاعته أن يكتب ما كتب محفوظ من روايات في الأربعينات، ومن قرأ رواياته في الأربعينات يصعب أن يتخيل وجود رواية مثل "أولاد حارتنا" وما كتب في الستينات من القرن الماضي من روايات أو نصوص قصيرة مختزلة كأصداء السيرة الذاتية، رأيت فيما يرى النائم، وأحلام في فترة النقاهة، لا يسعنا أن نقول أن نجيب محفوظ هو مبدع استثنائي مارس الإبداع ولم يجاريه أحد في الإبداع إلا نفسه روايات محفوظ في السينما وعن تقاطع الفيلم مع روايات نجيب محفوظ في موضوعي الثورة والسياسة يحدثنا د.محمود قاسم من خلال استعراضه لعدة أفلام صنعت عن روايات عدة لنجيب محفوظ منها: "السمان والخريف"، و"بين القصرين"، و"ميرامار"، و"الكرنك"، و"القاهرة30" وغيرها. وأضاف أن شخصية المتمرد تكررت كثيرًا في روايات نجيب محفوظ حيث نجدها واضحة في "القاهرة30" يجسدها البطل (علي طه) قرأ بعدها جزء من الفصل الأخير بالرواية موضحًا أنها من الأهمية لأنها أبرزت فكرة عدم خلط الدين بالسياسة، وعندما تحولت الرواية إلى السينما ابتعدت عن مجال الأدب. وفي نموذج آخر وضح لنا د.قاسم أن رواية مثل "بين القصرين" أيضًا تحدثت عن الثورة، ولعل ختامها الذي صور مشهد الشقيقان اللذان كان أحدهما ثائرًا والآخر متمرد، شيوعي وإخواني يذهبا للمعتقل معًا وتنتهي القصة، وكما حدث في فيلم "السكرية" نجد أن مساحة المظاهرات في الرواية كانت ضيقة تتناسب مع مسيرة الأسرة، ولكنها في الفيلم كانت مظاهرات موسعة وحاشدة. وأكمل: ثم إن رواية "السمان والخريف" انتهت برفض ريري العودة إلى عيسى الدباغ الذي ذهب إلى شارع صفية زغلول لتنتهي الرواية، ولكن الفيلم غير الوضع تمامًا فحول الشارع إلى تمثال سعد زغلول بالإضافة إلى أغنية ثورية حماسية وقال على لسان البطل كلامًا كثيرًا عن المرحلة القادمة لم يكن موجودًا في الرواية مما يوضح لنا أن السينما كانت مسيسة أكتر من الرواية، ولعل أول كاتب مصري عمل نقدًا ذاتيًا للثورة كان من خلال شخصية سرحان البحيري العضو في الاتحاد الإشتراكي العربي الذي تحول لشخص انتهازي في الفيلم بسبب اتساع مساحة السياسة أيضا في الفيلم أكتر من الرواية. وأكد د.محمود قاسم في دراسته على أن رواية "الكرنك" مأخوذة عن قصة حقيقية حكاها صاحبها لنجيب محفوظ وكانت عن تجربته في المعتقل، فما كان من الروائي العظيم إلا أن نقل التجربة بشعور صاحبها وبوقائعها الحقيقية دون تدخل لذلك عوملت كأسلوب وتعبير جديد في السينما أطلق عليها الكرنكة، وقد ظهرت على إثر فكرة مراكز القوة عدة أفلام بعد ذلك، ثم أكمل: نجد أيضًا نموذج الفتوة أو الحرافيش الذين كانوا ثوارًا وكان دائمًا سليل أسرة عاشور هو الفتوة الطاغية، وأخيرًا أوضح د.قاسم أن نص "كفاح طيبة" كان نصًا أقرب للثورة، وقال أن ما يوجد بأدب نجيب محفوظ في كثير من أعماله من نقد اجتماعي هو روح الثورة وعمقها.