البطل فى الدراما هو الشخص الاستثنائى.. فى ارتفاعه أو حتى فى سقوطه.. يجوز أن يشبهك ويشبهنى.. لكنه أبدًا ليس مثلى أو مثلك.. ألم أقل لك بأن الدراما لا تعيد نقل الواقع.. ولكنها تقدمه بصيغة جديدة وهى توهمك بأن ما تراه حقيقيا.. بالملابس والديكور والتمثيل.. وإلا فكيف نرى حياة الفراعنة الآن.. ألا إنها صورة يضعها الفنان، وتلك هى روعة الفن الذى هو مزيج من الخيال والابتكار والصفة والوعى والضمير وإذا نظرت إلى شاشة 2015 أو الموسم الرمضانى.. فهل تجد بين أبطالها وبطلاتها ما أخذك إلى الشر لكى يقربك أكثر من الخير.. وما كشف لك القبح لكى يدلك على الجمال؟.. إن صورة البطل قائمة على روح الانتقام والغل والسعى وراء المكاسب بصرف النظر عن الوسيلة وهو المبدأ الذى وضعه ميكافيلى وقانونه أن الغاية تبرر الوسيلة.. ارجع بالذاكرة إلى نماذج سليم البدرى.. الباشا بكل مزاياه وعيوبه.. وانظر إلى غريمه سليمان غانم العمدة.. ثم تحول إلى نماذج الأبطال الذين ارتبطوا بالوطن وتحولوا إلى أعلام فى وجدان المواطن.. رأفت الهجان / جمعة الشوان / أبو العلا البشرى / أبلة حكمت / .. إلى آخر النماذج التى استقرت فى العقل والقلب وربما يذكرها الناس أكثر مما يذكرون اسم العمل الفنى نفسه.. ووسط أكثر من 50 مسلسلا.. ماذا ترى فى أبطالها سوى المدمنة المدخنة وأبوديل حصان البلطجى واللص الأنيق والمحتال والشيطان الإبليس؟.. وليس معنى ذلك أن نرسم البطل الدرامى على أنه من الأنبياء أو المرسلين.. لكننا يجب أن نراه شامخا فى كل شىء.. وكما رأينا السارق الحنون مثل روبين هود الذى يأخذ من الأغنياء ليعطى الفقراء.. ومثلما قدمت حكاية أدهم الشرقاوى الذى يحارب الإنجليز والظلم ويتخفى ويتلون فلا يتم اصطياده إلا بالخيانة من أقرب المقربين.. فهل وجدت البطل فى أستاذ الجامعة الذى يضرب زميله بالحذاء فى مكتبه وكأنها الحركة الثانية فى مسلسل التآمر على العلم والتعليم والمُعلم.. بعد كارثة مدرسة المشاغبين التى كتبها رائد التطبيع مع العدو الصهيونى على سالم الذى ذهب إليهم فى تل أبيب يطلب مودتهم.. فما كان إلا أنه فقد مكانته هنا و«زبلوه» هناك بعد ذلك.. وهذه الأم التى انشغلت بجمع المال.. وكانت تقدم لابنها ما يطلبه.. وتعرف أنه له شلة وأنه يسهر ويعربد.. ثم نراها تبكى عليه وتصاب بالدهشة عندما تعرف بأنه كان مدمنا.. وفى مسلسل آخر نرى الصحفى يتحول إلى أرنولد شوارزنجر يهرب ويفر ويتخفى.. ولا بأس أن يغامر الصحفى ليكشف المستور.. لكن أن تكون الإثارة هدفا فى حد ذاتها على حساب المنطق والمعقول والمقبول وبما يتفق مع شخصية الصحفى.. هذه أكذوبة.. وفى مسلسل «القرشانات».. لا نرى سوى فاصلا من الدواهى والسواهى وقلة الأدب والكلام الفاحش الماسخ.. والتباهى بالنصب والاحتيال فى أسلوب أقل ما يوصف به أنه الانحطاط بعينه، لا هدف ولا مضمون.. إنما هو التكرار والملل.. والسمة السائدة فى أغلب الأعمال تشجيع الانحلال فهل بلادنا كلها منحرفة وتعيش نهارها فى الفسق.. أبسطها هذا التدخين المستمر بلا مبرر أو ضابط بين أغلب الممثلين والممثلات بلا استثناء صغيرهم وكبيرهم.. وقد دخلت المسلسلات أكثر إلى غرف النوم.. وباتت مشاهد الفراش التى كانت حكرًا على السينما عادية فى المسلسل الذى يدخل كل بيت.. ناهيك عن أننا فى شهرٍ كرّمه الله.. فكيف لهؤلاء باسم الفن.. ولا نرى منهم سوى الشخصيات السلبية الفاسدة التى نراها ساقطة بدون مبرر.. وباتت شخصية المرأة الخائنة منتشرة على غرار ما نراه فى المسلسلات التركى.. وبالتالى أصبحت مشاهد الكباريهات وبيوت الدعارة من العلامات الدرامية. السؤال الضرورى إذا كانت القاعدة الدرامية تقول إن الصراع لابد أن يتم بين ثورتين مختلفتين متضادتين.. خير وشر، ظلم وعدل، وقبح وجمال، وفقر وثراء، قوى وضعيف.. فهل فى النماذج والشخصيات التى تطرحها المسلسلات.. بعض شرفاء الوطن.. وبعض أمهات ناضلات مربيات.. إلا فى الأدوار الهامشية النمطية.. هل ترى فى المسلسلات نموذجا لبطل يحارب ويقاوم ويناضل.. حتى «على» الضابط الرومانسى الذى ذهب يحارب الصهاينة وقاوم التعذيب حتى عاد إلى أرض الوطن نراه عندما يكتشف زواج حبيبته يفر هاربا إلى أقرب خمّارة يشرب ويدخن فى سقطة لا تليق أبدًا ببطل.. نعم هو بشر يمكن أن يضعف.. أو ينهار أو يتأثر.. لكن هذه الحلول التى أكل عليها الدهر وشرب لم تعد مقنعة.. وقت أن كنا نرى الخمور فى بيت الغنى والفقير.. مع اختلاف الأصناف والنوعيات من الشامبانيا إلى منقوع البراطيش، هذه دراما تدمر.. وهذه الشخصيات التى تراها أمامك لا يمكن أن تساهم فى بناء الأمة.. فهى رخيصة وهشة.. والوطن فى هذه الأيام أحوج ما يكون إلى الأقوياء بالله وإن ضعفوا بالمال والجاه والسلطان.. فمن الذى ربط بين الفقر والقبح.. وغالبية شعبنا على باب الله حتى أرباب الطبقة التى كانت متوسطة تعيش على الستر.. ولكنها أبدًا لا تسرق أو تزنى أو تفرط أو تتنازل.. وتعرف أنها قابضة على الجمر.. وتستطيع أن تلخص المشهد الدرامى فى جملة واحدة أطلقتها صاحبة ماخور مع ضحكتها الرقيعة وهى تقول: أحب المشى البطّال.. وهنا أشرف بيت دعارة فى مصر.. وهذا هو التطور الطبيعى للخيانة المشروعة! ويا حسرة على هذا البطل «البطال»!