يتقدم رئيس الجمهورية نحوها وهى تقترب نحوه على مقعدها المتحرك.. يحيطها بعظيم احترامه وتقديره.. ثم يجلس بين الأمهات المثاليات ولكل واحدة منهن قصة يقتضى أن نضعها تاجا فوق كل رأس ولكن من يقرأ؟.. ومن يسمع؟.. ومن يقدم هذه النماذج التى نحتاج إليها بشدة فى ظل طوفان الهلس والابتذال والانحطاط الذى يصور لنا المرأة الجسد فهى خائنة وفارغة ومدخنة ومدمنة وعارية ليس فقط من ملابسها لكن من الحياء.. وكأن هؤلاء الذين يضعون مثل هذه الأفلام والمسلسلات لا أم لهم ولا زوجة ولا أخت ولا جارة.. والأدهى أنهم يقولون للناس فى تبجح إننا نقدم الواقع.. وهم فى ذلك كاذبون.. عميت أبصارهم وبصائرهم حيث لا نرى منهم إلا هذه الأنثى المستهلكة المشغولة دائما وأبدا باصطياد الفريسة. وإذا قلت لهم إن أموالكم التى تصنعون بها هذه الدراما المعوجة.. هذه الأموال مشبوهة ولا يمكن بحال أن يحمل «الحرام» لواء الدفاع عن «الحلال» إلا من باب النفاق والتمويه.. ولكن الخداع لا يمكن أن يستمر طوال الوقت.. فإنك تستطيع أن تخدع بعض الناس بعض الوقت.. وتستطيع أن تخدع كل الناس بعض الوقت.. لكنك لا تستطيع أن تخدع كل الناس كل الوقت.. وفى كل هذا الكم من الأعمال الفنية التى صرفوا عليها الملايين تبحث عن نموذج امرأة مكافحة شريفة من تلك النوعية التى منحها الرئيس وسام الكمال، لأنها قدمت صورة لامرأة بألف رجل مما يعدون ربت وأحسنت التربية حتى بلغ أولادها من العلم والمكانة ما بلغوا.. «عملت بشرف» وعلمتهم الشرف وفاز بهم الوطن كمواطنين أسوياء.. واحدة منهن ارتدت ملابس الرجال وسجنت نفسها وأنوثتها فيها طوال أكثر من أربعين عاما.. تعمل معهم يدا بيد.. حتى كبر الأولاد وانجزت المهمة على أتم وجه.. أليست هذه قصة؟! فلماذا التركيز على العايقة المتضايقة والتى ترقص فى الكابريهات بشرفها.. والتى فرطت فى شرفها بكل الشرف والقرف ثم تضع له البرامج وتحولها إلى قدوة.. ودعنى هنا أفرق بين تصرف شخصى من زواج وطلاق وأمومة.. وبين تصرفات تباع للناس فى عبوات قاتلة ومسمومة يقال إنها فنية. وإذا كان ما يفعله هؤلاء من الأعمال التى تدعو للفخر والشموخ فلماذا يهربون بأولادهم بعيدا بعيدا.. ويحصلون لهم على جنسيات أجنبية؟. ثم ماذا تقول الواحدة منهن لأولادها وأحفادها ولنفسها وقبل ذلك لربها عما كانت تقدمه؟.. وهل تستطيع أن تمسح هذا العار من كل الشرائط ومن المواقع ما ظهر منها وما بطن؟. ثم إن الفن يقوم على محاكاة الحياة وما فيها وليس على نقلها كما هى نقلا فوتوغرافيا.. فهل عيون نجوم الفساد والانحلال لا تجد فى قصص وحكايات المرأة المصرية العظيمة.. الشغالة المربية المنتجة العفيفة ما يستحق أن يظهر على الشاشة؟! ثم إن عالمهن لا تتجاوز هذا «الماخور» من العشق الأسود والأحمر والفوشيا.. والتى تخون زوجها مع أخيه وحماها والجيران.. وهى دائما سكرانة حشاشة ضائعة لحمها على المشاع. وفى السياق نفسه أين قصص الشهداء وأبطال المعارك عبر تاريخنا.. وأبطال الواجهات اليومية فى حربهم ضد الإرهاب الأسود؟.. بل فى معركة أكل العيش أو الجهاد الأكبر، كما قال عنه المصطفى صلى الله عليه وسلم.. دخول الأمهات المثاليات الرائعات إلى قصر الرئاسة.. رسالة بدأ السيسى يكتبها عندما قال فى المشهد الشهير لأحمد السقا ويسرا على الهواء مباشرة وأمام الملايين.. وربنا هتتحاسبوا؟.. ألا يشبع ويتعب هؤلاء من قصص العنف والقتل والخيانة والضياع.. ويغسلون أنفسهم ولو قليلا بقطرات من ماء الطهارة والعفة.. وحتى من باب التوازن.. وفيها كل مقومات الدراما من تشويق وإثارة. وإحداهن عندما قدمت لها الدولة 50 ألفا مكافأة لها.. رفضت أن تتسلمها.. ورفضت ذكر اسمها وكل ما طلبته فقط.. تأشيرة حج لبيت الله الحرام. والأم المصرية التى بدت دائما على الشاشة مستكينة ضعيفة، هذه الأم غير المتعلمة هى اللى ربت طه حسين.. فخرج لكى يعلِّم الدنيا كلها، لأنه تربى بأسلوب صحيح- وقس على ذلك سائر الأكابر فى هذا العصر الذى كانت فيه مدرسة بحق وهى لا تعرف القراءة والكتابة. سؤال ضرورى لماذا لا يتحرك المجلس القومى للمرأة.. ونحن نراه ينتفض ويهب لقضايا لا تقارن نهائيا.. بهذه المهازل التى نراها على الشاشة.. ويجب عليه أن يتصدى لها ليس فقط بندوات كلامية واحتفاليات لا معنى لها إلا البروبا جندا.. لكن أن يتصدى لإنتاج سلسلة أفلام وثائقية أو شبه درامية عن النماذج المضيئة لامرأة مصر التى نزلت إلى الميدان تشارك فى الثورة والعمل وأهم من ذلك تربى وتضىء البيت. وهذه الأفلام من الممكن أن يتم التعاون فيها مع اتحاد الإذاعة والتليفزيون.. ومع بعض المنتجين الشرفاء وهم قلة.. ومع بعض القنوات الخاصة التى رفعت لواء الحرب فى معركة الختان وهى اختيارية.. وحرب التحرش وهى مسألة لا يمكن أن تطاردها إلا من داخل البيوت والنفوس والضمائر. نعم المجلس فيه سيدات على أعلى مستوى وله نشاطه.. ولكن قضيته الأولى هى صورة المرأة، لأن كل ما يفعله سدى يضيع ويذهب أدراج الرياح بمشهد سينمائى أو تليفزيونى واحد.. ودوره أيضا أن يشجع المنتج المحترم والفنان المحترم لكى نعدل «المايلة» وكما يتحول التدين المتشدد المزيف إلى قتل وحرق وخراب.. الفن الساقط أخطر على المجتمع فهو وباء.. ويا مجلس المرأة تم.. ولا تسكت وتحرك قبل فوات الأوان. جائزة هناك من أخذت وسام الكمال وهى تستحق ما هو أكثر.. ومن يجب أن نعطيها تمثال الابتذال وهى تستحقه وأكثر!