رمضان شهر عظيم مبارك وزائر كريم عزيز، وضيف حبيب على قلوبنا، طال انتظاره وآلمنا البعد عنه، ضيف تلهفنا عليه، أيامه أيام الطاعات والخيرات والقُربات والبركات، كنهر جار نغترف منه العطايا والهبات، ومدرسة جامعة لجميع الأجيال والفئات، معسكر تأهيلى، شهر الذكر والدعاء وتلاوة القرآن واستلهام العبر والعظات، شهر التوبة والأوبة والإنابة لرب البريات، شهر الصبر والجهاد والانتصارات فكيف ننال كل عطاياه؟ حول ذلك كان حوارنا مع د. ياسر مرزوق أستاذ علم الحديث بجامعة الأزهر والأمين العام لأنصار السنة المحمدية بمصر:-? كيف يعيش الناس رمضان؟ ?? اعتاد المسلمون فى رمضان أن يخرجوا عن أطوارهم التى اعتادوا عليها فى غيره وللناس فى رمضان أحوال بين العادة والعبادة، فلابد أن يعيد الناس النظر فى تصرفاتهم وأفعالهم التى يعملونها فى رمضان فيهتمون فيها بالكيف لا بالكم، ويهتمون فيها بالجوهر لا بالمظهر، ويهتمون فيها برضا الله لا بالتظاهر أمام الآخرين ولا شك أن وسيلتهم لهذا هى طريق واحد ألا وهوالإخلاص المصحوب باتباع السنة. فبلدنا يتسم الناس فيه بالطيبة وحبهم للخير وهذه الشهادة يشهد بها الناس فى كل البلدان للمصريين وليست شهادتى أنا فقط لأول مرة، ومن مظاهر طيبتهم أنهم دائما يستقبلون مواسم الخيرات بمزيد من العناية والاهتمام ومن أهم هذه المواسم شهر رمضان المبارك فالناس يستقبلونه بشكل يختلف تماما عن بقية الشهر ولكننا لكى نكون منصفين واقعيين فى نقل الواقع نقول: إن الناس جميعا ليسوا على مستوى واحد من حبهم للخير وإقبالهم عليه وهذا أمر طبيعى وإن لم يكن مستحبا فالمجتمع كله لايمكن أن يكون على أتقى قلب رجل واحد هذا أمر صعب لذلك نجد الناس فى استقبالهم لرمضان يختلف هذا الاستقبال باختلاف توجهات المستقبلين فتجد الناس فى ذلك أنواعًا:- فمنهم إذا صام عن شهواته المحرمة التى اعتاد فعلها فى غير رمضان كان صيامه عنها وقتيًا فتراه يتحين غروب الشمس متى تغيب ليهرع إلى ما استمر عليه من شهواته المحرمة، بل ربما بادر بالفطر على شىء من هذه المحرمات. فالصيام عندهم يقطع عنهم لذة التمتع وهؤلاء قد يهدم ليلهم نهارهم، فيستقبلون الشهر على وجل، يقبلون على الطعام والشراب وكأنهم يعوضون فى شعبان حرمانهم فى رمضان. ومنهم من يبالغ فى أصناف المأكولات والمشروبات على الموائد، والمراد هو الاستعداد القلبى الإيمانى، شحذا للهمم وإعلانا لتوبة نصوح، ووضعا لبرنامج وتخطيط مسبق لاستثمار هذا الشهرالكريم، ومنهم المتبع لنبيه المتأسى بسلفه الطيبين المتأهب لنيل فضل رب العالمين فى هذا الشهر الكريم فإذا به يطالع ما له وما عليه فى رمضان باحثا متعلما ومعلما لسنة خير الأنام ومن تبعه من أصحابه وسلفه الكرام، ومنهم فئة مقتصدة نالوا من هذا وذاك من استعدادهم لطعامهم وشرابهم ومن سعيهم لنيل رضا ربهم والفوز بعفوه ومغفرته وعند الله العفو والمغفرة إنه عفو غفور. ? إن كانت هذه هى توجهات الناس المختلفة وأنواعهم فى رمضان فأى هذه الطرق المثلى؟ ?? إننى أربأ بنفسى وإياك أن نكون من الصنف الأول ولا أحب أن يكون حظى وإياك من رمضان كأصحاب الصنف الثانى، أما الصنف الرابع وإن كان مقبولا إلا أنه على حافة السقوط فالنفس أمارة بالسوء واتباع الهوى محبب لديها وإرهاق العبادة لم تتعود عليه فهيهات أن تستطيع الموازنة الصعبة المقتصدة بين شهواتها وإقبالها على ربها فأقول وإن كانت مقبولة إلا أنها على خطر، إذن أعود بنفسى وإياكم إلى ذلكم الصنف الثالث ذلكم المحب الذى استبشر بدخول الشهر لعلمه بما يجده من اللذة بصيامه ومن أنس فى قيامه، فنهاره تسبيح وتهليل وتحميد وأمر بالمعروف ونهى عن المنكر وصدقة وبر وإغاثة وإحسان، وليله لا يتهجع فيه إلا القليل تحسبًا للهجوع الطويل. ? كيف نفرق بين العادة والعبادة؟ ?? الحمد لله أن أغلب الناس يحبون هذا الشهر ولا يفرطون فى هذه العبادة حتى أن من جميل ما نراه فى رمضان أن بعض الناس لو ضرب على أن يفطر فى شهر رمضان لغير عذر لم يفعل وهذا أمر طيب لكننا نربأ بمن يفعل ذلك أن يفعله حياء من الناس نريد ممن يفعل ذلك أن يفعله لعلمه أن الله لا يحب منه هذا بغير عذر، ومن علامات الإيمان أن يكره المؤمن ما يلائمه من شهواته إذا علم أن الله يكرهه لذا قد يتلذذ العبد أحيانا بما يراه من تعب فى صيامه إذن فالصائم يهتم باستحضار النية فى أول الشهر وكل يوم فإن صيامه لله وحده. ? هل الذى يرتكب المعاصى وهو صائم لا يأخذ أجرا؟ ?? هذا السؤال مركب من عدة أسئلة يختلف الجواب فى كل واحد عن الأخر حتى لا يحدث خلط، فالذى لايصوم لله كالذى يعمل ويصرف أى عبادة لغير الله لا شك أن هذا قد حرم نفسه لأن الله لا يقبل إلا ماهو خالص له . أما الذى يرتكب المعاصى فلايمكن لمثلى أن يقول إنه لايأخذ أجرا لأن الذى يفعل هذا قد قدم عبادة لله واستوفى شروط الإخلاص واتباع السنة فمن الذى يتألى على الله فيحرمه من الأجر هذا أمره إلى الله لكن الذى يمكننا قوله إن أجر هذا غير أجر من صام وابتعد عن المعاصى وكذلك يمكننا أن نقول ما قاله النبى صلى الله عليه وسلم: من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة فى أن يدع طعامه وشرابه)، وأما الذى يصوم ويبتعد عن المعاصى وهو صائم نهارا ويظن أنه كما تحلل من الصيام ليلا فمن حقه أيضا أن يرتكب المعاصى بحريته نقول له: إن رب الليل هو رب النهار فاحذر من تحرم نفسك من أجر صيامك الذى تعبت فيه. لذا فلهذا أجر أو عليه وزر ونصيحة عامة فى رمضان وفى غيره أمرنا الله بها فى كتابه وهى :- {لاتقربوا الفواحش}، وذلك لأنه من جميل العادات أن الناس يتقربون إلى الله بترك المطعومات والمشروبات فهلا تقربوا إليه بالإعراض عن الفواحش عامة؟ وذلك بالتقرب إليه بترك ما حرمه الله فى كل حال، من الكذب والظلم والعدوان قال صلى الله عليه وسلم (من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة فى أن يدع طعامه وشرابه). ? كيف نفرق بين العادة والعبادة فى صلاة التراويح ونلاحظ أن المساجد قد تمتلئ بالمصلين؟ ?? لا شك أن هذه ظاهرة مفرحة ودليل على امتلاء قلوب الناس بالخير والحمد لله فمن جميل ما اعتاد عليه الناس أنهم يحرصون على قيام الليل فى رمضان والتنقل بين المساجد لأجل هذا،لكننا لنا هنا وقفة وهى:- فليكن قيامهم مصحوبًا بنية التقرب إلى الله لا بنية التقليد والخجل أن يتخلف عما يفعله الآخرون وليكن قيامهم والذى هو نفل وسنة مسبوقا بالمحافظة على الفرائض من الصلوات المكتوبات فهل يليق بذى لب أن يحرص على النافلة ويقصر فى الفريضة وقد قال الله :(وما تقرب إلى عبدى بشىء أحب إلى مما افترضت عليه، ثم ليكن تنقلهم بين المساجد ليس بحثًا عن الصوت الأجمل ولكن بحثًا عن الصلاة الأكمل؛ وهى تلكم التى توافق السنة من جهة وتجد فيها قلبك من جهة أخرى بصرف النظر عن طولها وقصرها أو جمال الصوت من عدمه والحقيقة أنا أفضل فى هذا أن يصلى كل واحد قريب من محله حتى لايهجر المسجد القريب منه ويتكتل الناس ويتزاحمون على مساجد معينة بغير مبرر. ? هل من نصيحة عامة فى رمضان؟ ?? لابد أن نغتنم هذه النفحة الربانية والفرصة العظيمة للتوبة والاقبال على الله ولا نسير وراء من يضيع لنا أعمالنا وأعمارنا من لهو لا يرضى الله عنه ولنعلم أن الذى يدعونا لهذه المخالفات لا يحب لنا الخير فاستغنموا منه من الليالى اليسيرة والأيام واستودعوه عملا صالحا يشهد لكم به عند الملك العلام وودعوه عند فراقه بأزكى تحية وسلام. والله أسأل أن يرزقنا وإياكم ما فيه سعادة الدارين إنه نعم المولى ونعم النصير.