فى ظل الاضطرابات غير المسبوقة التى تعصف بمنطقة الشرق الأوسط، أصبح الانتقال السلس للسلطة فى المملكة العربية السعودية مسألة أكثر صعوبة من ذى قبل، فعندما توفى الملك عبد الله فى يناير الماضى جرى ترتيب مسألة الخلافة والاتفاق عليها بين كبار أمراء عائلة آل سعود. حيث خلف حكيم العرب ولى العهد الأمير سلمان وبدوره أًصبح الأمير مقرن وليًا للعهد، والإثنان من أبناء مؤسس المملكة الملك عبد العزيز الذى توفى عام 1953. وجميع الملوك الستة الذين جاءوا منذ ذلك الحين كانوا من بين العشرات من أبناء الملك المؤسس، لكن هذا النمط لا يمكن أن يستمر للأبد، حيث توفى اثنان من ولاة العهد _ الأميران سلطان ونايف _ فى عهد الملك عبد الله. وعندما اجتمعت هيئة البيعة للنظر فى مسألة الخلافة فى مارس 2014 صادقت على تعيين الملك عبد الله للأمير مقرن فى منصب ولى ولى العهد، وجاءت هذه الخطوة غير المسبوقة فى إطار تحرك من حكيم العرب لضمان انتقال سلس للسلطة فى المستقبل القريب. وكان الأمير مقرن مقربًا من الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز، ومع اعتلاء الملك سلمان سدة السلطة فى يناير 2015 أصبح الأمير مقرن وليًا للعهد، وكان يفترض أن يكون مقرن آخر الملوك من «الجيل الأول» «أى أبناء الملك المؤسس، لكنه لم يمكث فى ولاية العهد إلا 3 أشهر تقريبًا، عندما صدر الأمر الملكى «بإعفاء الأمير مقرن من ولاية العهد ومن منصب نائب رئيس مجلس الوزراء بناء على طلبه». وجاء إعفاء الأمير مقرن ضمن مجموعة من الأوامر الملكية أصدرها الملك سلمان بن عبد العزيز الأربعاء الماضى، كان أبرزها تعيين وزير الداخلية الأمير محمد بن نايف وليًا للعهد، كما عين نجله الأمير محمد بن سلمان وليًا لولى العهد. كما أعفى وزير الخارجية الأشهر فى تاريخ المملكة الأمير سعود الفيصل لظروف صحية. وبذلك تكون المملكة قد اتخذت وجهًا جديدًا على مستوى قيادتها، وأصبح أبناء «الجيل الثانى» أى أحفاد الملك المؤسس عبد العزيز، فى مقدمة القيادة إلى جانب الملك. وسيحتفظ الأمير محمد بن نايف بمنصب وزير الداخلية، وكذلك يحتفظ الأمير محمد بن سلمان بمنصب وزير الدفاع، وقد تمت البيعة للأميرين محمد بن نايف ومحمد بن سلمان بقصر الحكم فى الرياض بعد صلاة عشاء الأربعاء الماضى. الأوامر الملكية شملت أيضا إعفاء بعض الوزراء ونواب الوزراء من مناصبهم أبرز التغييرات كانت تعيين عادل الجبير وزيرا للخارجية، المهندس خالد الطالح وزيرًا للصحة، د. عادل فقيه للاقتصاد والتخطيط، د. مفرج الحقبانى وزيرًا للعمل، وتعيين حمد السويلم رئيسًا للديوان الملكى. وجدير بالذكر أن معظم الوزراء ونواب الوزراء الجدد من أبناء الشعب السعودى الحاصلين على الماجستير والدكتوراة من جامعات المملكة وأوروبا والولايات المتحدة، وأصبحوا مؤهلين لتولى المناصب التنفيذية العليا فى الدولة، ويأتى ذلك كنتيجة مباشرة للنهضة التعليمية فى المملكة وسياسة الابتعاث للخارج التى كان وراء نجاحها الملك الراحل فهد بن عبد العزيز منذ أن كان يتولى منصب وزير المعارف عام 1954 وخطا التعليم فى عهده خطوات أثمرت خلال العقود التالية عن وجود كفاءات سعودية فى مختلف المجالات. القبضة الحديدية أصبح الأمير محمد بن نايف أول حفيد للملك عبد العزيز يعين فى ولاية العهد، وكان الأمير محمد بن نايف الذى يشغل منصب وزير الداخلية قد عين وليًا لولى العهد فى يناير الماضى. وظل يشغل منصب نائب وزير الداخلية لعدة سنوات، وينظر إليه الغرب على أنه رأس حربة النظام فى مواجهة تنظيم القاعدة والموالين له. ولى العهد الجديد حاصل على بكالوريوس فى العلوم السياسية من أمريكا عام 1981 كما أنهى عدة دورات عسكرية متقدمة داخل وخارج المملكة تتعلق بمكافحة الإرهاب. ويعرف عن الأمير محمد بتمتعه بنفوذ كبير وقبضة حديدية فى وزارة الداخلية بعدما تحول إلى الرجل الأول فيها منذ مرض والده الأمير نايف والذى تولى حقيبة الداخلية لعقود طويلة، حيث أدار شئون الوزارة من خلال منصبه كنائب للوزير. ويذكر أن الأمير محمد بن نايف نجا فى سبتمبر 2009 من محاولة اغتيال نفذها انتحارى فجر نفسه فى منزله بجدة وتوفى الانتحارى فى العملية ولم يصب الأمير إلا بجروح طفيفة. الأمير الشاب بعد حوالى ثلاثة أشهر من توليه حقيبه الدفاع خلفًا لوالده الذى أصبح ملكًا وجد الأمير الشاب نفسه فى الصفوف الأساسية، إنه الأمير محمد بن سلمان الذى تم تعيينه الأربعاء الماضى وليًا لولى العهد ليكون أصغر من تولى المنصب. وجاء فى أمر تعيين الأمير، أنه جاء بعد أن اتضحت قدراته للجميع من خلال كافة المهام التى أنيطت به وتمكن من أدائها على الوجه الأمثل، وذلك فى إشارة إلى إدارته للحرب التى تقودها السعودية مع تحالف عربى ضد الحوثيين. ولا يشغل الأمير محمد بن سلمان منصب وزير الدفاع فحسب بل هو رئيس مجلس الشئون الاقتصادية والتنمية وعضو فى مجلس الشئون السياسية والأمنية. ويحمل الأمير إجازة فى الحقوق من جامعة الملك سعود، وأفاد مصدر دبلوماسى غربى أن محمد بن سلمان «الرجل القوى فى المملكة» فهو يشرف على كل ما هو مهم فى البلاد، وبدأ الأمير مسيرته السياسية من خلال عمله مستشارًا فى هيئة الخبراء التابعة لمجلس الوزراء عام 2007. ثم صدر أمر ملكى بتعيينه رئيسًا لديوان ولى العهد _ الأمير سلمان وقتها _ بدرجة وزير عام 2013، وبعدها بعام صدر أمر ملكى بتعيينه وزيرًا للدولة وعضوا فى مجلس الوزراء. وعقب تولى الملك سلمان الحكم فى يناير الماضى صدر أمر ملكى بتعيينه وزيرًا للدفاع، كما صدر أمر ملكى بتعيينه رئيسًا للديوان الملكى ومستشار خاصًا لخادم الحرمين الشريفين بمرتبة وزير. إلى أن تم اختيار الأمير محمد بن سلمان وليًا لولى العهد وتعيينه نائبًا لرئيس مجلس الوزراء وزيرًا للدفاع ورئيسًا لمجلس الشئون الاقتصادية والتنمية، وذلك بعد تأييد أغلبية أعضاء هيئة البيعة لاختياره ليكون وليًا لولى العهد. أمير الدبلوماسية إنه الأمير سعود الفيصل الذى ترأس الدبلوماسية السعودية لمدة أربعين عامًا وتحديدًا من شهر أكتوبر عام 1975، وقضى أطول فترة فى العالم فى منصبه كوزير للخارجية، ويأتى ترك الفصيل للمنصب مع محاولة السعودية اجتياز مرحلة من الاضطراب الإقليمى الذى تسبب فيه الربيع العربى، والتنافس مع إيران وعثرات التحالف مع واشنطن. وقد لعب الفيصل دورًا مهمًا فى عبور الكثير من الأزمات التى واجهت السعودية وسياستها الخارجية، وأثبت براعة وصلابة فى مواجهة المواقف الصعبة. ويترك الفيصل موقعه فى وضع محفوف بالمخاطر مع وجود حرب أهلية فى سوريا والعراق وفوضى فى اليمن وليبيا، وسيرث خلفه عادل الجبير سفير الرياض السابق لدى واشنطن عبئًا ثقيلًا عليه مواجهته بمستوى لا يقل كفاءة عن خبرة وبراعة أمير الدبلوماسية. ويذكر أن الجبير من مواليد 1962 وتلقى تعليمه الأساسى فى ألمانيا حينما كان برفقة والده الذى كان يعمل حينها فى الملحقية الثقافية بألمانيا، وحصل على درجة البكالوريوس من جامعة تكساس فى الاقتصاد والعلوم السياسية والماجستير فى العلاقات الدولية من جامعة جورج تاون. ورغم إعفاء الأمير سعود الفيصل من منصبه لظروفه الصحية إلا أنه تم تعيينه وزير دولة وعضوا بمجلس الوزراء، ومستشارًا ومبعوثًا خاصًا لخادم الحرمين الشريفين ومشرفًا على الشئون الخارجية، تكريمًا لجهوده التى استمرت أربعين عامًا واستفادة من خبرته الطويلة فى مجال السياسة الخارجية.