فى شهر مارس من كل عام تأتى الأيام بعديد من الأعياد، عيد الأم ست الحبايب وربنا يخلى كل الأمهات وأستطيع أن أقول إن الأم المصرية لا تزال مضرب الأمثال فى حُسن التربية وحُسن الأخلاق والمضحية الكبرى فى كل أسرة من أجل إسعاد أسرتها والحفاظ عليها بلا أدنى شك.. ثم أعياد الربيع والزهور والورود والطبيعة الجميلة الزاهية وتغيير الحياة لجلدها وبشرتها الشتوية الخشنة إلى حياة أكثر نعومة ورقة وإحساس بالجمال والحب والروح الحلوة التى يبثها الربيع بطقسه وجمالياته على الناس بنزعة للتفاؤل. ثم مع نهاية شهر مارس نحتفل بالعندليب الأسمر عبد الحليم حافظ.. نغمة لم تتكرر وصوت لم يبرح الزمن يزيده تألقا وحياة، لم يمت عبد الحليم حافظ أبدًا بل صوته الرقيق الناعم الحالم لايزال ينشر الحب الراقى الرومانسى بلا إسفاف وبلا إيماءات أو تلميحات مسفة.. حليم الذى ولدت لأغنى معه منذ طفولتى (بتلومونى ليه لو شفتم عينيه) وكنت لا أعى حتى معنى الكلمات ولكنى رقصت وتمايلت عليها ابنة أربع سنوات.. هذا حليم الذى تعلم أجيال الحب على أغنياته المنتقاة بعناية لحنا وكلمات.. كان مجموعة من أهم شعراء وكتاب الأغانى يكتبون لحليم أرقى المعانى الإنسانية بلا افتعال هم فى حالة حب حقيقية ويكتبون كلاما يخرج من القلب ليصل إلى قلوب المستمعين فى كل مكان.. كلام فى الحب لا يخدش الحياء ولا يجرح المشاعر ولا يثير الغرائز.. زمن راق وزمن علمنا الحب والجمال والارتفاع على الصغائر.. هذا زمن عبد الحليم حافظ.. قالها الرجل ورزقه على الله المطرب محمد ثروت: إن عبد الحليم تغنى فى كل الموضوعات عاطفى وتعبيرى ودرامى ووطنى وفولكلور وشعبى ودينى وفى كل شىء لم يترك لنا شيئا نغنيه.. وأنا أقول ولم يأت صوت مثله مع احترامى لكل من يغنى أو فى الساحة الغنائية الآن.. كان الصوت جديدًا فى ذلك الوقت من القرن الماضى صوت محمل بشجن وإحساس وعاطفة حقيقية وأداء تمثيلى كان غير موجود من قبل.. إلى جانب ذكاء فطرى حباه الله به وقبول والقبول من عند الله.. وثورة مصرية تحتاج لصوت جميل يغنى لها فكان عبد الحليم المطرب الأول لثورة يوليو الذى خدمته أيضًا الصدفة والظروف الوطنية.. ولا تزال أغنية صورة لصلاح جاهين وبالأحضان تعيش بيننا للآن.. وباحلم بسماها وترابها للأبنودى كذلك.. كان الشاعر يكتب شعره أو أغنيته لا يبغى من ورائها لا مصارى ولا ثروة.. كان يقدم فنا جميلا لا أكثر ولا أقل.. ولا يكتب بالأجبار أو لا سبوبة هنا وهناك أو يغلق عليه الباب ليستف كلمات مجرد كلمات منمقة ومسجعة القوافى وانتهينا وغنى يا عم المغنى وليس المطرب وزى ما تيجى والنا أذنيها نحست من الكلام المتردى والألحان والخبط والرزع.. ولا تعيش أكثر من وقت نشرها.. نادرًا ما تسمع موسيقى جيدة وكلمات راقية.. تعود بنا لزمن جميل عشناه ونلجأ دائما للاستماع للقديم وألا ما وجدنا كل حفلاتنا يتغنون بالقديم وتراثنا الذى نعتز به.. مافيش غيره وإحساس بالتغيير ولا الحياة نضبت من المواهب الجادة المتميزة.. عشنا عصر كل ما فيه جميل كلمة وموسيقى وكل الفنون كانت راقية وتدعو للحب والخير والجمال لأن الناس أيضًا كانت جميلة وقلوبها صافية فصنعت حولنا الجمال.. وتأتى كل عام الربيع يذكرنا بأغنيات حليم وذكراه التى تعيد لنا أنغامه الشباب والتفاؤل.