أشار الرئيس عبد الفتاح السيسى فى الندوة التثقيفية للقوات المسلحة إلى خطورة المشكلة السكانية، وسأل فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر هل تنظيم النسل حلال وأجابه شيخ الأزهر: حلال حلال. والأمور وصلت إلى الدرجة التى يجب أن تحشد كل هيئات المجتمع المدنى نفسها لإقناع الناس بأن كثرة النسل فيها إضرار مؤكد بالأسرة وبالمجتمع وبالأطفال الذين يستحقون حياة لائقة وتعليمًا جيدًا ورعاية صحية شاملة. وقد لخص الرئيس القضية بأن مصر يزيد سكانها مليونى نسمة ونصف مليون كل عام، وسكانها الآن تسعين مليونا، وفى نفس الوقت هناك من يدعى أن تنظيم النسل حرام. مع أن كبار الفقهاء سبق أن قرروا أن تنظيم النسل لا يتعارض مع الشريعة، وهذا الحكم الشرعى مقرر منذ الإمام أبو حامد الغزالى الذى أباح تنظيم النسل لضمان حسن تربية الأبناء وتوفير الرعاية الكاملة لهم، وحلال أيضًا إذا خشيت المرأة أن يؤثر كثرة الحمل والولادة على صحتها فلا تسطيع القيام بواجباتها نحو زوجها وأولادها، والرئيس السيسى يريد تحسين أحوال المصريين ولكن المشكلة أنه مهما تمكنت البلاد من زيادة مواردها فإن الزيادة السكانية تلتهم الزيادة ويبقى الحال على ماهو عليه بل من الممكن أن يتراجع ولا يشعر المصريون بتحسن. وعلينا أن نقف أمام العبارات التى قالها الرئيس وتتأمل فى معانيها ودلالتها حين قال، هل يرضى رسول الله ? أن يرى أمته تسكن العشوائيات وجاهلة وفقيرة؟! وفى دار الإفتاء فتاوى من كل من تولى منصب المفتى تؤكد أن الأولاد أمانة فى عنق آبائهم ويجب على الآباء أن يحسنوا تربيتهم ويوفروا لهم حياة كريمة، والإنسان العاقل هو الذى يتخذ النظام فى حياته، والمسلمون يعيشون فى عصر تتنافس فيه الأمم بالعلم والتفوق فى مجالاته المختلفة، وبوفرة الإنتاج وبمستوى معيشة مواطنيها، وكم من أمم أقل عددًا من غيرها لكنها أقوى وأغنى من الغير. ومن مزايا شريعة الإسلام أن المسائل التى تتعلق بمصالح العباد يخضع الحكم الشرعى فيها إلى ما فيه مصلحة الفرد والمجتمع. ومسألة تنظيم الأسرة من المسائل التى تختلف فيها الأحكام باختلاف ظروف كل أسرة وكل دولة وباختلاف مواردها وإمكانياتها. فهناك دول فى حاجة إلى زيادة النسل لأن انتاجها ومواردها يسمحان بذلك وتحتاج إلى الأيدى والعقول المنتجة القادرة على مواصلة تقدمها العلمى والصناعى، ومادامت الدولة بمواردها قادرة على توفير الطعام والمسكن والرعاية الصحية بالمستوى الإنسانى اللائق فلن تكون لديها حاجة إلى تنظيم النسل، وإذا كانت إمكانيات الدولة لا تتحمل توفير كل هذه الاحتياجات وإذا كانت الديون تزداد لتوفير الدولة الطعام لكل فم وإذا كان عدد العاطلين أكثر من فرص العمل، وكلما وفرت الدولة فرص العمل تطغى الزيادة السكانية فتزداد مشكلة البطالة ولا تنقص، وإذا كانت الدولة تستورد من انتاج غيرها ما تحتاج إليه من الضروريات لحياة سكانها، فأولى بها أن تنظم نسلها، وتعمل فى نفس الوقت على زيادة انتاجها، وتحسين أوضاع الحياة لأبنائها المحرومين. وكان شيخ الأزهر السابق الدكتور محمد سيد طنطاوى يقول: إن الكثرة الصالحة المنتجة القوية مرحبا بها، أما الكثرة الفقيرة الهزيلة الضعيفة التى تنتشر فيها الجرائم والانحرافات المعتمدة من غيرها فلا خير فيها، والقلة فى هذه الحالة خير منها.. وكان ينصح بأن يتخذ الزوجان باختيارهما واقتناعهما الوسائل الكفيلة بتباعد فترات الحمل، والمقصود هو تقليل عدد أفراد الأسرة لكى يستطيع الزوجان رعاية ابنائهما بدون عسر أو احتياج، وهذا التنظيم جائز شرعا وعقلا، وقد ذكر الفقهاء قديما وحديثا الأسباب التى تبيح تنظيم النسل. فالإمام الغزالى «المتوفى سنة 505 هجرية» قال فى الجزء الثانى من كتابه «إحياء علوم الدين» إن تنظيم النسل مباح إذا كانت كثرة الأولاد تؤدى إلى الاحتياج وقلة الحرج معين على الدين، وكذلك قال الإمام الأكبر الشيخ محمود شلتوت فى كتابه «تنظيم النسل» إن تنظيم النسل مباح ولا كراهة فيه لأن النهى والتحريم بنص أو قياس على نص، ولا يوجد نص يحرم تنظيم النسل ولا يوجد أصل يقاس عليه بل عندنا الإباحة أصل يقاس عليها، ومن العلماء القدامى الذين رجحوا جواز تنظيم النسل الأئمة :ابن تيمية، وابن القيم، والشوكانى. ونجد ذلك فى كتاب ابن تيمية «مختصر الفتاوى» صفحة 426 وفى كتاب ابن القيم «زاد المعاد» الجزء الرابع صفحة 16 واعتمد على أحاديث نبوية صحيحة بجواز تنظيم النسل، وفى كتاب الإمام الشوكانى «نيل الأوطار» أنه لا خلاف بين العلماء فى جواز تنظيم النسل. وأما الفقهاء المحدثون فمنهم فضيلة الشيخ سيد سابق صاحب كتاب «فقه السنة» فى الجزء السابع صفحة 145 قال: إن الإسلام يرغب فى كثرة النسل لأن ذلك مظهر من مظاهر القوة للشعوب إلا أن الإسلام لا يمنع فى الظروف الخاصة من تنظيم النسل، فيباح إذا كان الرجل لا يستطيع القيام على تربية أبنائه التربية الصحيحة أو كانت المرأة ضعيفة، أو كانت كثيرة الحمل، أو كان الرجل فقيرًا، أو كان هناك مرض معد بين الزوجين أو أحدهما، فإن بعض العلماء يرى أن تحديد النسل فى هذه الحالات لا يكون مباحا فقط بل يكون «منوبا إليه». ومفتى السعودية الشهير الراحل الشيخ عبد العزيز بن باز نشر فتواه فى مجلة الحج العدد 16 لسنة 1384 وأباح فيها تنظيم النسل عند الحاجة ولتحقيق غرض من الأغراض المعقولة الشرعية. وأمام علماء الدين الإسلامى الموثوق فى علمهم وإخلاصهم للدين حقيقة لا تحتمل الشك وهى أن المجتمع المصرى فى هذه المرحلة يعانى من مشاكل كبرى هى الفقر والجهل والمرض وبالإضافة إليها مشاكل انتشار الجريمة والمخدرات نتيجة للفقر والجهل والبطالة، ومهما فعلت الدولة لزيادة الانتاج وتخفيف حدة هذه المشاكل فإن الأحوال لن تتحسن بسبب تزايد أعداد المحتاجين بتزايد النسل بمعدل كبير. والمشكلة الكبرى هى تصدى بعض الأدعياء بالفتوى بأن تنظيم النسل حرام مع أن الأصل فى الشريعة الإسلامية هو الإباحة ولا يكون التحريم إلا بنص صريح أو بالقياس على نص صريح. وفتاوى إباحة تنظيم النسل ليست جديدة، فهناك الكثير من الفتاوى منها فتوى فى دار الإفتاء المصرية فى 25 يناير عام 1937 منشورة بمجموعة الفتاوى الإسلامية الجزء الثانى صفحة 445 للمفتى الراحل الشيخ عبد المجيد سليم بإباحة تنظيم النسل إذا خشى الرجل من عدم قدرته على تربية الأولاد تربية كاملة، أو خشى أن تسوء صحته فيضعف عن تحمل واجباتهم، أو يخشى أن تسوء صحة زوجته لكثرة الحمل والوضع دون أن تكون بين الحمل والحمل فترة تستريح فيها.. وفتوى مماثلة أصدرتها لجنة الفتوى فى دار الإفتاء. ومن الأسباب التى جعلت بعض الناس وبعض الأدعياء الدخلاء على ساحة الفتوى يستسهلون الفتوى بالتحريم نتيجة لعدم الفهم السليم لأحكام الدين ولشئون الدنيا، والاستخفاف بالمسئولية نحو الأبناء، وقد ذكر الله فى كتابه أن المال والبنون زينة الحياة الدينا فهل أطفال الشوارع المشردين والأبناء غير المتعلمين، العاطلين، ساكنى العشوائيات، زينة للحياة الدنيا، وإذا كان الرسول الكريم ? سوف يباهى بنا الأمم يوم القيامة فهل سيباهى بأمته إذا كانت جائعة متخلفة جاهلة أم سيباهى بالكثرة القوية الغنية المتعلمة السليمة جسميًا ونفسيًا، والرسول الكريم? حذرنا من أن نكون كثرة ولكن غثاء كغثاء السيل. الواجب أن يتحرك المسجد والكنيسة لإنقاذ البلاد من خطر هذا السيل من الأطفال حتى لا نكون غثاء لا نفع فيه ولا فائدة.