أكد الخبير البيئى د. عبد المسيح سمعان أن التغيرات المناخية الحالية تمثل تحديا وجوديا للبشرية، مشيرًا إلى أن ما نشهده اليوم من ظواهر مناخية متطرفة هو نتاج تراكمى لنشاط بشرى مكثف على مدى القرنين الماضيين. وأضاف أستاذ التربية البيئية بجامعة عين شمس فى حواره ل«الأخبار» أن نسبة ثانى أكسيد الكربون فى الغلاف الجوى تجاوزت 420 جزءًا فى المليون مقارنة بالنسبة الطبيعية البالغة 280 جزءًا، محذرًا من أن عواقب هذا الارتفاع تظهر بالفعل فى شكل فيضانات مدمرة وحرائق غابات غير مسبوقة وارتفاع فى منسوب البحار.. وقال إن مصر، رغم مساهمتها المحدودة فى الانبعاثات العالمية، تتحمل تبعات وتعمل بجهد كبير على مستويات عدة لمواجهة هذه التحديات من خلال مشروعات قومية طموحة واستراتيجيات واضحة تعكس إرادة سياسية حقيقية لتحقيق التكيف وحماية المواطن والأرض. اقرأ أيضًا| أول دراسة لمهندس من ذوي الهمم للتنبؤ بالتغيرات المناخية كيف تفسرون التغيرات المناخية التى يشهدها العالم الآن؟ - يجب أن نفرّق بين الطقس والمناخ؛ فالطقس يعبر عن حالة الجو خلال يوم أو أسبوع، بينما المناخ يمثل نمطًا طويل الأمد قد يمتد لعقود تصل إلى خمسين عامًا. الاضطراب الذى نعيشه اليوم ليس تغيرًا طبيعيًا كما شهدته الأرض عبر آلاف السنين، بل هو تسارع غير مسبوق بفعل النشاط البشري، خاصة حرق الوقود الأحفورى وإزالة الغابات، لم نصل بعد إلى مرحلة «اللاعودة»، لكن نافذة الإنقاذ تضيق، وكل عام يمر دون خفض جاد للانبعاثات يجعل العودة أصعب.. ولتوضيح الأمر، فإن النسبة الطبيعية لغاز ثانى أكسيد الكربون كانت 280 جزءًا فى المليون، واليوم تجاوزت 420 جزءًا فى المليون بفعل الأنشطة البشرية، هذا الغاز يمنع الأشعة الحرارية طويلة الموجة من مغادرة الغلاف الجوي، مما يؤدى إلى ارتفاع درجات حرارة الأرض بشكل خطير. إلى أى مدى ساهم النشاط الإنسانى فى تسريع وتيرة التغير المناخى مقارنة بالدورات الطبيعية للأرض؟ - الدورات المناخية الطبيعية تحدث على مدى آلاف السنين، بينما نشهد اليوم تغيرًا خلال عقود قليلة فقط، ما عجّل بالاحترار العالمى أضعاف ما كانت تفعله الطبيعة وحدها. منذ عام 1860 ارتفعت حرارة الأرض بنحو 1.5 درجة مئوية نتيجة الأنشطة البشرية، وعلى رأسها التصنيع المفرط الذى تتحمله الدول الصناعية الكبرى، إلى جانب قطع الأشجار، إبادة الغابات، وتزايد الغبار الجوي. ما أبرز المؤشرات العلمية التى تؤكد أن الأرض تدخل عصرًا مناخيًا أكثر اضطرابًا؟ - هناك العديد من المؤشرات؛ منها الفيضانات التى تجتاح مناطق لم تعرفها من قبل، والسيول الجارفة، والأمطار الغزيرة غير المعتادة، إضافة إلى تزايد حموضة المحيطات، كما نشهد أعاصير مدمرة وحرائق غابات على نطاق واسع، يقابلها جفاف شديد فى مناطق أخرى، كل هذه الظواهر تعكس خللًا واضحًا فى حزام الأمطار العالمى وتحولات جوية غير مسبوقة. الحرائق التى نشهدها فى أوروبا وأمريكا الشمالية وأفريقيا، هل هى نتيجة مباشرة للتغير المناخي؟ - بالتأكيد، فالتغيرات المناخية أحد الأسباب الرئيسية لانتشار الحرائق، شرارة صغيرة قد تتحول إلى كارثة بسبب الجفاف وارتفاع درجات الحرارة، حيث أصيبت مساحات شاسعة من الغابات بالجفاف، ما سهّل امتداد النيران بسرعة كبيرة. إلى أى مدى يؤثر ذوبان الجليد فى القطبين على التوازن البيئي؟ - الذوبان يرفع مستوى سطح البحر، ويغيّر تيارات المحيط، ويقلل انعكاس أشعة الشمس، وهو ما يسرّع الاحترار العالمى ويهدد النظم البيئية البحرية مما يرفع منسوب مياه البحار والمحيطات ويهدد المجتمعات الساحلية بالهجرة القسرية. هل دلتا النيل مهددة فعليًا بالغرق نتيجة تداعيات التغير المناخي؟ - دلتا النيل لن تغرق.. الدولة اتخذت إجراءات صارمة فى هذا الشأن، منها بناء مصدات للأمواج على الساحل الشمالى للحد من اندفاع مياه البحر، إلى جانب مشروعات قومية مثل إعادة إحياء مشروع منخفض القطارة. ما تأثير ارتفاع مستوى البحر على مدن مثل الإسكندرية ودمياط ورشيد؟ - الخطر الأكبر يتمثل فى غمر المناطق المنخفضة، وتملح التربة والمياه الجوفية، وهو ما يضر بالزراعة والبنية التحتية والمبانى السكنية. هل مصر ضمن الجهود الدولية للحفاظ على البيئة والحد من التغيرات المناخية؟ - بالفعل، مصر تلعب دورًا فعالًا فى المنظومة الدولية، والدليل تنظيمها مؤتمر المناخ COP27) الذى خرج بتوصيات مهمة، أبرزها إنشاء صندوق للخسائر والأضرار لدعم الدول الفقيرة، انبعاثات مصر من ثانى أكسيد الكربون محدودة للغاية، ومع ذلك فهى ملتزمة بالاتفاقيات الدولية، والإرادة السياسية واضحة من خلال مشاركة الرئيس عبد الفتاح السيسى المستمرة فى الفعاليات الدولية الخاصة بالمناخ. كيف تؤثر التغيرات المناخية على الزراعة عالميًا؟ - ارتفاع الحرارة ونقص المياه يقللان إنتاجية محاصيل رئيسية مثل القمح والأرز، ويغيران مواسم الزراعة، ما يزيد الضغط على المزارعين مما يهدد الأمن الغذائى العالمى. وما انعكاسات ذلك على الأمن الغذائي؟ - تراجع الإنتاج المحلى يجعل الدول أكثر اعتمادًا على الاستيراد، وهو أمر خطير فى ظل تقلبات الأسعار العالمية. هل هناك خطر على نهر النيل؟ - تغير أنماط الأمطار فى الهضبة الإثيوبية مع بعض المشروعات الإقليمية قد يؤدى إلى تقليل تدفقات النهر. ما أهم أولويات مصر للتكيف مع المناخ؟ - من خلال إدارة المياه بكفاءة، حماية السواحل، التوسع فى الطاقة النظيفة، ودمج البعد المناخى فى التخطيط العمرانى والزراعي. هل هناك تواطؤ من بعض الدول الصناعية؟ - للأسف، بعض الدول تضع مصالحها الاقتصادية فوق المصلحة البيئية، وتعرقل الالتزامات الدولية بخفض الانبعاثات. كيفية التوازن بين التنمية والالتزامات المناخية؟ - الحل عبر الاقتصاد الأخضر، الذى يخلق وظائف جديدة ويحافظ على الموارد، مع الاستثمار فى الطاقة المتجددة وكفاءة الصناعة، ومصر تسير بخطى ثابتة نحو هذا التحول. ما تقييمك للمشروعات القومية التى تقوم بها مصر مثل محطة كهرباء بنبان للطاقة الشمسية ومحطات الطاقة الخضراء؟ - محطة بنبان للطاقة الشمسية فى أسوان واحدة من أكبر محطات الطاقة الشمسية من عالميًا، وتمثل إنجازًا ضخمًا، مصر لديها كل المقومات لتصبح مركزًا عالميًا لإنتاج الطاقة النظيفة، ونعتمد بالفعل على الطاقة الخضراء. هل النقل الكهربائى وتحلية المياه حلول مهمة؟ - نعم، خاصة إذا تم تشغيلها بطاقة متجددة، مصر قطعت شوطًا كبيرًا فى هذا الاتجاه، سواء عبر مشروعات النقل الكهربائى مثل الخط الثالث لمترو القاهرة أو مبادرات السيارات الكهربائية، وكذلك مشروعات تحلية مياه البحر لتعويض نقص المياه العذبة. كيف يؤثر تغير المناخ على الزراعة فى مصر؟ - ارتفاع الحرارة وتغير أنماط الطقس يؤثران سلبًا على المحاصيل، مصر تعمل على تطوير أصناف زراعية مقاومة للجفاف والحرارة، إلى جانب التوسع فى استصلاح الصحراء، لكن التحدى الأكبر هو التوازن بين النمو السكانى والموارد المحدودة. ماذا يعنى مصطلح العدالة المناخية؟ - يعنى أن الملوث يجب أن يدفع ثمن تلوثه، لا يجوز أن تتحمل الدول الفقيرة تبعات ما تسببت فيه الدول الصناعية الكبرى من انبعاثات، بل يجب على الأخيرة دعم برامج الحفاظ على البيئة فى الدول النامية. ما دور الجامعات فى التوعية البيئية؟ - الجامعات والمراكز البحثية لها دور محوري، وقد ركزت الاستراتيجية الوطنية للمناخ 2050 على أهمية البحث العلمى فى التخفيف والتكيف، الجامعات المصرية بدأت تهتم بالبرامج البيئية، لكننا بحاجة إلى مزيد من الدعم وتوسيع نطاق الأبحاث التطبيقية. هل هناك حاجة لخطة وطنية للتربية البيئية؟ - نعم، نحتاج إلى خطة وطنية شاملة تدمج التربية البيئية فى المناهج الدراسية والأنشطة، مع بروتوكولات تعاون بين الوزارات المختلفة. ما أهمية دمج قضايا المناخ فى المناهج الدراسية؟ - من الأفضل دمج البعد البيئى فى مواد مثل العلوم والجغرافيا والدراسات واللغة العربية بدلًا من جعله مادة مستقلة تُحفظ وتُنسى. هذا الدمج يعزز الوعى ويجعل البيئة جزءًا من التفكير اليومى للطلاب. كيف يمكن تحفيز الطلاب على الاهتمام بالبيئة خارج المدرسة؟ - من خلال التعليم الخارجي: الرحلات البيئية، المبادرات الخضراء، المسابقات العملية، والإعلام التعليمى الموجّه للأطفال، هذه الوسائل تعزز الوعى البيئى بطريقة عملية وفعّالة. ما انعكاسات التغير المناخى على الأمن الغذائى المصري؟ وهل نحن مقبلون على نقص فى سلة الغذاء الوطنية؟ - هذا تحدٍّ عالمى وليس مصريًا فقط، لكن مصر وضعت خططًا طموحة منذ تولى الرئيس عبد الفتاح السيسى الحكم، من خلال مشروعات قومية كبرى مثل الدلتا الجديدة، شرق العوينات، ومشروع المليون ونصف المليون فدان، لضمان الأمن الغذائى ومواجهة التغيرات المناخية. ما أهم أولويات مصر فى استراتيجيات التكيف مع التغيرات المناخية؟ - مصر تسير وفق خمسة محاور رئيسية، تشمل تحقيق نمو اقتصادى منخفض الانبعاثات، وتعزيز القدرة على التكيف مع الآثار السلبية للمناخ، والالتزام بالحوكمة والاتفاقيات الدولية. وتطوير البنية التحتية فى مجالات المياه والكهرباء والصرف الصحي، ودعم البحث العلمى وزيادة الوعى المجتمعي، وهذه الاستراتيجية مدعومة بجهود حقيقية فى مجال الاقتصاد الأخضر والطاقة النظيفة، وهو ما يضع مصر فى مسار واضح نحو مواجهة التحديات المناخية.