القراءة فى موقف الأزهر الشريف من قضية تنظيم النسل.. من الناحية الدينية تؤكد التالى: أولا: أجمع علماء الأزهر على الموافقة على قيام الأسرة بتنظيم النسل وليس تحديده. ثانيا: يقف العلماء الأزهريون موقف الرفض من الأفكار الحاسمة والجديدة مثل صدور قانون لتحديد النسل.. إلخ ثالثا : رغم اعتدال موقف الأزهر الشريف إلا أنه فى هذه القضية لايختلف عن غيره من التيارات المتطرفة إلا بقدر قليل حيث يوافق على التنظيم فقط.. دون أن تنال القضية حقها من الاجتهاد فى إطار (فقه المصلحة).. وهو ما يجعلنا ندعو علماء الأزهر لبذل مزيد من الجهد فى هذه القضية الشائكة والخطيرة. عارض علماء من مجمع البحوث الإسلامية فى الأزهر صدور قانون لتحديد النسل مؤكدين أن تنظيم النسل جائز شرعاً والتحديد حرام. وقد عرف العلماء منع الحمل بأنه استعمال الوسائل التى يظن أنها تحول بين المرأة والحمل كالعزل وتناول العقاقير واللولب وترك الجماع فى وقت إخصاب بويضة المرأة وغير ذلك.. أما التحديد فهو التوقف عن الإنجاب عند الوصول إلى عدد معين من الذرية، وذلك باستعمال وسائل يظن أنها تمنع من الحمل. التنظيم - كما عرفه العلماء - يكون فى استعمال وسائل معروفة لا تؤدى إلى إحداث العقم أو القضاء على وظيفة جهاز التناسل، بل يراد بذلك الوقوف عن الحمل فترة من الزمن لأسباب شرعية القصد منها مراعاة حال الأسرة وشئونها من صحة أو قدرة على التربية أو لإتمام مدة الرضاعة، وهى سنتان، كما بينها الله سبحانه وتعالى، فالمقصود من منع الحمل - كما قال الفقهاء - هو عدم الرغبة فى التناسل مطلقا سواء أصيب جهاز التناسل بعقم أم لا، أما تحديد النسل فيقصد به تقليل عدد النسل بالوقوف عن إنجاب الأولاد بعد عدد معين منهم. أما تنظيم النسل فقد أجمع العلماء على أنه لا مانع منه لمن أراد أن يتم الرضاعة لسنتين مثلا أو إن نصح طبيب مسلم بتحديد مدة منع المرأة أن تحمل خلالها لسبب من الأسباب الشرعية. هذا وقد أفتى مجمع البحوث الإسلامية فى الأزهر فى 2010/6/2 بأن تنظيم الأسرة لا يعتبر قتلا للجنين لأن التى تستعمل وسائل تنظيم الأسرة لا تكون حاملا أصلا، مشيرا إلى أن المباعدة بين الولادات وتأخير الحمل جائز شرعا لعدم وجود نصوص تحرمه سواء فى القرآن الكريم أو السنة النبوية الشريفة. وأوضح مجمع البحوث الإسلامية فى فتواه أن تنظيم النسل لا يتعارض مع التوكل على الله لأن المسلم يجب أن يأخذ بالأسباب فى كل الأعمال ثم يتوكل على الله ، مؤكدا أنه لم يرد نص فى القرآن الكريم يحرم تنظيم النسل أو تحديده، لكنه جعل الحفاظ على النسل والذرية من المقاصد الكلية للشريعة الإسلامية. وقال المجمع إن السنة النبوية أباحت العزل كوسيلة لمنع الحمل أو الإقلال منه، وهذا أمر يتفق عليه جميع الفقهاء، موضحا أن إباحة تنظيم النسل جاءت قياسا على العزل الذى كان المسلمون يعملون به على عهد النبى - صلى الله عليه وسلم - وقد روى عن جابر رضى الله عنه أن قال: «كنا نعزل على عهد رسول الله والقرآن ينزل». وأشار المجمع فى فتواه إلى أن تنظيم الأسرة معناه المباعدة بين فترات الحمل بهدف الحفاظ على صحة الأم وجمالها وحتى تتفرغ لتربية الأبناء وتعطى كل طفل حقه فى الرضاعة والتربية والتأديب والتعليم. كما أفتى فضيلة الدكتور على جمعة مفتى الجمهورية للإجابة عن سؤال حول حكم استعمال وسائل تنظيم الحمل.. أن مصدر الأحكام فى الإسلام أصلان أساسيان هما القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، يدل على هذا قول الرسول - صلى الله عليه وسلم - «تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدى أبدا كتاب الله وسنتى»، ولن يتفرقا حتى يردا على الحوض أخرجه الحاكم عن أبى هريرة رضى الله عنه، وباستقراء آيات القرآن الكريم فإنه لم يرد فيها نص صريح يحرم الإقلال من النسل أو منعه، وإنما جاء فيه ما جعل المحافظة على النسل من المقاصد الضرورية للأحكام الشرعية، لكن وردت فى كتاب السنة الشريفة أحاديث فى الصحيح وغيره تجيز العزل عن النساء بمعنى أن يقذف الرجل ماءه خارج مكان التناسل من زوجته بعد كمال اتصالهما جنسيا وقبل تمامه، من هذه الأحاديث ما رواه جابر بن عبدالله رضى الله عنهما قال: «كنا نعزل على عهد النبى - صلى الله عليه وسلم - والقرآن ينزل» متفق عليه، وروى مسلم «كنا نعزل على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فبلغ ذلك نبى الله «ص» فلم ينهنا». وقد اختلف الفقهاء فى إباحة العزل بذلك المعنى كوسيلة لمنع الحمل والإقلال من النسل أو كراهيته وفى هذا يقول الإمام الغزالى فى كتاب «إحياء علوم الدين» فى آداب النكاح فى حكم العزل ما موجزه: «إن العلماء اختلفوا فى إباحة العزل وكراهيته على أربعة أقوال: فمنهم من أباح العزل بكل حال، ومنهم من حرمه بكل حال، وقائل منهم أحل ذلك برضاء الزوجة ولا يحل بدون رضائها، وآخر يقول إن العزل مباح فى الإماء «المملوكات»، دون الحرائر «الزوجات»، ثم قال الغزالى: إن الصحيح عندنا يعنى مذهب الشافعى أن ذلك مباح. ويكاد فقهاء المذاهب يتفقون على أن العزل أى محاولة منع التقاء منى الزوج ببويضة الزوجة مباح فى حالة اتفاق الزوجين على ذلك، ولا يجوز لأحدهما دون موافقة الآخر والدليل على هذه الإباحة ما جاء فى كتب السنة من أن الصحابة رضوان الله عليهم كانوا يعزلون عن نسائهم وجواريهم فى عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأن ذلك بلغه ولم ينه عنه كما جاء فى رواية مسلم عن جابر بن عبدالله رضى الله عنهما.