حزب الأحرار يثمن توجيهات الرئيس السيسى للهيئة الوطنية بشأن الانتخابات    بعد بيان السيسي.. مرشح واقعة فتح صناديق الانتخابات قبل انتهاء التصويت: سنقدم الطعون ونسبة تفاؤلي ارتفعت من 50 ل 90%    الحكم في قرار منع هدير عبد الرازق من التصرف في أموالها 19 نوفمبر    وزيرة التضامن الاجتماعي ومحافظ الفيوم يتفقدان مشروعات مصنع الغزل والنسيج بالعزب    رئيس الوزراء يلتقي أعضاء اللجنة الاستشارية للشئون السياسية    صادرات مصر من السلع نصف المصنعة بلغت 868.7 مليون دولار خلال يوليو 2025    الكرملين: موسكو لا تسعى إلى مواجهة حلف الناتو ونأمل في عقد لقاء بوتين وترامب بمجرد الانتهاء من التحضيرات    الرئيس الكوري الجنوبي يبدأ زيارة رسمية إلى الإمارات    مبعوث واشنطن السابق لإيران: ضربات إسرائيل وأمريكا على مواقع طهران عواقبها ستطول المنطقة    رئيسة وزراء بنجلاديش السابقة تعقب على حكم الإعدام.. ماذا قالت؟    تقرير: هاوسن سليم وجاهز لمواجهة إلتشي    الأهلي يفتح باب المفاوضات لضم أسامة فيصل وأشرف داري يقترب من الرحيل    التعليم: عقد امتحانات نوفمبر للصفين الأول والثاني الثانوي ورقيا    ضبط 3 طلاب تعدوا على زميلهم بالضرب أمام المدرسة بأسيوط    القبض على المتهم بإطلاق النار على سائق لشكه بإقامة علاقة مع طليقته بالهرم    طقس الغد.. تغيرات في درجات الحرارة والعظمى بالقاهرة 26    انهيار وصراخ ورفض أدلة.. ماذا جرى في جلسة محاكمة سارة خليفة؟    وزارة الثقافة تطلق احتفالية «فرحانين بالمتحف المصري الكبير» ديسمبر المقبل    رئيس الوزراء يلتقي أعضاء اللجنة الاستشارية للشئون السياسية    لا تُجيد القراءة والكتابة.. الحاجة فاطمة تحفظ القرآن كاملًا في عمر ال80 بقنا: "دخلت محو الأمية علشان أعرف أحفظه"    الصحة تعلن نتائج حملة قلبك أمانة للكشف المبكر عن أمراض القلب بشراكة مع شركة باير لصحة المستهلك    مولاي الحسن يحتضن مباراة الأهلي والجيش الملكي    التنسيقية : إرادة المصريين خط أحمر .. الرئيس يعزز ثقة الشعب في صناديق الاقتراع    المتهم بقتل صديقه مهندس الإسكندرية في التحقيقات : صليت العصر وروحت أقتله    تعرف على حورات أجراها وزير التعليم مع المعلمين والطلاب بمدارس كفر الشيخ    أهالي قرية ببني سويف يطالبون بتعزيز من «الإسكان» قبل غرق منازلهم في الصرف الصحي    من هو إبراهيما كاظم موهبة الأهلي بعدما سجل ثنائية فى الزمالك بدوري الجمهورية ؟    مجمع البحوث الإسلامية يطلق مسابقة ثقافية لوعاظ الأزهر حول قضايا الأسرة    الكرة النسائية l مدرب نادي مسار: نستهدف التتويج برابطة أبطال إفريقيا للسيدات    انسحاب مئات العناصر من قوات الحرس الوطني من شيكاغو وبورتلاند    هيئة الدواء: توفر علاج قصور عضلة القلب بكميات تكفي احتياجات المرضي    توم كروز يتوّج ب أوسكار فخري بعد عقود من الإبهار في هوليوود    حزب حماة الوطن ينظم مؤتمرا جماهيريا فى بورسعيد دعما لمرشحه بانتخابات النواب    مدير متحف الهانجول الوطني بكوريا الجنوبية يزور مكتبة الإسكندرية    وزير الخارجية يؤكد لنظيره السوداني رفض مصر الكامل لأي محاولات تستهدف تقسيم البلاد أو الإضرار باستقرارها    أبو الغيط: الحوار العربي- الصيني ضرورة استراتيجية في مواجهة تحولات العالم المتسارعة    موعد التصويت بمحافظات المرحلة الثانية من انتخابات مجلس النواب 2025    موعد قرعة الملحقين الأوروبي والعالمي المؤهلين ل كأس العالم 2026    محافظ كفر الشيخ: الكشف على 1626 شخصا خلال قافلة طبية مجانية فى دسوق    وزارة العمل: تحرير 437 محضر حد أدنى للأجور    بعد ساعات من السيطرة عليهما.. الجيش السوداني ينسحب من منطقتين بولاية كردفان    إعادة الحركة المرورية بعد تصادم بين سيارتين على طريق "مصر–إسكندرية الزراعي"    موعد شهر رمضان 2026 فلكيًا .. تفاصيل    «التضامن» تقر توفيق أوضاع 3 جمعيات في محافظتي القاهرة والمنيا    رئيس مصلحة الجمارك: منظومة «ACI» تخفض زمن الإفراج الجمركي جوًا وتقلل تكاليف الاستيراد والتصدير    جاتزو بعد السقوط أمام النرويج: انهيار إيطاليا مقلق    دار الإفتاء: فوائد البنوك "حلال" ولا علاقة بها بالربا    شريهان تدعم عمر خيرت بعد أزمته الصحية: «سلامتك يا مبدع يا عظيم»    أسعار الدواجن والبيض في مصر اليوم الاثنين 17 نوفمبر 2025    كلية دار العلوم تنظم ندوة بعنوان: "المتحف المصري الكبير: الخطاب والمخاطِب"    وزير الصحة يشهد الاجتماع الأول للجنة العليا للمسئولية الطبية وسلامة المريض.. ما نتائجه؟    جامعة الإسكندرية توقع بروتوكول تعاون لتجهيز وحدة رعاية مركزة بمستشفى المواساة الجامعي    اسعار الفاكهه اليوم الإثنين 17نوفمبر 2025 بأسواق المنيا    لكل من يحرص على المواظبة على أداء صلاة الفجر.. إليك بعض النصائح    أحمد سعد: الأطباء أوصوا ببقائي 5 أيام في المستشفى.. أنا دكتور نفسي وسأخرج خلال يومين    الفجر 4:52 مواقيت الصلاه اليوم الإثنين 17نوفمبر 2025 فى محافظة المنيا    هاني ميلاد: أسعار الذهب تتأثر بالبورصة العالمية.. ومُتوقع تسجيل أرقام قياسية جديدة    لاعب الزمالك السابق: خوان بيزيرا صفقة سوبر وشيكو بانزا «غير سوي»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



السلفيون يكفرون تنظيم الأسرة..والأزهريون غائبون
نشر في روزاليوسف الأسبوعية يوم 24 - 07 - 2010

من الطبيعى إذن أن تفشل أى جهود للتوعية بمخاطر الزيادة السكانية، حيث إنه فى مقابل كل عبارة توعية ستجد خطبة كاملة تمحو أى أثر لهذه العبارة وفى مقابل كل حجة منطقية ستجد فتوى ناسفة وفى مقابل كل رأى علمى ستجد أحاديث مضحكة عن كون تنظيم الأسرة مؤامرة غربية على الأمة الإسلامية أو أن الغرب المرتعد يرتعش خوفا من تزايد أعداد المسلمين رغم أن زيادة العدد لم تعد تعنى أبدا زيادة القوة .
وهكذا لا تملك إلا أن تشعر بالتعاطف مع الوزيرة الصادقة مشيرة خطاب وهى تبحث عن منبر هنا ومنبر هناك تطلق من فوقه تحذيراتها، فى حين يسيطر خطباء ودعاة التطرف والسلفية على آلاف المنابر ويخاطب مشاهير دعاتهم الملايين من شاشات القنوات الفضائية، بينما يختار الأزهر فى هذه القضية بالذات أن يقف على الحياد وأن يمسك العصا من المنتصف، وبالطبع فإن الحديث عن المؤامرة الغربية وقوة المسلمين التى ستزداد مع زيادة عدد المواليد لابد أن يعجب السامعين من البسطاء ويمحو أى أثر لحملات «انظر حولك» حتى لو كان حديثا خاليا من العقل والمنطق والفقه أيضا وحتى لو كان العقل يحتم على المواطن أن ينظر حوله ويتأمل فى الحال الذى وصل له معظم المسلمون رغم أنهم لا يشكون من قلة ولكن من كثرة ولكن كغثاء السيل.
على أن مراجعة الخطب والدروس التى خصصها مشاهير الدعاة السلفيين لقضية تنظيم الأسرة تشى بانطباع عام وموحد، وهو أنهم لايستخدمون حججا فقهية أو أحاديث دالة إلا فى نطاق ضيق للغاية يستهلون به الحديث تأكيدا للتحريم ثم ينطلق كل منهم بعد ذلك فى إبداء آراء تبدو وكأنها منطقية صرفة يدللون بها على فساد فكرة تنظيم النسل وكيف أنه بإمكان المسلمين أن يغزوا الصحراء ويطولوا الغرب طولا وقوة لو تزايد نسلهم أكثر وأكثر وكيف أن هذه الدعوة هى دعوة ومؤامرة غربية المنشأ، الدافع لها هو الخوف من المسلمين ومن تزايد عددهم وتنامى قوتهم، بل إن واحداً منهم قال إن ضرب شركات توظيف الأموال جزء من هذا المخطط وخطوة ذات علاقة وثيقة بالدعوة لتنظيم النسل! وهو كلام فى مجمله أكثر من خرافى وأكثر من مضحك لكنه للأسف لا يجد من يرد عليه وإن وجد فلن يجد منابر ذات مصداقية تتعامل مع الموضوع على أنه شأن ثقافى وسياسى أو قضية ذات بعد قومى حيث يرتبط الحديث عن تنظيم الأسرة فى أذهان الكثيرين بعبارات مثل «حسنين ومحمدين» و«اللولب» والعازل الطبى وانظر حولك إلى غير ذلك من عبارات هزلية ارتبطت بسذاجة التناول الإعلامى فى فترة من الفترات فى حين أن الأمر فى واقعه جد خطير.
وقد حاولت تحليل خطاب ثلاثة من أشهر دعاة السلفية وهم محمد حسان وأبو إسحاق الحوينى ومحمد حسين يعقوب تجاه هذه القضية وكانت الخلاصة أن خطابهم شبه موحد وتسيطر عليه نفس الأفكار والتى ترجع الأمر إلى مؤامرة غربية وتربطه بعدد من الممارسات التى يرفضها المسلمون جميعا مثل الإجهاض أو زواج المثليين! أو إباحة الزنا ولعل مرجع هذا أن هؤلاء الدعاة تعلموا الفقه والدعوة فى مجتمعات غير مصرية تعانى من ندرة السكان ويقوم خطابها الفقهى والثقافى على التشجيع على زيادة النسل وهو أمر لا عيب فيه لأن الزيادة أو التنظيم ليست حلالا أو حراما إلا بقدر ما يقضى الواقع فى المجتمع وبقدر ما تقضى مصلحة المسلمين فيه فقد تكون مصلحة المسلمين فى مكان ما وزمان ما أن يتكاثروا وهنا يصبح التكاثر مطلوبا كما قد تقضى المصلحة فى زمان ومكان آخر أن ينظم المسلمون نسلهم حتى يستطيعوا بلوغ أسباب القوة وهنا يصبح التنظيم مطلوبا، هذا ما يقوله العقل والمنطق لكن دعاة السلفية لايؤمنون بهذا والفقه لديهم هو ما حفظوه هناك ليسمعوه لنا هنا.
أبو إسحاق الحوينى واحد من أشهر دعاة السلفية وأكثرهم شعبية وأقلهم حرصا على موازنة خطابه بميزان العقل والمنطق وهو يعتبر تحديد النسل جريمة ويخلط بين التحديد والتنظيم ويصف الفتاوى التى تدعو لتنظيم النسل بأنها متهتكة وهو يسوق عددا من الأحاديث المتعارف عليها فى هذا السياق أشهرها الحديث الشريف «تناكحوا تكاثروا فإنى مباه بكم الأمم يوم القيامة».
لكنه سرعان ما ينفض يديه من محاولة إقناع السامعين عن طريق الأحاديث الدينية ويخلع ثوب الداعية ليرتدى ثوب المفكر ويطرح سؤالا يتولى هو بالطبع الإجابة عليه والسؤال هو: لماذا تحددون النسل؟ ويجيب: «يقولون: لا يوجد طعام ولا شراب كأنهم هم الذين يرزقون الناس ونقول: أوجدوا للعاطلين فرص عمل نحن لا نعانى من كثرة النسل.. فى مصر مثلا نعيش على 4% من المساحة إذن المسألة كلها فساد إدارى! وليست كثرة نسل!!»
ثم يعرج الحوينى على قضية تهمه هو وتياره وهى قضية توظيف الأموال قائلا: «الضربات الجائرة المستمرة لتوظيف الأموال - يقصد شركات النصب باسم الإسلام - كانت سببا فى هروب رءوس الأموال للخارج، المصريون كانوا يحولون كل عام 4 مليارات دولار ولكن بعد ضرب الشركات تقلص المبلغ»!
ثم ينتقل الحوينى إلى مرحلة التشجيع على إنجاب مزيد من الأطفال قائلا: يأتى لك بصورة غريبة لامرأة كبيرة البطن يمسك بها أطفال كثيرون وهى فى أسوأ صورة وأخرى جميلة معها 3 أطفال فقط وهذا ليس هو الواقع أنا أعلم أسراً فيها 8 أطفال و12طفلا ومن أفضل الأسر وفيها ترابط أسرى ليس موجودا فى أسر الثلاثة!
ملحوظة: لابد أن هذه الأسر يتزوج عائلها من أربع سيدات على التوالى كما يفعل بعض دعاة السلفية.
ويواصل الداعية السلفى حديثه قائلا: لماذا تكذبون؟ كل هذا تنفير من كثرة الولد وكثرة الولد نعمة ألم يقل النبى «صلى الله عليه وسلم» إنى مكاثر بكم الأمم؟ ألا تريد تحقيق أمنية النبى «صلى الله عليه وسلم»؟
والأكيد أنه بعد هذا السؤال العاطفى والمضلل والمغرق فى الابتزاز فإن الملايين الذين يستمعون لدروس الحوينى ويتأثرون بها سينصرفون على الفور محاولين تحقيق أمنية النبى كما صاغها وقدمها لهم الداعية الحوينى!
ورغم أننا لسنا فى مقام الرد على منطق الحوينى المغلوط فإننى أندهش للغاية لأننا لم نر عالما أزهريا معتدلا يخرج على الناس ليذكرهم بحديث آخر للرسول «صلى الله عليه وسلم» يقول فيه «توشك أن تتداعى عليكم الأمم كما تتداعى الأكلة على قصعتها قالوا أمن قلة نحن يومئذ يا رسول الله؟ قال لا بل كثرة ولكن كغثاء السيل» ولعل معنى الحديث واضح وليس فى حاجة للشرح وهو يؤكد أن القوة ليست بزيادة العدد ولكن بالتعليم والتدريب والمهارة وامتلاك أسباب القوة وهى كلها أشياء لا يمكن توفيرها لملايين يتوالدون بالملايين كل يوم وهو ما يؤكد أننا فى حاجة لتنظيم النسل أكثر من أى شىء آخر.
الغريب أيضا أننا لم نر عالما مستنيرا أو مفكرا عاقلا يقول إن اليهود الذين نشكو ونبكى من سيطرتهم على العالم ليسوا سوى 15مليون شخص امتلكوا أسباب القوة والمهارة والتعليم فحكموا وتحكموا بينما يشكو المليار وثلاثمائة مليون مسلم من ضعف الحال ويخشون سوء المآل.
وإذا انتقلنا للشيخ محمد حسان وهو أكثر دعاة السلفية رغبة فى استخدام المنطق ومحاولة «عقلنة» الخطاب السلفى، سنجده يخصص لهذه القضية عدة دروس وخطب من بينها درس بعنوان «الأزمة السكانية والحلول الغائبة» وهو يدخل فى الموضوع مباشرة، معتبرا أن الحديث عن الأزمة السكانية هو صراع بين الحق والباطل وبين الغرب والمسلمين وهو يرى أن الغرب افتعل هذه الأزمة التى تبين حقدهم على الإسلام!
وهو يبدى دهشته من الأدبيات العالمية التى تحذر من الانفجار السكانى فى العالم كله ويبدى رأيه العلمى فى المسألة مستهينا بالرقم الذى تحذر منه الدراسات التى تتوقع أن يصل عدد سكان العالم فى 2050 حيث يقول (5,12) مليار نسمة! فقط إنهم يتألون «أى يسيئون الأدب» على الله! الله هو الذى يحدد الرزق ويرى «حسان» أن الغرب يخاف من اختلال موازين القوى لصالح المسلمين!
ولأنه - أى حسان - يحاول أن يبدو أكثر منطقية من زملائه - فإنه يقتبس عددا من الأدبيات الغربية حول الزيادة السكانية والتى تعبر عن مخاوف من زيادة عدد سكان العالم الثالث بشكل عام، لكنه يمارس الخداع ويصورها وكأنها مخاوف من ازدياد عدد المسلمين مع أنه من الطبيعى أن تخاف دول الرفاهية الغربية من زيادة عدد سكان العالم الثالث، مادامت تجد نفسها فى النهاية مطالبة بتحمل مسئولية إطعامهم أو هجرتهم أو إسكات غضبهم من الأوضاع التى يجدون أنفسهم فيها.
فى نفس السياق يربط «حسان» بين مقترحات يرفضها المسلمون مثل الإجهاض وتأخير سن الزواج وبين تنظيم النسل مع أنه لا علاقة بين هذا وذاك.
ثم ينتقل «حسان» للضفة الأخرى كمفكر وليس كداعية، مؤكدا أن المنجم الحقيقى للتنمية هو الزيادة السكانية ويضرب أمثلة باليابان وكوريا ودول أخرى استفادت من الزيادة السكانية، وهو منطق يمكن الرد عليه لكنه بعد ذلك يفاجأ مستمعيه وبعد أن يسرد عدداً من الآيات التى تتحدث عن رزق الله لعباده الصالحين بوجهة نظر يقول فيها إنه يرى أن «الاستغفار» هو حل المشكلة السكانية!!
وبشكل عام فإن الحديث عن تفسخ الغرب وانحلاله الذى يريد تصديره لنا وكذلك الحديث عن المؤامرة الغربية على الإسلام هو أحد ثوابت الخطاب السلفى بغض النظر عن القضية المطروحة.
وإذا انتقلنا لثالث الدعاة السلفيين محمد حسين يعقوب، سنجد أن خطابه لا يختلف كثيرا حيث ينتقد الدعاوى الرامية لتنفيذ خطط أجنبية للمجتمعات العربية حيث اعتبر أن مهمة الإنسان على الأرض هى إعمار الكون وأن ذلك بالطبع بتحديد النسل!
ورغم أن إعمار الأرض لا يشترط الزيادة العددية أو أن يكون هناك الملايين ممن لا يجدون حظا من الرعاية الصحية أو التعليمية أو يمتلكون أى مهارات تؤهلهم لعملية الإعمار هذه، إلا أن يعقوب يتسق فى موقفه هذا مع الموقف العام للسلفية.
موقف السلفيين فى هذه القضية يتماهى تماما مع موقف جماعة الإخوان المسلمين التى صرح مرشدها العام السابق محمد مهدى عاكف بتصريحات تدور حول فكرة المؤامرة الغربية أيضا، فى حين استشهد الداعية الإخوانى بلال الأزهرى فى مجلة نداء الإسلام بمقولة للشاعر والمفكر الإسلامى الباكستانى محمد إقبال يحذر فيها من دعوات الغربيين لتحديد النسل فى حين أن الغربيين يحاولون رفع نسبة الغربيين فى بلادهم والحقيقة أن المفكر الكبير وصاحب دعوة تأسيس الباكستان كوطن لمسلمى الهند كان متأثرا بظروف الصراع العرقى بين المسلمين والهندوس، ومرة أخرى نقول إن ما يصلح للمسلمين فى مجتمع قد لا يصلح لمسلمى مجتمع آخر.
لكن الاستشهاد بإقبال كان الشىء الوحيد القابل للمناقشة فى الخطاب الإخوانى تجاه قضية الزيادة السكانية حيث يرى الداعية بلال أن الكفار يستهدفون الأسرة المسلمة وأن تحديد النسل يؤدى إلى انتشار الزنى على أساس أن ما يمنع الناس من الزنى هو فضيحة الإنجاب! ولكن وسائل منع الحمل تمنع الإنجاب! ولذلك يسهل الزنى ولا تخاف المرأة من العار!
وهذا بالطبع كلام لا يستحق الرد عليه ولا تذكير دعاة الفضيلة بأن ما يمنع من الزنى هو الخوف من الله وليس الخوف من الفضيحة ولا من الإنجاب!
وإلى جانب كل هذه الخرافات التى يمتلئ بها قطاع مؤثر للغاية من الخطاب الدينى تجاه قضية الزيادة السكانية، ستجد خرافة أخرى شعبية تتعلق بالفتنة الطائفية وتوصى كل فريق بأن يزيد من عدده فى مواجهة الفريق الآخر وهى خرافة مؤثرة للغاية وإن كان الواقع يقول إن الأسر الأكثر فقرا بين المسلمين والأقباط تنجب أطفالا بأعداد كبيرة سواء كان الأب والأم فيها مسلمين أو أقباطاً، إن العكس صحيح فلا يوجد طبيب أو مهندس ينتمى للطبقة الوسطى يقرر إنجاب عشرة أطفال نكاية فى مواطنيه من أبناء الدين الآخر سواء كان هذا الطبيب مسلما أو مسيحيا وهو ما يؤكد أن المشكلة اجتماعية وثقافية فى الأساس تتعلق بمستوى وعى الأفراد وتعليمه وفهمهم للحياة بأكثر مما تتعلق بأى شىء آخر وإن كان الخطاب الدينى المتخلف يلعب دورا فى تضليل البسطاء وإفساد وعيهم بهذه القضية وبقضايا أخرى كثيرة.
وتبقى ملاحظة أخرى وهى أن الخطاب الأزهرى يتعامل مع هذه القضية بحذر وبأداء وظيفى يفتقر للحماس رغم أننا يمكن أن نسمع من العلماء المستنيرين كلاما كثيرا عن فقه الواقع وفقه المصلحة والاجتهاد لمصلحة الناس هذا إذا صح العزم وخلصت النيات وكان لدينا أمل فى اللحاق بركب النهضة التى نتحدث عنها ولا نراها!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.