القنوات التعليمية فى التليفزيون كان من المفترض أن تكون بديلاً مؤثراً للدروس الخصوصية التى تثقل كاهل الأسر المصرية، وتعتبر أزمة مزمنة فشل جميع وزراء التعليم المتعاقبين فى حلها على مدى عقود، لكن هذه القنوات يمكن أن تؤدى دورا أكبر إذا تم التوسع فى تطبيق تجربة التعليم المنزلى، كما تنصح الباحثة وفاء رفعت البسيونى فى كتابها الرائع «مصر بلا مدارس». وقد بدأت فكرة التعليم المنزلى، كما تقول الباحثة، فى القرن السابع عشر بالمستعمرات الأمريكية، ثم انتقلت إلى المملكة المتحدة وكثير من دول أوربا، أما حركة التعليم المنزلى المعاصرة، فقد ظهرت فى ستينيات القرن الماضى، كرد فعل للتغيرات السياسية والثقافية، وظهور العديد من أفكار التمرد واتجاهاته من قبل بعض التربويين، أمثال إيفان ايلتش صاحب دعوة اللامدرسية وكتابه الشهير «مجتمع بلا مدارس. وأصبح هذا اللون من التعلم بمثابة حركة اجتماعية ترفض الاتجاه المؤسسى العام السائد فى المجتمع، وبالتالى قام الآباء بتقديم التعليم المنزلى لأبنائهم بديلًا عن التعليم فى المدرسة، على أن تتم المعادلة بين هذا التعليم بالمنزل وبين التعليم المقدم فى المدرسة بشهاداته المعتمدة. وكنتيجة مباشرة لهذه الحركة وضغوط الآباء اعترفت الجامعات بالشهادات الممنوحة للتلاميذ من قبل مؤسسات التعليم المنزلى. وأثبت هذا التعليم نجاحه فى الدول التى قامت بتطبيقه وأثبتت الدراسات أن طلاب التعليم المنزلى أفضل نموا ونضحا اجتماعيا من طلاب التعليم المدرسي. كما أكدت دراسات أخرى أن طلاب التعليم المنزلى أكثر قدرة على التحصيل العلمى والاستيعاب، مقارنةً بذويهم من طلاب التعليم التقليدى. وربما يأتى هذا الكتاب لكى يوجه الأنظار إلى ما نحن فيه الآن، حيث نعتبر الدروس الخصوصية أزمة حقيقية يواجهها التعليم فى مصر، والحق أنها أزمة أخلاقية قبل أن تكون أزمة تعليمية... فالمعلم -أو كثير منهم- لا يقدم لتلاميذه فى المدرسة القدر الكافى من الاهتمام والرعاية العلمية، ومن ثم يضطر الآباء إلى استدعائهم لتعليم هؤلاء الأبناء بالمنزل... وهناك فرق بين ما تم فى الولاياتالمتحدة، وبين ما يتم فى منازلنا حاليًا، وربما ينجح هذا الكتاب فى تغييره، ولكن المطلوب هو إعادة تصحيح المفاهيم، ومراجعة ما نقوم به من ممارسات تعليمية، والاهتمام بالقنوات التليفزيونية التعليمية التى تستعين بكبار المدرسين، وينقصها الجاذبية والاستعانة بتقنيات التصوير الحديثة والوسائل التعليمية التى تتناسب مع الشاشة والتصوير التليفزيونى. وهو ما تؤكد عليه مؤلفة «مصر بلا مدارس»، كما أكدت على ضرورة التجديد فى التعليم، وإلقاء الضوء على الحركات التربوية الجديدة والمختلفة فى العالم، على أمل أن تفيد قراءتها، وربما تطبيقها، بما يتلاءم مع ظروف المجتمع المصرى.