الفيلم البريطانى الأمريكى "the imitation game" أو "لعبة التقليد" هو بالتأكيد أحد أفضل وأهم ألأفلام الأجنبية التى عرضتها الصالات المصرية فى السنوات الأخيرة، يسرد الفيلم المأخوذ عن كتاب ووقائع حقيقية (كتاب بعنوان "أندرو تيرينج الغامض" لأندرو هودجز)، أحداثا مثيرة عن العالم البريطانى الشهير ألان تيرينج الذى تمكن خلال الحرب العالمية الثانية من بناء آلة ضخمة لفك الشفرة النازية، ونجح فى تحقيق ذلك مع فريق محدود من العلماء، ولكن تيرينج أيضا اتهم بعد الحرب بممارسة الفحشاء مع شاب صغير، وحكم عليه بأن ينتظم فى العلاج بحقن معينة تخلصه من مثليته الجنسية، ولكن الأمر انتهى به إلى الانتحار، شخصية استثنائية بكل المقاييس أجاد السيناريو تقديمها بكل معالمها، عشنا حوالى ساعتين مع لحظات النجاح والفشل، تداخل خلالها العام والخاص، وانتقلنا بسلاسة من طفولة مختلفة إلى مأزق حل الشفرة الألمانية ، لننتهى إلى فضيحة عالم يدرّس الرياضيات فى كمبريدج، دراما قوية وأداء استثنائى من ممثل فذ هو بينديكت كيمبرباتش فى دور العالم البريطانى الشهير، حالة إنسانية وعلمية، ومزيج من عالم أفلام الإثارة والتشويق، وعالم الدراما الإجتماعية ذات البصمة السياسية. ??? بناء السيناريو الذى كتبه جراهام مور مشوق للغاية، البداية بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية بسنوات، وتحديدا فى العام 1951، يتلقى البوليس بلاغا من جيران العالم ألان تيرينج عن تعرض منزله للسطو، ولكن تيرينج ينفى أن شيئا سرق منه، يرتاب رجل البوليس فى الأمر، يبدأ فى البحث عن ملف تيرينج، يكتشف عدم وجود أوراق عنه على الإطلاق، تزيد مساحة الشك، تتمحور أولا حول افتراض وجود علاقة بين تيرينج واثنين من الجواسيس للاتحاد السوفيتى، يكتشف المحقق فى النهاية أسرار الفيلم، وأسرار تيرينج الخاصة أيضا، فالعالم الكبير انضم إلى فريق علمى عام 1939 لمحاولة فك شفرة جهاز "إنيجما" الشهير، الذى حارت العقول فى فهم رموزه، وفى حل شفرته التى تتغير كل يوم، كانت الفكرة أن يتم حل هذه الشفرة يدويا من خلال العلماء الستة، ولكنه كان جهدا عبثيا لأن الأمر فى حاجة إلى 20 مليون سنة لاكتشاف معلومة واحدة، تيرينج وحده تحمس لبناء آلة عملاقة أقرب إلى جهاز الكمبيوتر، تقوم بالتعامل مع الشفرة المتغيرة، وتستبعد الإحتمالات المتكررة، ونجح تيرينج فى الحصول على دعم رئيس الوزراء البريطانى ونستون تشرشل الذى وفر 100 ألف جنيه استرلينى لبناء الجهاز، بعد فشل وصعوبات واتهامات لتيرينج بالتخابر مع السوفيت، سيتحقق حلم فك الشفرة، ولكنها سيظل سرا حتى على بعض الأجهزة البريطانية، حتى لايتسرب الخبر إلى الألمان، بل إن تيرينج وزملاءه لن يتكلموا عن تجربتهم فى حل الشفرة بعد انتهاء الحرب، سيحرقون كل أوراقهم ومستنداتهم، وسيعودون للتدريس فى الجامعة، وكأن شيئا لم يكن. سيعرف المحقق سرا أخطر، هو أن تيرينج مثلى الجنس، وأن هذا الأمر ارتبط به منذ صباه، من خلال علاقته مع زميله فى المدرسة الصبى كريستوفر الذى مات بالسل، وقد أدت معاناة تيرينج مع حياته المثلية إلى فشل علاقته مع خطيبته ومساعدته فى فك الشفرة جوان كلارك (كييرا نايتلى)، سيكتشف ايضا سر تستر تيرينج عمن سرق شقته، لقد كان أحد أصدقائه المثليين، يكشف المحقق مثلية تيرينج ويقدمه للمحاكمة، بينما لا يستطيع أن يكشف سر دوره العظيم فى فك الشفرة مما أنقذ حياة 14 مليون شخص من المدنيين والعسكريين، لن يُعرف هذا الدور إلا بعد نصف قرن، وستقوم الملكة إليزابيث فى العام 2013 بالعفو على تيرينج فى جريمته الأخلاقية تقديرا لما أداه من خدمات ساهمت فى أن ينتصر الحلفاء فى الحرب العالمية الثانية، ولكن آلان تيرينج انتحر عام 1954، فلم يتمكن من الاستمتاع بالتقدير ورد الاعتبار. ??? الفيلم يدعونا إلى قبول التفكير المختلف والشخصيات المختلفة، بل إنه يعتبر أن هذه الشخصيات هى وحدها القادرة على تغيير العالم، وليست حكاية نجاح وفشل وفضيحة آلان تيرينج إلا إحدى الأدلة على ذلك.