فى يوليو 1947 أنشأت الولاياتالمتحدةالأمريكية جهاز (C I A) ليتولى الجانب الثقافى فى الحرب الباردة، وعندما افتتح السوفيت بيتا للثقافة فى برلين، لنشر الثقافة الشيوعية، أسرع الأمريكيون بافتتاح المراكز الثقافية فى مختلف بلاد العالم لتقديم الثقافة الأمريكية من خلال عروض السينما وحفلات الموسيقى والمعارض والمحاضرات وإرسال فرق الموسيقى من الزنوج الأمريكيين لتغيير المفهوم الشائع عن العنصرية الأمريكية، وعلى طريقة السينما الأمريكية الأكثر جذبا وتشويقا ومن خلال أدوات جديدة، سلك التنظيم الإرهابى «داعش» نفس المسلك، ودمج بين المنهج الأمريكى ومنهج المد الشمولى. بدأ تنظيم «الدولة الإسلامية» (داعش) يخترق الحدود من خلال مواقع النشر الرقمية المختلفة كوسيلة لإذاعة أفكاره والتأسيس لخطابه، ومستخدماً أحدث أساليب الدعاية المعاصرة إقناعاً وهى الصورة الفيلمية. فقام بنشر الفيديوهات القصيرة التى ترصد معالم تحركاته اليومية ك «سلسلة الحياة»، أو تبعث رسائل للكفار داخل أراضى الإسلام بحسب زعمه ك «نوافذ على أرض الملاحم» أو تبشر بدولة الخلافة وترسم منهجها وأسلوب عملها ك «إنها خلافة وربّ محمد» أو تثير الرعب فى نفوس الناس مثل «يا أيها الكافرون» والذى يعد الأقوى، أو كالذى يحاول أن ينال به من الروح المعنوية للجنود مثل «صولة الأنصار» وسيرة رجال الدولة الإسلامية، والذى يستخدمه التنظيم فى جذب عناصر جديدة من خلال استعراض للعمليات التى قامت بها بعض عناصره البارزة والدولة الإسلامية بين الواقع والإعلام والقصاص حياة 1، 2. واستطاع التنظيم من خلال أفلامه الوثائقية التى تؤكد وجود عناصر متخصصة داخل التنظيم أو تقوم بدعمه لوجستيا، وفنيا وهناك مجموعة من المؤسسات تخصصت فى إنتاج أفلام هذا التنظيم الإرهابى بلغت أكثر من 11 مؤسسة منها مؤسسة الاعتصام والفرقان وخيبر ودابق والحياة ومؤسسة البراق والملاحم، والبتار، ومركز القورية الاعلامى، ومؤسسة الكنانة. والسحاب، والتى أنتجت سلسلة التضحية والاستشهاد، ودائما الأفلام المنتجة من التنظيم الإرهابى تحمل أسماء تجدها اقتباسات قرآنية ك «واقتلوهم حيث ثقفتموهم» أو صيغا تختزل مضمون الفيلم بصورة شعرية، وبألفاظ جزلة ك «السهم الخائب» و«صليل الصوارم». يُلاحظ أن هذه العناوين مرتبطة بالسلاح والفعل المادى للجهاد، وهى فاتحة لما يحويه الفيلم وتمهيد لفظى لما قد يتوقعه المشاهد. يستهدف تنظيم داعش جمهورا متعددا، ففى البداية كان الهدف هو تعريف العالم ببدايات تأسيس داعش كما فى فيلم «إنها خلافة وربّ محمد» بهدف جذب الجهاديين من جميع أنحاء العالم، ثم أصبح التركيز على الغزوات والفتوحات التى يقوم بها التنظيم وإنجازاته الميدانية كما فى سلسلة «صليل الصوارم» وفيلمى «فشرد بهم من خلفهم» و«اقتلوهم حيث ثقفتموهم» اللذين يستهدفان كل من يحاول الوقوف فى وجه «دولة الإسلام» من حكومات فى المنطقة العربية. أما آخر أفلام داعش «لهيب الحرب»، فموجه إلى أمريكا، أو إلى «الصليبيين الجدد». وهو ناطق باللغة الإنجليزية على عكس الأفلام السابقة ويعرض فى نهايته ما يعتقد أنه مواطن أمريكى يقوم بإعدامات ميدانية، وكان فيلم «يا أيها الكافرون» رسالة يحاول التنظيم الإرهابى توصيلها إلى الغرب وكل من يتعاون معهم. أما البناء الدرامى للأفلام فتلعب المؤثرات الصوتية دوراً بارزاً فيه، فالخلفية دائماً تحوى أصواتاً من ميدان القتال تغلب عليها أصوات الرصاص والقذائف والتهليل والتكبير والآيات القرآنية. وكذا الأناشيد التى تختلف باختلاف المضمون، فهى إما تدعو للجهاد وتحث العناصر التكفيرية على مواصلة النضال، أو زاخرة بأبيات شعرية تشحذ النفوس والهمم. ما يميز هذه الأناشيد هو صوت من يؤديها وخلوها من الآلات الموسيقيّة لأنها تعتمد على الإنشاد. إنتاج هوليوودى الأساليب البصرية المستخدمة فى إنتاجات داعش تختلف جودتها وقدرتها على الجذب باختلاف المؤسسة المنتجة والجمهور المستهدف. ففى فيلم «سهام الموت» نلاحظ استخدام التقنيات البسيطة التى لا تتعدى الصيغ الجاهزة ضمن برامج المؤثرات البصريّة، كما يتم الاعتماد على اللقطات الجاهزة من الانترنت لأحداث ماضية. لكن ينتقل الإنتاج بعدها إلى الكاميرات الثابتة والمتنقلة وكاميرات «الجو بار» كما كان فى فيلم «صولة الأنصار» الذى صور حادث كرم القواديس فى سيناء، التى تلتقط تحركات العناصر التكفيرية فى أرض المعركة ليلاً ونهاراً، وكما فى «صليل الصوارم»، مع استخدام تقنيات التصوير الليلى واللقطات الخطيرة على حياة المصوّر لاقترابه من جبهات القتال والرصاص. لكن الأكثر تميزاً فى المؤثرات المستخدمة هو «لهيب الحرب»، لكونه أقرب إلى إنتاج هوليوودى بما يحويه من ألاعيب بصرية، إذ تكثر فيه المؤثرات المستمدة من ألعاب الفيديو ومن الأفلام السينمائية كالحركات المبطّأة جداً Super Slow Motion. الأسطورة تطغى العناصر الأسطورية على أساليب القتال فى وثائقيات دولة الإسلام، بحيث يبدو المقاتلون كأنهم فرسان خرجوا من الكتب أو من أحاديث التراث بما لديهم من صفات لا يمكن أن تجتمع إلا فى قلّة من الناس، كما ترسم معالم جمالية للعنف تجعلها أقرب إلى أفلام كونتين تيرنتينو وأوليفر ستون. تحاول هذه الإنتاجات أن تستعيد صفات البطل المغمور لا النبيل. حتى مشاهد موت بعضهم ترسم حول القتلى هالة من القدسية، فنراهم يقاتلون بشدة فى البداية ثم نرى بعضهم وقد اغتالهم الأعداء وهم مستلقون ومبتسمون إثر نيلهم الشهادة. تزداد الصناعة السينمائية لداعش اتقاناً، حتى مشاهد قطع الرءوس تزداد درامية بسبب أساليب التخويف المستخدمة فيها. إنها أفلام محرضة وباعثة للرعب، فالأناشيد الجهادية فى الخلفية وشدّة المقاتلين تدغدغ الحس الجهادى لدى بعض المشاهدين الميالين «للجهاد» كما تزرع القلق فى قلوب الآخرين. يستخدم «داعش» استراتيجية «هوليوود» فى فيديوهات الذبح كسياسة إعلامية ناجحة، تقوم على نشر مقاطع الفيديو والصور المدروسة سلفاً، كما أن المؤثرات التى يتم استخدامها من قبل «داعش» فى الفيديوهات هى نفس تلك المستخدمة فى «هوليوود»، وخاصة تلك المستخدمة فى سلسلة (Let's Go) التى تخاطب الشباب الغربيين، من أجل استقطاب التأييد لهم على المستوى العالمى، ومن أجل استقطاب مزيد من المقاتلين من فئة الشباب المتهور، وخاصة من الغرب. والتى تدعوهم إلى الهجرة من أجل القتال فى صفوف «داعش» بسوريا والعراق. وهذا يبين أن لدى «داعش» خبراء فى الحملات الدعائية يقومون بإنتاج أفلام الفيديو القصيرة التى يتم فيها استخدام تقنيات عالية المستوى، ومؤثرات بصرية وصوتية، لا تتوافر إلا فى «هوليوود»، حيث يتم بواسطتها إنتاج أفخم وأهم أفلام السينما العالمية.