لا شك أن تراكم السخط يؤدى إلى الانفجار، وأن ثورات الربيع العربى ما قامت إلا لانتشار الفساد وغياب العدالة الاجتماعية وإحكام قبضة الاستبداد وغياب أى تداول للسلطة، وما كان خروج الملايين إلى الميادين إلا ارتباطًا بحق أصيل للشعوب فى الثورة على الحكام الظالمين الذين حرموا شعوبهم من الحق فى العيش بحياة كريمة.. ما حدث فى تونس ومصر وليبيا فى الشمال الأفريقى منذ أربع سنوات بدأ يعرف طريقه إلى دول إفريقية أخرى كما حدث فى بوركينافاسو التى مازالت مشاهد انتفاضتها الشعبية تتوالى.. بعض دول القارة السمراء تعانى شعوبها منذ عقود من الظلم الاجتماعى وشيوع الفساد واستمرار رؤساء على مقاعد الحكم لعقود طويلة لم يقدموا خلالها لشعوبهم سوى البؤس والفقر وغياب خطط التنمية أو الأمل فى مستقبل أكثر إشراقًا.. فهل تمتد موجات الربيع العربى إلى القارة السمراء لنشاهد ثورات الربيع الأفريقى كما حدث فى بوركينا فاسو، أم تظل حالة الجمود تسيطر على بلدان أفريقية وكأنها خارج الزمن؟. أعرب عدد من المراقبين عن تخوفهم من اندلاع حرب أهلية فى بوركينا فاسو ما لم يتم حل الأزمة التى تعصف بالبلد الإفريقى الذى يسعى لتنفس الديمقراطية يقول د.سيد فليفل، عميد معهد البحوث والدراسات الإفريقية السابق، أراد رئيس بوركينا فاسو السابق بليز كومباورى الذى قضى فى السلطة 27 سنة أن يمدد فترة حكمه مرة أخرى بشكل يعارض للدستور فلجأ إلى حلفائه فى البرلمان لتعديل الدستور ليعطى لنفسه فرصة جديدة للترشح وكان النواب قد حددوا يوما للتصويت داخل البرلمان للموافقة على تعديل الدستور فى محاولة لإعطاء الأمر شكلا ظاهريا للديمقراطية إلا أن الأحداث تتابعت ضده نظرًا لأن البرلمان فى الأساس هش وضعيف وكذلك المعارضة بالإضافة إلى إحساس الشعب بأن الديمقراطية ظاهرية فقط وهو نفس ما فعله فى مصر الرئيس الأسبق مبارك والسابق محمد مرسى، فما كان من الشعب البوركينى إلا أن أعلن غضبه ورفض الانصياع لرغبة الرئيس وبرلمانه وكادت الفوضى أن تضرب البلاد فاضطر الجيش للتدخل وهو تدخل يشبه إلى حد كبير تدخل الجيش المصرى لتنفيذ رغبة الشعب المصرى سواء فى 25 يناير أو فى 30 يونيه وفى الحقيقة أن تدخل الجيش فى بوركينافاسو وإعلانه أنه المكلف بإدارة شئون البلاد فى المرحلة الانتقالية تصرف صحيح لأن قوى المعارضة غير قادرة على فرض سيطرتها على الأرض. وعن إمكانية تكرار الأحداث فى الدول المجاورة لبوركينافاسو قال فليفل لا يمكن استشراف المستقبل وليس معنى تدخل الجيش فى مصر وفى بوركينا فاسو أن هذا سيحدث فى الدول الإفريقية الأخرى ولكن من الممكن أن ندرك حكمة ما حدث فى بوركينا فاسو معناه أنه لم يعد بوسع الحكام أن يعبثوا بالدستور وأن الشعوب الإفريقية تريد احترام الدستور وأنه من الممكن تحمل حاكم غير كفء ولكن لا يمكن قبول حاكم يعبث بالدستور. وأضاف فليفل أن الجيوش فى تلك الفترة تعتبر صمام الأمان للشعوب الإفريقية وأنه يمكن التخلى عن حزب أو جماعة إلا أنه لا يمكن تعويض سقوط الجيش والشرطة والقضاء لأن عدم وجودهم معناه عدم وجود دولة فدول العالم الثالث تعتبر الجيوش صمام أمان لها وهذا يختلف عن الدول الغربية التى قطعت شوطًا طويلًا فى الديمقراطية فتستطيع أن تعدل مسارها الديمقراطى بشكل تلقائى وفى نفس الوقت لا يوجد من يجرؤ على العبث بالدستور أما الذين يعبثون بالدستور يبدأون بالتهاوى كما حدث فى حالة أردوغان الذى قام بتعديل الدستور التركى وهو الأمر الذى زاد من معارضيه سواء فى الجيش أو فى الشارع وستكون النهاية الطبيعية أن يتدخل الجيش التركى. لعبة المصالح وقال د.أيمن شبانة أستاذ العلوم السياسية بمعهد البحوث والدراسات الإفريقية إن بوركينافاسو إحدى دول غرب إفريقيا التى كانت تابعة للاستعمار الفرنسى وكانت معروفة باسم «فولتا العليا» حتى سنة 1984 أطلق عليها اسم بوركينافاسو أى أرض الشرفاء والأطهار فى إشارة إلى تطهيرها من الفساد، وهى دولة فقيرة ليست لها موارد وتعيش على الزراعة إلا أن استقرارها مهم لدول الجوار حيث تجاورها النيجر التى تصدر ما يقرب من 46.5% من يورانيوم القارة السمراء بالإضافة إلى ساحل العاج وهى المنتج الأول للكاكاو على مستوى العالم وهو الأمر الذى يجعل فرنسا حريصة على استقرارها والحقيقة أن هذا ليس الانقلاب الأول فى تاريخ بوركينا فاسو فقد توالت عليها الانقلابات حيث شهدت انقلابات فى أعوام 1966و1980و1982و1983و1987وهو الأمر الذى يجعل المنتصر هو الذى يحصل على كل شىء وكان بليز كومباورى قد تولى رئاسة بوركينا منذ انقلاب 1987 واستطاع أن يحافظ على السلطة 27 عاما بمساعدة ودعم من فرنسا نظرًا لقيامه بالحفاظ على الأمن والنظام فى البلاد مما يؤمن مصالحها فى النيجر نظرًا لأنها تورد ما يقرب من 20% من احتياجات فرنسا من الكهرباء، بالإضافة إلى مجاورتها لساحل العاج ومالى وهما من أكبر المستعمرات الفرنسية فى إفريقيا، فضلًا عن مساندة نظام القذافى للرئيس البوركينى وهناك أسباب ترجع إلى شخصية الرئيس البوركينى نفسه حيث كان يعد وسيطا فاعلا للقضاء على أى عمليات فوضى سياسية فى الجوار الإفريقى. ويرى شبانة أن السبب فيما آلت إليه الأمور فى بوركينا يرجع إلى طمع الرئيس السابق فى السلطة ومد مدة ولايته للمرة الخامسة ولمدة خمس سنوات أخرى وهذا يدل على عدم قدرته على استيعاب المتغيرات السياسية فى المنطقة حيث إنه فى خلال فترة الربيع العربى فى 2011 حدثت احتجاجات ومظاهرات أشير إليها على أنها بداية الربيع الأسود فى إشارة إلى ربيع القارة السمراء إلا أن القوات المسلحة وقفت إلى جوار بليز كومباورى إلا أنه رغم ذلك لم يدرك طبيعة التغيرات التى تشير إلى عدم قبول الشعب لأى أعتداء أو عبث بالدستور الأمر الذى واجهه الشعب بغضب واحتجاجات فأضرمت النار فى البرلمان واجتاحت مبنى الإذاعة والتليفزيون وأحرقت منازل عدد من زعماء الحزب الحاكم ورغم محاولات الرئيس التهدئة إلا أن الأمر لم يجد فما كان من الجيش إلا أن يتدخل لحفظ الأمن والنظام وأعلن حالة الطوارئ والأحكام العرفية وخارطة للانتقال السلمى للسلطة فى حين غادر الرئيس البوركينى إلى ساحل العاج. الربيع الإفريقى شهدت القارة السمراء حدثًا كبيرًا، اهتزت له أركان أفريقيا بعد سقوط حاكم بوركينا فاسو، الرئيس بليز كومباورى، الذى حكم لأكثر من 27 عامًا، بعد مظاهرات حاشدة فى ميدان الشعب بوسط العاصمة واجادوجو، إثر محاولة يائسة لتغيير مواد الدستور وتمديد فترة الحكم. وكان بث قنوات التليفزيون الرسمي، انقطع بعدما اقتحم عدد من المتظاهرين مبنى التليفزيون وقاموا بنهب محتوياته، فيما قامت قوات الجيش بإطلاق الرصاص الحى من أجل تفريق المتظاهرين عقب اقتحامهم مبنى البرلمان، ذلك بعد انسحاب قوات الشرطة التى فشلت فى منع المتظاهرين من عبور الحواجز الأمنية واقتحام المبنى فى أيام الغضب بالبلد التى تعرف ب «بلاد الرجال المستقيمين». تسارعت وتيرة الأحداث وأصبح كرسى الحكم شاغرُا، وعلى أثر خلاف بين رئيس أركان الجيش، نابيرى هونورى تراوري، وقائد الحرس الجمهورى، على تولى قيادة البلاد خلال فترة انتقالية، انتهى باختيار الكولونيل إيزاك زيدا، قائد الحرس الجمهورى، رئيسًا انتقاليًا، بعد أن أعلن تراورى قبل ذلك توليه مقاليد الأمور، ومن جانبها أبت المعارضة – على استحياء - أن تتحول البلاد الى حكم عسكرى، وظهرت عدة محاولات يائسة للسيطرة على التليفزيون الرسمى للدولة، وإعلان أنفسهم مجلسًا رئاسيًا. ووصف المتظاهرون، الذين تجمعوا فى ميدان الشعب، الذى شهد الثورة على كومباورى، ما حدث بأنه «انقلاب عسكرى»، كما ندد زعماء المعارضة باستيلاء الجيش على السلطة. وقال رئيس مكتب الأممالمتحدة لغرب أفريقيا، محمد بن شمباس، «نأمل فى انتقال يقوده المدنيون بما يتفق مع الدستور.» وأضاف أن زيدا «قال إنه سينظر فى الأمر ويحاول العمل مع الأممالمتحدة والاتحاد الإفريقى والمجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا، والتوصل إلى اتفاق مقبول يتفق مع الدستور». ودعت واشنطن إلى نقل السلطة إلى سلطات مدنية وحذرت من احتمال فرض عقوبات إذا لم يسلم زيدا السلطة. ومن خلال جولة سريعة نتعرف على أكبر رؤساء أفريقيا المعمرين فى السلطة.. البداية من الهضبة الأنجولية، حيث الرئيس جوزيه إدواردو دوس سانتوس، الذى تولى رئاسة الدولة منذ 1979، أى إنه يحكم الجمهورية لأكثر من 35 عامًا، وهو أيضًا رئيس الحركة الشعبية لتحرير أنجولا. وكان سانتوس بدأ حياته السياسية بعد قمع الحكومة الاستعمارية البرتغالية، ونُفى إلى فرنسا عام 1961، رحل لاحقاً إلى جمهورية الكونغو، ثم أصبح عضواً رسمياً فى حزب مبالا الأنجولى، ولإكمال دراسته رحل مرة أخرى، ليعتلى رئاسة الحزب عام 1974، ثم ينتخب رئيسًا للدولة. وفى انتخابات 2008، حصل الرئيس سانتوس على 49,6% من الأصوات، وحصل منافسه جوناس سافيمبى مرشح حركة يونيتا المعارضة على 40,1%، ما تطلب جولة جديدة للانتخابات ولكن حركة يونيتا رفضت نتائج الجولة الأولى، وتجددت الحرب الأهلية وبقى الرئيس فى منصبه. بالرغم من جلوس سانتوس على الحكم لهذه المدة فى بلد النفط والماس والذهب والنحاس، إلا أن المواطن الأنجولى ما زال يعيش تحت وطأة الأمراض، كما تعانى أنجولا من التّصحّر بسبب تجريف من الغابات الإستوائية. إثر انقلاب دموى على البر الإفريقى، مازال الرئيس تيودورو أوبيانج نجوما مباسوجو، يحكم غينيا الاستوائية منذ عام 1979 ، الذى أطاح بالحاكم السابق والأول للبلاد منذ الاستقلال عن إسبانيا، فرانسيسكو ماسياس نجوما. يمتلك أوبيانج، وفقاً للدستور الذى تم التصديق عليه عام 1982، تعيين وإقصاء أعضاء البرلمان، سن القوانين بالأمر المباشر، حل البرلمان والمطالبة بانتخابات تشريعية. وفى نفس العام تم انتخاب أوبيانج لفترة رئاسية مدتها 7 سنوات. وأٌعيد انتخابه فى1989 ، بعد انتخابات كان فيها المرشح الوحيد. ورغم السماح للأحزاب لممارسة العمل السياسى في1991، تم إعادة انتخاب اوبيانج عامى 1996 و2002 فى انتخابات وصفها المراقبون الدوليون بأنها مزورة. أما الوضع الأمنى السياسى فيتميز بالاستقرار أيضاً، فلا توجد حركات معارضة مسلحة فى البلاد، ويتميز نظام الحكم بالقوة والسيطرة على مقاليد الدولة دون منازع. كعادة أسود الكاميرون دائمًا، يأتون بكل ما هو جديد، فالرئيس بول بيا، الذى تولى الحكم منذ 6 نوفمبر 1982، لم يأت على أثر انقلاب عسكرى، ولكنه بعد عودته من باريس فى عام 1962 دخل فى خدمة الرئيس أحمدو أهيجو، ليصبح الأمين العام للرئاسة فى 1968 ورئيس مجلس الوزراء فى عام 1975. وبعد استقالة الرئيس بسبب مشاكل صحية عام 1982، اُختير بيا خلفًا له رسميًا فى عام 1984. وفى زيمبابوى يتربع روبرت موجابى على كرسى الرئاسة منذ عام 1987، بعد توليه رئاسة الوزراء فى عام 1980، ليشكل أول حكومة لبلاده بعد الاستعمار، وللتجاوزفترة حكمه ال 27 عامًا. تعرضت اتحاد شعب زيمبابوى الأفريقى (زابو) لانشقاق تمخض عنه ولادة حركة زانو «بقيادة سيشولى وروبرت موغابي، تعمل على المساواة بين البيض والسود وتتفاوض مع البريطانيين من أجل إقامة اتحاد أفريقيا الوسطى دون نتيجة. ويقول منتقدو موجابي، إنه يقوم بتشديد قبضته على السلطة، بإدخال تعديلات على مؤسسات الدولة، وتزوير الانتخابات البرلمانية التى جرت عام 2000، وانتخابات الرياسة عام 2003، وهو ما دعا قوى معارضة إلى مقاطعة انتخابات اختيار أعضاء مجلس الشيوخ التى جرت أواخر نوفمبر 2005، ووصفوها بأنها «مهزلة». وفى وادى النيل شغل عمر حسن أحمد البشير، مقعد رئيس جمهورية السودان، ورئيس حزب المؤتمر الوطني، وتولى الحكم فى عام 1989بعد أن قاد انقلاًبا عسكريًا على حكومة الأحزاب الديموقراطية، برئاسة رئيس الوزراء فى تلك الفترة الصادق المهدي، وتولى البشير بعد الانقلاب منصب رئيس مجلس قيادة ثورة الإنقاذ الوطنى فى 30 يونيو 1989، وجمع بين منصب رئيس الحكومة ومنصب رئيس الدولة الشرفى حتى الآن، وفى 26 أبريل 2010 أُعيد انتخابه رئيسًا فى أول «انتخابات تعددية» منذ استلامه للسلطة. مقاليد الأمور بيد البشير لفترة تزيد عن 25 عامًا، شهدت جدلا واسعًا بسبب اشتراك مجندين تابعين لحكومته أو موالين لها فى جرائم الحرب فى البلاد سواء فى دارفور أو فى جنوب السودان ، ما أدى إلى انفصال الجنوب، على أثر انتهاء أكبر حرب أهلية فى القارة السمراء.