5 - يبدو أن "الربيع العربي", بدأ يغزو أيضا القارة السمراء, حيث أعلن رئيس بوركينا فاسو بليز كومباوري, تنحيه عن الحكم في 30 أكتوبر الماضي, تحت ضغط تدخل الجيش, على إثر احتجاجات شعبية عارمة. وكان آلاف المتظاهرين في بوركينا فاسو, معظمهم من الشباب, خرجوا في مظاهرات حاشدة في ميدان الأمة بالعاصمة واغادوغو, ابتداء من 15 أكتوبر الماضي, احتجاجا على إعلان كومباوري, الذي استمر في الحكم 25 عاما, تعديل المادة 37 من دستور البلاد, للسماح له بالترشّح لولاية رئاسية جديدة. وسيطر العنف على المشهد منذ 30 أكتوبر الماضي، وشهد هذا اليوم إضرام النار في بيوت مساعدي كومباوري وأقربائهم، دفع الجيش البوركيني إلى التحرك وإجبار الرئيس على التنحي. ورغم أن قائد الجيش أونوريه تراوري، نصَّب نفسه رئيسا عقب تنحي كومباوري، إلا أنه سرعان ما أعلن أحد قادة الحرس الرئاسي إسحاق زيدا في 31 أكتوبر , توليه مقاليد الرئاسة, وقد أعلن الجيش البوركيني تأييده لزيدا, لينهي صراعا على السلطة داخل القوات المسلحة. وإلى جانب تولّيه مقاليد البلاد، أعلن زيدا تعليق العمل بأحكام دستور عام 1991، وهو الدستور نفسه الذي تسبّب في اندلاع الاحتجاجات الشعبية، وذلك حين قرر كومباوري تعديل المادة 37 منه للسماح له بالترشّح لولاية جديدة. ونقلت وكالة الأنباء الفرنسية عن زيدا القول في بيان له في مطلع نوفمبر إنه سيتم تشكيل هيئة انتقالية في البلاد بالتوافق مع "جميع القوى الحية"، ضمانا لمرحلة انتقالية محددة، ولتهيئة الظروف للعودة نحو النظام الدستوري العادي للبلاد, التي يربو عدد سكانها على 17 مليون نسمة, ويشكل المسلمون نحو 61% من مجملهم. ويبدو أن الأمور في هذه الدولة, التي تقع في غرب إفريقيا, مازالت بعيدة عن الاستقرار, حيث احتشد مئات المتظاهرين مجددا في ميدان الأمة, وسط واغادوغو, في 2 أكتوبر, احتجاجا على ما سموه استيلاء الجيش على السلطة, واختيار إسحاق زيدا, أحد قادة الحرس الرئاسي, لقيادة البلاد خلال المرحلة الانتقالية بعد تنحي الرئيس بليز كومباوري. واللافت إلى الانتباه أن تجربة الربيع العربي بدت حاضرة بشكل كبير في أذهان الشباب البوركيني الذي انتفض ضد كومباورى، فما حدث في تونس تحديدا, كان مهما ومحفزا لهم. ونقل موقع "إنترناشيونال بيزنيس" الأمريكي عن شخصيات معارضة في بوركينا فاسو قولها في 2 أكتوبر إن الاحتجاجات التي شهدتها بلادهم بمثابة "ربيع بوركينا فاسو, مثل الربيع العربي". كما أشار الموقع إلى أن مجريات الأحداث في بوركينا فاسو تبدو مشابها لما شهدته دول الربيع العربي في 2011، ولكنه ليس من الواضح، ما إذا كانت انتفاضة بوركينا فاسو ستحدث أثرا في بقية دول غرب القارة الإفريقية. وتابع الموقع في تقرير له أن دول الربيع العربي كانت تعاني من مشكلات اقتصادية وسياسية واجتماعية، أدت كلها إلى انتفاضات شعبية، كان العامل المشترك فيها هو المشاركة الشبابية, التي قادت الاحتجاجات وحركت الجماعات السياسية. وأشار إلى أن 60% من سكان بوركينا فاسو، تحت سن 25 عاما، ولم يروا سوى بليز كومباوري رئيسا للبلاد، كما أن الفساد الاقتصادي أدى إلى إشعال غضب الشباب، فعلى الرغم من تحقيق الاقتصاد معدل نمو وصل إلى 7% في 2012، فإن نصف سكان البلاد يعيشون تحت خط الفقر. وبدورها, ذكرت قناة "الجزيرة" أن "هناك الكثير من القواسم المشتركة بين الربيع العربي وما يحدث في بوركينا فاسو، فكلاهما فعل شبابي يهدف إلى التغيير والتخلص من الديكتاتورية وحكم الفرد، ويسعى إلى تجسيد إرادة الشعب في الحرية والعيش الكريم". كما ذكرت صحيفة "الجارديان" البريطانية في تقرير لها في 3 نوفمبر أن سقوط كومباوري -كما هو الحال مع كثير من الحكام المستبدين- كان مفاجئا له وأن "الانقلاب العسكري" فكرة عتيقة لم تعد تجدي نفعا لأن الشعوب الإفريقية باتت أرشد مما كانت وأقل تعلقا بقدرات ومناقب العسكر. وتابعت الصحيفة أن الاتجاه نحو بداية ديمقراطية جديدة في بوركينا فاسو وبقية الدول الإفريقية, هو الأكثر ترجيحا, وهذا هو ما يصر عليه الاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة بتسليم سريع للسلطة للمدنيين. ورغم أن انتفاضة البوركينيين -التي يفضلون تسميتها ثورة- استطاعت إرغام كومباورى على الرحيل، لا يزال القلق الشعور الأبرز في ظل غياب محددات واضحة لمسار "المرحلة الانتقالية". كما يخشى كثيرون في بوركينا فاسو أن يكون ما حدث مجرد تغيير للكراسي, ورقما آخر في سلسلة الانقلابات التي شهدها هذا البلد منذ استقلاله عن فرنسا سنة 1960، لذلك ما زالوا يرفضون تولي الجيش تسيير المرحلة الانتقالية، ويطالبون بأن يسيرها المدنيون. وبدورهم, يخشى الشباب محاولة الطبقة السياسية التقليدية ركوب موجة التغيير والالتفاف على انتفاضتهم، خاصة أنهم يعدون هذه الطبقة جزءا لا يتجزأ من حكم كومباورى, الذي ثاروا عليه ويرفضون عودته، سواء تجسد في الطبقة السياسية أو في العسكر, أي أن الشباب البوركيني يعيش قلقا من المستقبل، وفي الوقت ذاته, يحدوه الأمل في غد يتمتع فيه بالحرية والرخاء. يشار إلى أن بوركينا فاسو غير الساحلية, هي واحدة من أفقر بلدان إفريقيا, لكنها حليف مهم لفرنسا والولايات المتحدة في الحرب ضد "الجماعات الجهادية"، وتستخدم باريس وواشنطن القواعد العسكرية البوركينية, في معركتهما ضد الجماعات التابعة لتنظيم القاعدة في منطقة الساحل شبه الصحراوية جنوب الصحراء الكبرى.