يواصل نبيل عتمان كاتم أسرار أنيس منصور سرد ذكرياته مع الكاتب الكبير، وما حدث فى الفترة التى عاشها معه والتى رأى فيها عظماء مصر والعالم، ويعترف أنه عاش مرتين.. الأولى قبل أنيس، والثانية معه، رأى فيها عظماء مصر والعالم، رأى بعينيه عزيمة المشير أحمد إسماعيل، وقوة المشير الجسمى، ودهاء المشير أبو غزالة. وتمتع نبيل عتمان من خلال ملازمته أنيس منصور بجمال صباح، وثقافة شادية، وإخلاص فاتن حمامة، وصوت فايزة أحمد، وعيون رغدة، ووطنية أم كلثوم، ومقالب عبدالحليم حافظ، ورشاقة سعاد حسنى. أيام وذكريات.. ومواقف ومقالب تحكيها «أكتوبر» كما سمعتها بالتمام والكمال. اشتغلت مع الأستاذ فى الأخبار ببركة «دعا» الوالدين يتذكر نبيل عتمان كاتم أسرار أنيس منصور أنه اشتغل مع الأستاذ بالصدفة وبركة «دعا» الوالدين يقول: كانت أمى تدعو لى كل صباح وتقول: روح يا ابنى.. ربنا يحبب فيك خلقه ويجعلك فى كل خطوة سلامة، وبالفعل، كما يقول نبيل، أثناء عملى فى حسابات أخبار اليوم طلبنى عم عبد العزيز عبد العليم المدير العام وقال: هتشتغل مع الأستاذ أنيس 15 أو 20 يومًا لحين عودة سكرتيره الخاص إبراهيم الحريرى. وكانت المفاجأة أن «الحريرى» قرر البقاء فى الخارج.. وقرر الأستاذ أن أعمل معه.. ومن 1965 حتى وفاته لم أفارقه.. وكان دائمًا يقول: تحملنى يا نبيل.. فأنت تخصص أنيس منصور.. وللحق فقد تعلمت منه الانضباط.. لكونه كان «ساعة» تمشى على الأرض فمواعيد العمل عنده من 9 صباحًا ل 3 مساء ومن 6 مساء للساعة العاشرة. جميل عارف يحاول الفتك بحازم فودة يقول نبيل عتمان منذ 50 سنة تقريبًا كنت فى مكتب الأستاذ أنيس فى الدور التاسع بأخبار اليوم.. رن جرس التليفون.. وجدت الصحفى حازم فودة يصرخ على التليفون ويقول: انزل بسرعة أنا عايزك ضرورى نزلت على السلم.. فوجدت الأستاذ جميل عارف يحاول افتراس حازم.. وعندما سألت عن السبب قال جميل: حازم أحرجنى أمام ضيوفى وقال لى: لا تشرب سجاير فى المكتب.. من فضلك اشرب سجاير بره. عرفت بعد ذلك أن جميل عارف انتظر حتى خرج الضيوف وهجم على حازم فودة بكل الوسائل الممكنة، وحاول أكله بأسنانه. طلبنى الأستاذ عبد السلام مدير الشئون القانونية للشهادة، وقبل نزولى قلت للأستاذ أنيس: «أعمل إيه»؟ فقال كلمة لا تزال ترن فى أذنى وهى: قل ما يمليه عليه ضميرك ولا تخشى أحدًا.. ومن يومها تأكدت أننى أعمل مع رجل محترم يخاف الله بحق. صلاح منتصر لا يقرأ خط أنيس كان خط الأستاذ أنيس صعبًا جدًا.. لا يُقرأ، لا توجد حروف ولا نقط، لا توجد إلا لوغريتمات تحتاج إلى من يفك طلاسمها.. كنت أجلس بالساعة والساعتين لحل تلك الألغاز الموجودة على الورق.. ثم أعيد كتابتها على الآلة الكاتبة، ويذهب العمود ليراجعه الأستاذ مرة ثانية.. عملية شاقة.. كنت أجد فيها متعة كبيرة لإحساسى بالتميز وفك هذه الطلاسم. يتابع نبيل: كان الأستاذ يخاف على عين القارئ ويقول لازم تراجع المقال «كويس» وتكبر «الفنط» أو البنط لأن عين القارئ تهمنى.. وهو الثروة الحقيقية التى يمتلكها أى كاتب أو فنان. المهنة رئيس تحرير.. والمرتب 300 جنيه يقول نبيل عتمان: كان مرتب أنيس منصور فى أخبار اليوم 300 جنيه مقابل رئاسة تحرير آخر ساعة.. كان ينزل من الدور التاسع كل شهر على السلم ليصرف المرتب من الدور الثالث.. لم يستخدم الأسانسير إلا نادرًا.. المفاجأة أنه كان يوزع نصف مرتبه على العمال قبل ما يدخل مكتبه.. كانوا يعرفون أن ما فى يده ليس ملكًا له.. وأنه لا يرد سائلًا مهما كان.. ويكشف أنه لم يكن يحب الفلوس أبدًا، وكان يمشى بأقل القليل منها.. وتعرض بسبب هذا لمواقف كثيرة محرجة، أتذكر منها أنه عزم وفدًا إعلاميا من الخليج لمطعم البحرين الشهير.. وبعد الغداء.. جاء دفع الحساب فاكتشف أنه لا يوجد معه إلا «مصاريف السكة» أو المواصلات.. وعلى الفور طلب منى دفع الحساب بأى طريقة.. وبالفعل تواصلت مع صاحب المطعم الذى قدر الموقف بعد علمه بالورطة التى وقع فيها الأستاذ. حكاية الصحفى الذى فصله مصطفى أمين كان أنيس منصور يحب أمه جدًا ويحب كل أمهات العالم، ويعتبر المرأة أصل الكون.. وذات مرة.. وكنا فى أخبار اليوم.. جاءت زوجة أحد الصحفيين تشتكى من «حماتها» لابنها الصحفى، فما كان من الزميل أن اتصل بأمه، ووجه لها إهانات بالغة، استرضاء لزوجته.. عنفه الأستاذ بقوة وقال له: لا تهن أمك.. عندما علم مصطفى أمين بالواقعة، تم تشكيل لجنة ثلاثية، وتم فصل الصحفى على مرأى ومسمع من كل الزملاء. ويتذكر أن أحد الصحفيين جاء للأستاذ ليشتكى له انصراف أولاده عنه والتصاقهم بأمهم فقال له هذا أمر طبيعى أن يلجأ الأولاد لأمهم، أما أنت فمثابة زائدة دودية فى جسد الأسرة!! اعتذر أنيس عن السفر.. فاحترقت الطائرة.. وماتت كاميليا كان من عادة الأستاذ أنيس أن يطمئن على أمه فى التليفون قبل السفر وذات مرة اتصل بها وهو فى مطار القاهرة، فوجدها مريضة، فقرر إلغاء تذكرة السفر فورًا، فقامت سلطات المطار بالاتصال بالفنانة كاميليا للسفر على نفس الطائرة بدلًا من الأستاذ.. وكانت عجائب القدر أن الطائرة التى كان مقررًا أن يسافر عليها الأستاذ احترقت فى الجو - فنجا أنيس، وماتت كاميليا، وعاد أنيس لرعاية أمه. يتابع نبيل قائلًا: لم تكن هذه المرة الأولى التى ينجو فيها أنيس من الموت فذات مرة خرج لشراء دواء لأمه، ولم يجده فى الصيدليات القريبة من المنزل فركب مترو مصر الجديدة وبعد نزوله، احترقت العربة التى كان يجلس فيها ومات كل الركاب.. ولذلك عندما كان يمرض، كان يقول لى: لا تقلق يا نبيل: «عمر الشقى بقى». حسنين هيكل يشهد على عقد زواج أنيس منصور ورجاء حجاج يقول نبيل عتمان: نجحت جميلة الجميلات رجاء حجاج فى خطف قلب الأديب الكبير أنيس منصور.. فعندما ما رآها عام 1963 قرر الارتباط بها فورًا، وكان معها طفلتان جميلتان هما منى وعلا.. قال لها: «أولادك فى عينى من جوه» وبالفعل تم تحديد موعد عقد القران، ودعوة كبار الصحفيين والفنانين. ومع أن العلاقة بين أنيس ورجال عبد الناصر لم تكن على ما يرام، خاصة أنهم لم يدافعوا عنه عندما فصله عبد الناصر.. مع هذا فقد طلب أنيس منصور أن يشهد محمد حسنين هيكل على عقد قرانه.. وبالفعل تم الزواج، وكان عمر الأستاذ: وقتها 39 عامًا. سر بكاء الأستاذ بعد سقوط عمارة الحاجة كاملة يقول نبيل عتمان فور سماع نبأ انهيار عمارة الحاجة كاملة بمدينة نصر، ووفاة كل من فيها بكى الأستاذ بكاء شديدًا، وكانت هذه المرة الثالثة التى يبكى فيها أمامى.. الأولى كانت عندما توفيت أمه، والثانية بعد استشهاد الرئيس السادات والثالثة عند انهيار عمارة الحاجة كاملة. سألت الأستاذ عن سر بكائه بهذه الطريقة فقال يانبيل لقد توفيت اليوم قريبة لى كانت فى منزلة أمى، كنت أعطف عليها، وكان لها مصروف شهرى.. وكنت أحس ببركة هذه السيدة فى عملى وصحتى، الآن انقطعت هذه البركة. يضيف عتمان: كان الأستاذ يعطى أى سائل يطلب منه شيئًا وإذا لم تكن معه أموال سائلة، كان يقول لى أدفع أنت يانبيل، ومن الطرائف التى يتذكرها عتمان إن «شحات» إسرائيلى طلب حسنة من الأستاذ أثناء سفره مع الرئيس السادات فى القدس.. عندها طلب الأستاذ «شيكل» من رجل أعمال إسرائيلى وأعطاه للسائل وقال له بالعبرية.. «هذه بضاعتكم ردت إليكم» الإخوانى يؤم المصلين فى مساجد إمبابة يقول نبيل عتمان: الأستاذ أنيس أعترف أنه كان عضوًا عاملاً فى جماعة الإخوان، وأن الذى استقبله هو المرشد الأول للجماعة حسن البنا.. الذى استغل حفظ الأستاذ للقرآن وجعله أمين عام مكتبة الإخوان فى إمبابة، وطلب منه أن يؤم المصلين فى مساجد المنطقة.. ويتذكر أن الأستاذ أنيس كان يطيع أوامر المرشد فى بداية حياته لدرجة أنه كان يذهب لأى مسجد يكلف بالخطابة فيه حتى لو كان بينه وبين مقر سكنه عشرات الكيلو مترات. وفى النهاية، كما يقول عتمان انفصل الأستاذ عن الجماعة، وهو فى عز شبابه لأنه رفض تعليمات المرشد التى تقوم على السمع والطاعة وهى المبادئ التى تتنافى مع مبادئ الأستاذ أنيس. الشيخ كشك: أنيس لا يدفن فى مقابر المسلمين عندما ألَّف أنيس منصور كتاب الوجودية، ودعا فيه إلى التأمل وإعمال العقل وعدم التسليم بكل ما يقال من قبل الشيوخ مؤكدًا أن الله لم يجعل وسيطًا بينه وبين عباده.. تعرض لهجوم ضار من الشيخ عبد الحميد كشك والشيخ أبو زهرة لدرجة أن الشيخ كشك -رحمه الله- رماه بالزندقة والخروج على المله وأوصى بعدم دفنه فى مقابر المسلمين. رفض أنيس منصور التعليق وقال حسبى الله.. وقام بحجز تذكرة الطيران لأداء فريضة الحج وزيارة بيت الله الحرام وقبر النبى محمد (صلى الله عليه وسلم). فى المقابل لم يمر الموقف بسلام حيث عقدت الكاتبة الصحيفة الكبيرة أمينة السعيد رئيس تحرير المصور-آنذاك- مؤتمرًا صحفيًا بنقابة الصحفيين ودافعت دفاعًا مستميتًا عن أنيس منصور، ود.مصطفى محمود الذى تعرض لنفس الهجوم أيضًا، وقالت من العيب أن يزايد هؤلاء الشيوخ على إيمان هؤلاء.. وطالبت مجلس الشعب وقتها بسن تشريع لحماية هذه القامات.