ساقته الأقدار أن يعيش بين الكبار، أن يكون بجوار مصطفى أمين وعلى أمين وإحسان عبد القدوس ومحمد حسنين هيكل، وأن يرى بعينيه عظمة السادات وشموخ صدام حسين وذكاء الملك الحسن، وغموض الملك حسين، وطيبة جعفر نميرى، وكرم معمر القذافى، وصمت حسنى مبارك. إنه نبيل عتمان.. كاتم أسرار أنيس منصور لما يقرب من 50 عامًا، اعترف أنه عاش مرتين.. الأولى قبل أنيس، والثانية معه، رأى فيها عظماء مصر والعالم، رأى بعينيه عزيمة المشير أحمد إسماعيل، وقوة المشير الجمسى، ودهاء المشير أبو غزالة. تمتع نبيل عتمان من خلال ملازمته أنيس منصور بجمال صباح، وثقافة شادية، وإخلاص فاتن حمامة، وصوت فايزة أحمد، وعيون رغدة، ووطنية أم كلثوم، ومقالب عبدالحليم حافظ، ورشاقة سعاد حسنى. أيام وذكريات.. ومواقف ومقالب تحكيها «أكتوبر» كما سمعتها بالتمام والكمال. يقول نبيل عتمان: بتكليف خاص من السادات سافر أنيس منصور إلى ألمانيا فى أغسطس 76.. ومن هناك اتصل بى هاتفيًا وطلب منى قراءة ورقة فى ربع الكف وتنفيذ ما يوجد فيها بالحرف. يقول نبيل دخلت المكتب وفى «الحافظة الجلد».. وجدت الورقة التى تكلم عنها الأستاذ، وجدت فيها تكليفًا من الرئيس السادات بإصدار مجلة تحمل اسم «6 أكتوبر»، وفيها أيضًا «يا أنيس أنت رئيس تحرير.. والمكان دار المعارف.. والصحفيون أنت عارفهم.. عايز مجلة ملهاش مثيل». يتابع عتمان قائلًا.. كلفنى الأستاذ بالذهاب إلى مبنى دار المعارف لمعاينة المكان،.. المفاجأة أننى وجدت فى الدار د. فؤاد إبراهيم مدير عام الأهرام الذى أصبح العضو المنتدب والمسئول عن الأمور الإدارية والمالية للمجلة الوليدة. قلت للأستاذ: أنا اخترت المكتب فى الدور الثامن فقال: المكتب «مش مهم» يا نبيل.. المهم المنتج. الشكر موصول ليوسف السباعى ومشهور أحمد مشهور يقول نبيل عتمان قبل طباعة العدد الأول طلب منى الأستاذ أنيس الاتصال بمكاتب ممدوح سالم رئيس الوزراء ويوسف السباعى رئيس مجلس إدارة الأهرام ومشهور أحمد مشهور رئيس مجلس إدارة المقاولون العرب.. وكان كل واحد من هؤلاء له بصمة ووصلة شكر قبل طباعة العدد الأول رئيس الوزراء قال للأستاذ أنيس: سر على بركة الله.. فالكلمة أمانة وأنت خير من يتحمل أمانة الكلمة.. أما مشهور فقد أمد المؤسسة بماكينة طباعة كانت آنذاك أحدث ماكينة طباعة فى العالم.. أما يوسف السباعى فقد أرسل بعض المهندسين والفنيين لتدريب العاملين فى دار المعارف ولم يمر شهر واحد حتى أصبح فنيو دار المعارف أساتذة فى مجال التشغيل والصيانة.. وهذا يؤكد إخلاص العامل المصرى إذا وجد من يخلص له. عمر التلمسانى يقترح تغيير اسم المجلة من 6 أكتوبر إلى 10 رمضان يتذكر نبيل عتمان.. كاتم أسرار (أنيس منصور) قائلًا: ذات صباح وأنا فى مبنى المؤسسة على الكورنيش اتصل بى صوت أجش، وكأنه قيادة عسكرية وأنا عسكرى عنده وقال فى حدة: فين الأستاذ أنيس؟! قلت له مين حضرتك: قال أنا عمر التلمسانى.. مرشد جماعة الإخوان «الربانية» أخبرته أن الأستاذ «مش موجود» فقال عندما يأتى أبلغه على الفور أننى اتصلت به.. وقل له إن صديقك القديم عمر التلمسانى فى جماعة الإخوان يقول لك يجب تغيير اسم المجلة من 6 أكتوبر إلى 10 رمضان علشان يبقي فيها بركة. عندما أبلغت الأستاذ عما يقول التلمسانى استلقى على الكرسى وضحك لأكثر من دقيقتين وقال: إذا اتصل تانى قل له: إنت معاك فلوس كتير يا مولانا «بره وجوه» وياريتك تعمل مجلة وتسميها 10 رمضان بشرط إن الطباعة تكوت عندى وأسرة التحرير من عندى ويبقى زيادة الخير خيرين». تغيير مقالة إحسان عبد القدوس من خواطر أديب إلى مقهى فى الشارع السياسى سر ربما يكشف لأول مرة حيث يقول نبيل عتمان: عندما رأس الرئيس السادات العدد التجريبى الأول لمجلة أكتوبر وجد به مجموعة من المقالات كان أشهرها مقالة «خواطر أديب» للأستاذ إحسان عبد القدوس.. وعلى الفور طلب الرئيس السادات تغيير اسم المقال من «خواطر أديب» إلى.. على مقهى فى الشارع السياسى. وقال للأستاذ أنيس.. يوجد فى نفس العدد جزء لم ينشر من رواية للدكتور طه حسين.. وفصل من ملحمة الحرافيش لنجيب محفوظ وهما من هما.. ويا أنيس: إحنا عايزين الناس تفهم سياسة.. وقل لإحسان مايزعلش.. أنت على العين والرأس وأنا عايزك تكتب للناس سياسة زى ما بتكتب لهم أدب. وبالفعل ظهر العدد الأول لمجلة أكتوبر بمقالة لإحسان عبد القدوس بعنوان «على مقهى فى الشارع السياسى» وتوالت المقالات بعد ذلك بنفس الاسم وكان لها وقع السحر فى نفوس القراء. دار المعارف تستضيف شباب أكتوبر يتذكر نبيل عتمان بعد تشكيل هيئة تحرير المجلة فى الأعداد التجريبية.. لم يكن لمحررى المجلة أى مكاتب فى المؤسسة.. وأصبح الأستاذ فى حيرة.. كيف يقول لموظف قديم اترك مكتبك لمحرر صغير أو كبير فى مجلة وليدة مازالت فى رحمة الغيب. يقول نبيل: الأستاذ قال للدكتور فؤاد إبراهيم مدير عام الدار والعضو المنتدب من الأهرام «اتصرف» واعرض الأمر بهدوء، بدلاً من اتخاذ قرارات تعسفية. وبالفعل عرض العضو المنتدب على بعض مديرى العموم ترك مكاتبهم لأعضاء هيئة تحرير المجلة الجديدة وكانت المفاجأة أن الموظفين القدامى قاموا بإخلاء المكاتب لأكثر من 80 صحفيًا جديدًا وبعد شهرين أو ثلاثة قاموا بإرادتهم الحرة بإخلاء بعض غرف طوابق الأدوار العاشر والثامن والسابع.. وكان الكل يعمل بنفس راضية.. عمال أكتوبر مع دار المعارف تحت قيادة أنيس منصور.. وكان الأستاذ يقول دائمًا عند لقائه بالعمال فى المطابع «رجالة دار المعارف اسم على مسمى». يا أنيس: أخشى أن تذهب تسجيلات رئاسة الجمهورية لهيكل يقول نبيل عتمان: كانت العلاقة بين الرئيس السادات والأستاذ هيكل مضطربة، وهناك عدم ارتياح بينهما، فهيكل يمثل نظامًا مضى والسادات يمثل نظامًا جديدًا وليس على هوى هيكل. فى هذا الوقت كان السادات يقول للأستاذ أنت عندى أقوى من هيكل يا أنيس.. خذ تسجيلات رئاسة الجمهورية وانشرها، ولا يهمك أى شىء، المهم حافظ على الأمن القومى. يقول عتمان: كان الأستاذ يعطينى تلك الشرائط وكنت أغلق الباب، وأقوم بتفريغها، وبعد الانتهاء منها أذهب فى «نص» الليل وأسلمها للأستاذ.. وأثناء تفريغ أحد الشرائط فوجئت بالسادات يقول لأنيس: من الذى يفرغ لك هذه الشرائط، قال: مدير مكتبى نبيل عتمان.. رجل أمين.. ويعمل معى منذ ربع قرن، وقتها قال أخشى يا أنيس أن تذهب هذه التسجيلات إلى هيكل، فيفعل بها ما يشاء!. مقلب عبد الحليم لعبد الوهاب فى حضور أنيس منصور العلاقة بين أنيس منصور ومحمد عبد الوهاب.. كانت علاقة خاصة، الأستاذ أنيس كان يدرك أن موسيقار الأجيال يخاف من أى شىء حتى القطط.. وذات مساء طلب الأستاذ أنيس من عبد الحليم تسجيل شريط كاسيت بصوت الإعلامى الشهير أحمد سعيد، يقول فيه إن طائرة كوماندوز إسرائيلية، اخترقت المجال الجوى المصرى، وتسلل جنود المظلات الإسرائيلية إلى منطقة المهندسين لخطف محمد عبد الوهاب لأنه يغنى لثورة يوليو ويقود أوركسترا «وطنى الأكبر». يتابع عتمان: لاستكمال الخطة طلب الأستاذ أنيس من موسيقار الأجيال زيارة عبد الحليم حافظ، وفى الطريق قام الأستاذ بتشغيل شريط التسجيل.. عندها طلب عبد الوهاب التوقف فورًا، ونزل من السيارة ولم يدرك أن ما حدث كان بمثابة «مقلب» من الأستاذ أنيس لم يتم الكشف إلاّ بعد أن كشف عبد الحليم حافظ السر. محمد سلطان يبحث عن فايزة فى عيد ميلاد الأستاذ كانت الفنانة فايزة أحمد من المقربين للأستاذ أنيس منصور كانت حريصة على إحياء عيد ميلاده كل عام مع الفنانة رغدة والراقصة شادية والمبدعة نادية الجندى.. وكانت حريصة أيضًا على أن تسمع الأستاذ أى أغنية جديدة ليقول رأيه قبل سماع الجمهور. يتذكر نبيل قبل عرض أغنية «بيت العز يابيتنا» اتصلت فايزة أحمد بمكتب الأستاذ.. فقلت مين حضرتك؟ قالت «أنت مش شايف النور اللى بيكلمك يا نبيل» ومع أنى كنت أعرف أنها فايزة أحمد إلا أننى كنت أتبع تعليمات الأستاذ أنيس وهى لا تبادر أحدًا باسمه حتى يقول هو من. فى آخر عيد ميلاد للأستاذ أنيس جاء الملحن الكبير محمد سلطان زوج الراحلة فايزة أحمد، وأحيا الحفل بألحان أغانى الفنانة فايزة أحمد، وكأنه يبحث عنها بين الحضور. قابيل ينجح بامتياز فى التلحين والكتابة! كان الزميل محمد قابيل شفاه الله شعلة من النشاط كما يقول نبيل عتمان.. كان يتنقل بين السابع والثامن والعاشر كأنه طالب فى مدرسة ثانوى.. وكان عامل شو فى أدوار المؤسسة. وإذا غاب يومًا يحس الزملاء أن قابيل مش موجود وكانت له وحشة.. وعندما سألنى الأستاذ عن سر توهج قابيل قلت له الأستاذ قابيل ده مؤلف وملحن وكاتب ومطرب وكل حاجة يا أستاذ قابيل ده سبع صنايع والبخت ضايع... ضحك الأستاذ أنيس وقال طيب.. وبعد يومين دخل الأستاذ صالة التحرير فوجد قابيل «بالعود» يدندن، ويغنى، ويلحن فقال أنا عايزك يا قابيل تكتب 5 أخبار فنية فى 10 دقايق. وتلحن لسيد درويش وتغنى لفريد وسعاد محمد.. وبالفعل نفذ الأستاذ قابيل كل ما طلب منه فى أسرع من البرق.. فربت الأستاذ على كتفه وقال له يا قابيل: إنت فعلًا مالكش حل.!