رغم البطولات التى ترويها الأجيال على مدار ال 41 عاما من انتصارات أكتوبر المجيدة ،إلا أن اللواء محمد التميمى احد أبطال هذه المعركة الذين وقفوا فى الصفوف الأولى ما زال لا يعتبر نفسه بطلا حتى الآن و يرى فقط انه قدم القليل طالما لم ينل الشهادة كمن ضحوا بدمائهم الذكية. وفى لقائه مع «أكتوبر» عاد التميمى بذاكرته إلى ما قبل معركة أكتوبر وتحديدا عندما كان طالبا فى الكلية الحربية ليروى بنبرة من الحزن قائلا: منذ إعلان عبد الناصر قرار التنحى عام 1967 وبعد تطور الأحداث بدأنا الاستعداد لمرحلة علاج ما تركته النكسة من آثار سيئة فى نفوس الشعب، وكنا طواقين لاستعادة الأرض ونحن على ثقة أن ما حدث جاء على غفلة من القدر، استطاع خلالها العدو احتلال أجزاء من قلب الوطن «الجولان وسيناء» وهى مساحات كانت تساوى أربعة أضعاف ما كانت علية إسرائيل فى 4يونيو، بالإضافة لاحتلالها للضفة الغربية بما فيها القدس الشريف، وهو ما أثار غضب الشباب وزاد من حماسهم وجاءوا من كل فج عميق طالبين النضال والجهاد والوقوف إلى جانب زعيمهم عبد الناصر. وواصل التميمى: بعد تخرجى من الكلية الحربية خدمت فى إحدى كتائب الصاعقة لا يمكن أن أنسى بطولات قائدها فقد تعلمت منه الكثير فكان ضمن القوات التى شاركت فى حرب أكتوبر، ثم انتفض التميمى وكأنه يحاول أن يوصلنا إلى قوة حماسه التى كان بها فى المعركة قائلا: فى الخطوط الأولى كان دور الصاعقة وهو التجهيز لحرب أكتوبر والقيام بعمليات عبور متتالية خلف خطوط العدو، وقد عشت وعايشت العديد من العمليات التى نجحت، وكانت قوات الصاعقة موجودة بأمر من الرئيس جمال عبد الناصر وكان دورنا القيام بدوريات بالضفة الشرقية للقناة وبعمل كمائن وألغام وكان وسمى هذا الوقت باسم الدفاع النشط وكانت هذه العمليات ترفع الروح المعنوية للقوات المسلحة ككل، علاوة على الشعب المصرى بعد هزيمة 1967، وأن الغرب يريد أن يشعر العرب ومصر أن ما يزرعه ناصر من قومية عربية ما هو إلا حبر على ورق. وعندما كلف عبد الناصر الفريق سعد الدين الشاذلى بقيادة القوات الخاصة بعمليات خلف خطوط العدو، بالإضافة إلى إحدى الكتائب التابعة للمخابرات العامة وقتها والتى كان هدفها جمع المعلومات عن طريق التعايش مع أهل المكان، بالإضافة إلى المجموعة 39 قتال وكنا نعيش حالة من الحماسة وهنا ابتسم التميمى وهو يغمض عينيه وكأنه يشاهد من خلفها صورة الحرب ثم قال: أذكر أننى شاركت فى أحد أخطر10 مهمات عسكرية والتى أطلق عليها العدو السبت الحزين، حيث تمت يوم 30 مايو 1970 فى ذات اليوم أى قبل ذكرى 5 يونية الثالثة بخمس أيام وكان عبد الناصر طلب إيقاع أكبر قدر من الخسائر فى الأرواح وشدد على أن تبذل الفرقة جهدا أكبر لكى تقوم بأسر أكبر عدد من جنود العدو، وذلك لأنهم قاموا بأعمال عربدة كخطف رادارات وكانوا يقوموا بعمليات وينشرونها تحت اسم «غزو مصر» وكان ذلك يؤثر فى عبد الناصر وفى الجنود لذلك قرر تكبيد العدو خسائر فادحة. وكانت عملية 30 مايو السبب فى وقف إطلاق النار، حيث كان فى العملية كمين مزدوج عند الكيلو 10 وكنا نحن مجموعة، بالإضافة إلى مجموعة السرية الخاصة، وتم التخطيط لعملية 30 مايو وكنا نعتزم خطف الجنود وأسرهم أسوة بالجيش الثالث الذى كان لدية 3 أسرى وكان يريد أن يكون للجيش التانى دور فى أسر الإسرائيليين نظرا لما يحمله ذلك من معان. وفى مساء يوم 29عبرنا القنال بقوارب سحبتها الضفادع البشرية عند الكيلو 16، وحصلنا على المعدات من سرية الضفادع واستخدمنا لانش مطاط حرصا على عدم كشف وجودنا وعبرنا إلى الشط الآخر وأخذنا الأوامر النهائية بضرب أى دورية وحفر كل منا حفرة على «تلة» واتخذنا مواقفنا طرق التمويه التى تدربنا عليها فى السابق، وفى حوالى الساعة السادسة مرت طائرة استطلاع إسرائيلية «بيل 47» على ارتفاع منخفض فى عملية استطلاعية قبل مرور أى دورية وكانت تحمل ثلاثة أشخاص وكنا نشعر وقتها بتوتر وقلق، لأنه لو تم كشف أى منا ستفشل المهمة، وفى تمام الساعة 7.30 مرت دبابتين إسرائلتين من جهة رأس العش عند الكيلو عشرة وهى منطقة القطاع الشمالى وهاجمنهم بالضرب بشكل عشوائى ولم يكتشفوا أمرنا وكنت أنا وزملائى فى حالة ترقب وانتظار وكنا نشعر بالحر الشديد، بالإضافة إلى أننا لم نتناول أى طعام وفى حوالى الساعة 11 صباحا شعرنا بأصوات ضرب بشكل شديد، وعلمنا بعد ذلك أنها عملية المجموعة الأخرى، حيث تمكنوا من ضرب طابور مدرع للعدو ونجحوا فى أسر أحد أفراد العدو بعدها بربع ساعة طلب منا قادتنا أن نحقق هدفا مثلما حققته المجموعة الأخرى، وفى وقت كانت فيه الشمس شديدة جدا وكنا بلا مؤن ولا عتاد سوى الأسلحة الخفيفة، فوجئنا بمجموعة من العدو ولكن القيادة حذرتنا من الاشتباك لقلة عددنا، ولأن الطيران الإسرائيلى فى حالة تأهب وبالفعل لم نشتبك ونفذنا التعليمات وكان بهذه الدورية سيارة جيب وأخرى نصف جنزير والحقيقة أنى ندمت ندما شديد على تأخرنا فى أداء المهمة وبعد مرور ساعات قليلة تلقيت إشارة فحواها أن الضفادع البشرية سوف تقوم بسحبنا ليلا ومع غروب الشمس تلقيت إشارة من القيادة بأن هناك دورية، وحذرت من الاشتباك لأن القوات المتواجدة فى ذلك الوقت هى اللواء جولانى مظلات وكانت تلك الفترة معروفة بالشراسة، حيث كانت أغلب مقاتليها من ملاجئ أوروبا وآسيا ومعروفين بكراهيتهم الشديدة للعرب، ونحن كنا مسلحين ببنادق آلية وقنبلتين أحدهما دفاعية وأخرى هجومية، واتخذت قرار الاشتباك بعد إقناع زملائى بأنها فرصتنا، وبالفعل خرجت أفراد المجموعة من الحفر رغم عدم علمنا بحجم دورية العدو وقمنا بتكليف أحد زملائنا بضرب الدورية وقام بالتصويب فى أول مرة، ولكن جاءت الضربة إلى جوار الجانب الأيمن للدبابة فخاب أملنا وشعرت بأن المهمة قد انتهت قبل أن تبدأ إلا زميلنا المكلف بالضربة خرج مسرعا من مكانة وأخذ وضع الاستعداد الجيد وقام بتوجيه ضربة أخرى إلى الهدف فأصابها بضربة وساعد وجود القنابل الدفاعية معهم على تفجير عربات الدورية وتمزيق من بداخلها من جنود إلى أشلاء، وسط ذهول وفرحة لا توصف بنجاحنا تكبيد العدو بخسائر فى الأرواح واستطعنا أسر أحد الجنود وكان شديد البنية برتبة رقيب، وقد حاول الفرار بتوجيه ضربة قاتلة لى إلا أننى استطعت المقاومة، ولم يكن فى حوزتى أية ذخيرة، ورغم إصابتى فى فمى وسقوط أسنانى من شدة العنف المستخدم فإننى لم أشعر بذلك من فرط حرصى على تنفيذ المهمة ولم تتجاوز تلك العملية أكثر من دقيقتين وقد علمت من المخابرات بعد ذلك أن هذا الأسير أدلى بمعلومات كثيرة وكنت فى ذلك الوقت برتبة ملازم أول. وواصل اللواء محمد التميمى فتح أسرار خزائن ذكرياته قائلا لقد عانينا كثيرا أثناء عبور الضفة الأخرى للقنال بسبب مقاومة الأسير واضطررنا إلى حملة وكاد أن يغرق منا أثناء عبور البحر إلا أننى وزملائى استطعنا ملاحقته وقد بدا رد فعل العدو عنيف، حيث قامت المدفعية والطيران بقذف شديد فى البحر والجو حتى ظنت القيادة أننا قتلنا إلا أن الضفادع البشرية عثرت على أنا وأحد زملائى محتجزين الأسير، وسمعنا من على الضفة الأخرى أصوات الاحتفال بوصولنا، وعلى الشط الأخر وجدنا قائد الجيش وقائد الصاعقة فى استقبالنا، كما استضفنا برنامج حوار فتوح للإعلامية همت مصطفى ثم التقى بنا عبد الناصر كعهدة للاحتفال بعودة الجنود من أبرز 10 عمليات قامت بها الصاعقة وكانت أحد أسباب وقف إطلاق النار. وبعد وقف إطلاق النار بدأنا نستعد لمرحلة أكبر حيث جاء السادات استعداد للمعركة وكنت فى رتبة نقيب وقد تم إرسالنا إلى ليبيا بناء على طلب من القذافى لحفظ نظام الحكم الجديد فى ليبيا، وقد كنا نقوم بتدريب شديد وكانت أجسادنا تدرب فى لبيبا، ولكن قلوبنا كانت على الجبهة وعندما عدنا إلى أرض الوطن وبدأت حرب أكتوبر وكنا مكلفين بصد قوات احتياط العدو حتى لا تعيق عبور القوات المصرية، وبمجرد انتهاء الضربة الجوية أوصلناهم للضفة الأخرى وتمكنا من إيقاف قوات العدو أكثر من 60 ساعة وكان المطلوب إيقاف تلك القوات لمدة ستة ساعات فقط، وأثبتنا بالدليل القاطع أن إسرائيل ليست أسطورة وأن ما حدث من هزيمة ما هى إلا كبوة سرعان ما استعدنا قوتنا وأمجادنا. وصمت التميمى للحظات ثم وجه نظره إلى أحد أركان منزلة حيث كان يحتفظ بعلم إسرائيلى عليه دم أحد أصدقائه ورفاقه فى الذى تكمن أحد القناصة اليهود من إطلاق النار علية أثناء نزعة العلم الإسرائيلى من فوق إحدى النقط المحررة يوم 8 أكتوبر قبل الغروب فى المحور الأوسط عند نقطة تلاقى احتياطيات النجدة وكان العدو يحاول الوصول لها بأى طريقة نظر لموقعها المتميز لأنها تتحكم فى التبة مما يمنع أى جندى من العبور وكان هدفنا من السيطرة على ذلك الموقع وبالفعل تمكنا من ذلك. وقال اللواء التميمى: عندما تحل ذكرى أكتوبر أتذكر على الفور يوم 17 أكتوبر عندما قامت الصاعقة بعملية فى منطقة الملاحات وكانت محاطة بالبحر من كافة الجهات وكانت عبارة عن لوح زجاج وأعلاه الهدف ولا يوجد طريق للوصول سوى طريق واحد عند آخر نقطة سقطت من النقط القوية. ثم نظر التميمى بحزن إلى صورة شقيقة الذى كان بسلاح المهندسين واستشهد فى 19 أكتوبر. وقال عندما علمت بأن العدو قتلة بطريقة وحشية بدفنه حيا هو وأربعة من زملائه، وبعد انتهاء الحرب وأثناء قيام العدو بالبحث عن رفات ذويهم وبعد علمهم بمشاركتى فى قتل إسرائيليين ودفنهم حاولوا أن يعرفوا منى أماكن جثث جنودهم إلا أننى رفضت الإدلاء بأى معلومات قبل تقديم إسرائيل اعتذار رسمى على قتلهم أخى بهذه الطريقة وبالفعل استلمت خطاب من المخابرات الحربية فيه اعتذار من إسرائيل على طريقة قتل أخى. وهنا توقف التميمى عن الكلام ليأخذنا إلى ما بعد 41 عاما على انتصارات أكتوبر قائلا: الآن أحلم بالكثير لمصر ولكنى متابع لما تتعرض له المنطقة العربية والإسلامية خاصة مصر وهو شر عظيم لم تتعرض له فى يوم من الأيام، فلم تواجهه فى غزوة التتار الهمجية ولا خطر الصليبيين ولا الهكسوس والفرس، فالخطر اليوم متمثل فى وجود عدو مسلم من الداخل والمنطقة العربية مرت بنفس الظروف والمطلوب منا التكاتف.