اعتنق الدستور المصرى الجديد ما سبق أن دعونا إليه فى مقالات متعددة نُشرت بمجلة أكتوبر فى الأعداد السابقة، عن ضرورة تقليص السلطات الدستورية لرئيس الجمهورية فى الدستور الجديد لسنة 2013، ومع ذلك فما زالت سلطات رئيس الجمهورية كبيرة وإن كانت أقل من سلطاته فى الدساتير السابقة، وقد تعرّضنا لسلطات رئيس الجمهورية فى مقالين سابقين عن المركز الدستورى للرئيس المنتخب وعن السلطات الدستورية لرئيس الجمهورية، وسوف نتناول فى هذا المقال باقى الصلاحيات الدستورية لرئيس الدولة، وذلك فى البنود التالية: أولاً: حق رئيس الجمهورية فى تعيين الموظفين المدنيين، والعسكريين، والممثلين السياسيين، وإعفاؤهم من مناصبهم: أعطت المادة مائة وثلاثة وخمسون من الدستور المصرى الجديد لسنة 2013 رئيس الجمهورية الحق فى تعيين الموظفين المدنيين، والعسكريين، والممثلين السياسيين، وحق إعفائهم من مناصبهم، كما أن له الحق فى أن يعتمد الممثلين السياسيين للدول والهيئات الأجنبية، وذلك على النحو الذى تبينه القوانين الأخرى المتعلقة بهذه الموضوعات. ونحن نرى أن هذه المادة تتفق مع النظرية العامة فى القانون الدستورى المصرى والمقارن والتى تجعل سلطة التعيين فى الوظائف سالفة الذكر هى سلطة خالصة لرئيس الدولة لأنها المظهر الخارجى الخاص بممارسته لوظيفته الدستورية كرئيس للدولة. *** ثانياً: حق رئيس الجمهورية فى إعلان حالة الطوارئ، وضرورة عرض هذا الإعلان على مجلس النواب: أجازت المادة مائة وأربعة وخمسون من الدستور المصرى الجديد لسنة 2013 لرئيس الجمهورية الحق فى إعلان حالة الطوارئ بعد اخذ رأى مجلس الوزراء، على النحو الذى ينظمه القانون، ويجب عرض هذا الإعلان على مجلس النواب خلال الأيام السبعة التالية ليقرر ما يراه بشأنه. وإذا حدث الإعلان فى غير دور الانعقاد العادي، وجب دعوة المجلس للانعقاد فورًا للعرض عليه. وفى جميع الأحوال تجب موافقة أغلبية عدد أعضاء المجلس على إعلان حالة الطوارئ، ويكون إعلانها لمدة محددة لا تجاوز ثلاثة أشهر، ولا تُمد إلا لمدة أخرى مماثلة، بعد موافقة ثلثى عدد أعضاء المجلس. وإذا كان المجلس غير قائم، يعرض الأمر على مجلس الوزراء للموافقة، على أن يُعرض على مجلس النواب الجديد فى أول اجتماع له. ولا يجوز حل مجلس النواب أثناء سريان حالة الطوارئ. ونحن نرى أن هذه المادة تتفق اتفاقاً كاملاً مع النظرية العامة فى القانون الدستورى المصرى والمقارن والتى تخول لرئيس الجمهورية الحق فى إعلان حالة الطوارئ، وضرورة عرض هذا الإعلان على مجلس النواب، وذلك لأن هذا الحق هو المظهر المعبر عن ممارسته لوظيفته كرئيس للدولة ومن أهم تلك الوظائف إعلان حالة الطوارئ. *** ثالثاً: حق رئيس الجمهورية فى العفو عن العقوبة، أو تخفيفها بعد اخذ رأى مجلس الوزراء: أكدت المادة مائة وخمسة وخمسون من الدستور المصرى الجديد لسنة 2013 حق رئيس الجمهورية فى العفو عن ال عقوبة، أو تخفيفها بعد اخذ رأى مجلس الوزراء، ولا يكون العفو الشامل إلا بقانون، يُقر بموافقة أغلبية أعضاء مجلس النواب. ونحن نرى أن حكم هذه المادة تكاد تجمع عليها الدساتير المقارنة والنظرية العامة فى القانون الدستورى المصرى والمقارن والتى تعطى لرئيس الجمهورية الحق فى العفو عن العقوبة، أو تخفيفها بعد اخذ رأى مجلس الوزراء. *** رابعاً: حق رئيس الجمهورية فى اتخاذ التدابير الدستورية والقانونية المناسبة فى الحالات الطارئة: تناولت المادة مائة وستة وخمسون من الدستور المصرى الجديد لسنة 2013 أنه إذا حدث فى غير دور انعقاد مجلس النواب ما يوجب الإسراع فى اتخاذ تدابير لا تحتمل التأخير، يدعو رئيس الجمهورية المجلس لانعقاد طارئ لعرض الأمر عليه. وإذا كان مجلس النواب غير قائم، يجوز لرئيس الجمهورية إصدار قرارات بقوانين، على أن يتم عرضها ومناقشتها والموافقة عليها خلال خمسة عشر يوماً من انعقاد المجلس الجديد، فإذا لم تُعرض وتناقش أو إذا عُرضت ولم يقرها المجلس، زال بأثر رجعى ما كان لها من قوة القانون، دون حاجة إلى إصدار قرار بذلك، إلا إذا رأى المجلس اعتماد نفاذها فى الفترة السابقة، أو تسوية ما ترتب عليها من آثار. ونحن نرى أن هذه المادة قد تأثر فيها المشرع الدستورى المصرى بالدستور الفرنسى لسنة 1958 وذلك فى شأن حق رئيس الجمهورية فى اتخاذ التدابير المناسبة فى الحالات الطارئة علماً أن هذه المادة كان يوجد مثيل لها فى الدساتير المصرية السابقة من سنة 1971 وحتى الدستور الحالى. *** خامساً: حق رئيس الجمهورية فى دعوة الناخبين للاستفتاء فى المسائل التى تتصل بمصالح البلاد العليا: أجازت المادة مائة وسبعة وخمسون من الدستور المصرى الجديد لسنة 2013 لرئيس الجمهورية أن يدعو الناخبين للاستفتاء فى المسائل التى تتصل بمصالح البلاد العليا، وذلك فيما لا يخالف أحكام الدستور. وإذا اشتملت الدعوة للاستفتاء على أكثر من مسألة، وجب التصويت على كل واحدة منها. ونحن نرى أن هذه المادة تشكل تعبير صادقاً عن الممارسة الديمقراطية الصحيحة وعلى وجه الخصوص فى حالة وجود خلاف بين رئيس الجمهورية أو الحكومة أو مجلس النواب وهو حق رئيس الجمهورية فى دعوة الناخبين للاستفتاء فى المسائل التى تتصل بمصالح البلاد العليا. *** سادساً: الجهة المختصة بقبول استقالة رئيس الجمهورية: حددت المادة مائة وثمانية وخمسون من الدستور المصرى الجديد لسنة 2013 أنه لرئيس الجمهورية أن يقدم استقالته إلى مجلس النواب فإذا كان المجلس غير قائم، قدمها إلى الجمعية العامة للمحكمة الدستورية العليا. *** وسوف نتناول شرح المسئوليات الدستورية والقانونية المختلفة لرئيس الدولة فى الدستور الجديد فى مقال قادم إن شاء الله تعالى.