«شهدت سنوات ما بعد ثورة 25 يناير تدهورا كبيرا للمناطق والمبانى التراثية، وذلك نتيجة لغياب الدولة وشيوع الفوضى وتدنى الأداء الأمنى، الذى أتاح الفرصة لظهور عمليات سطو ونهب منظم للمنشآت التاريخية فى قاهرة المعز، حيث كانت فى البداية تتم سرقة حشوات الأبواب والمنابر حتى وصلت إلى سرقة الأبواب والقطع المتحفية بأكملها، بالإضافة إلى التعدى على حرم الآثار بالبناء العشوائى، الذى حول منطقة الدرب الأحمر التى تعد نموذجا للإحياء العمرانى وتضم 56 أثرا اسلاميا إلى مسخ قبيح وشوهت العديد من المناطق الأخرى فى القاهرة الفاطمية التى أصبحت مهددة بالخروج من قائمة تراث الإنسانية». هذاما صرحت به د. جليلة القاضى مديرة مركز الأبحاث الفرنسى من أجل التنمية خلال ندوة بمكتبة القاهرة الكبرى، بحضور الكاتب الصحفى جمال الغيطانى والكاتبة الصحفية فريدة الشوباشى والمهندسة المعمارية أمنية عبد البر وبعض المرشدين السياحيين والمهتمين بالآثار. وأضافت القاضى: «إن الخراب الذى يهدد إرثنا الثقافى يحتاج إلى انتفاضة لكى لا نستيقظ فى يوم فنجد أن مدننا التاريخية فقدت طابعها المميز دون رجعة، حيث أصبحت تماثل الأحياء العشوائية بعد تجريدها من عناصرها المعمارية من أبواب ومشربيات ونزع بلاط الأرضيات» إن هذا السيناريو المرعب ليس ببعيد، فالبدايات تؤدى حتما إليه، لذا أصبح من الضرورى إطلاق حملة تتبناها مكتبة القاهرة الكبرى لإطلاق صرخة مدوية من أجل وضع حد لهذه العمليات التخريبية وفضحها للحفاظ على التراث، فلن يسامحنا التاريخ إذا تقاعسنا وسوف تلعننا الأجيال القادمة لصمتنا على تبديد كنوز غير متجددة». وأعلنت القاضى عن تقديم المكتبة بلاغاً للنائب العام بضرورة التحقيق فى كافة البلاغات المقدمة عن سرقة الآثار، فضلًا عن تشكيل لجنة لفحص جرائم انتهاكات الآثار. وفى السياق ذاته قال الكاتب الصحفى جمال الغيطانى موجهه حديثه لوزير الاثار محمد إبراهيم قائلا «آثار مصر ليست ملكا لك ولابد أن تعلم أنك مؤقت وزائل»، مضيفًا أن هذا الوزير هو من أخفى جريمة متحف الفن الإسلامى حينما لم يبلغ عنها اليونيسكو، مطالبا رئيس الوزراء أن يحاسب وزير الآثار على المخالفات التى تواجهها الآثار المصرية. ومن جانبها قالت أمنية عبد البر مهندسة معمارية متخصصة فى ترميم المدن والمبانى التاريخية وعضو مؤسس فى مبادرة «انقذوا القاهرة» إن القاهرة هى المدينة التاريخية المدرجة على لائحة التراث العالمى بمنطمة اليونسكو، وأصبحت آثارها الإسلامية مكانا لتجارة المخدرات ومقالب القمامة، حيث فقدت المدينة بريقها وقيمتها التاريخية منذ القرن الثالت عشر، مشيرة إلى أن الحكومة تغض النظر عمن يبنون على أراضى الدولة التى هى فى الغالب أراضى وقف غير مشروع بالبناء عليها دون تراخيص ودون أدنى دراسة، مضيفة أن ما يقوم به هؤلاء لا يوصف إلا بالمسخ المعمارى وعدم احترام لخصوصية ومكانة مدينة الألف مئذنة ، وأن المآذن التى كانت تمتاز بارتفاعها وسط المبانى اختفت اليوم أمام الابراج غير المرخصة وبناء تلك الأبراج مخالف لقانون حماية الآثار وسيكون له ضرر اقتصادى بالغ. وشددت عبد البر على تقاعس المسئولين عن أداء مهامهم بحجة الانفلات الأمنى لتبرير تقصيرهم الشديد فى إزالة التعديات وعدم تطبيق المعايير لوقف هذا الهراء، لذلك قامت هى والعديد من الباحثين فى الآثار الإسلامية بعمل مبادرة «أنقذوا القاهرة» من أجل الحفاظ على التراث من السرقة والإهمال. وأضافت أنها ومن ينتمون إلى المبادرة طالبوا محافظ القاهرة بالتصدى لمن يطمسون قيمة القاهرة وآثارها، حيث إن البنية التحتية غير مصممة لتحمل كل هذه المبانى وأصبحت الآثار اليوم عائمة على مياه المجارى وأطنان القمامة، كما أن هناك تضاربًا فى الاختصاصات بين الوزارات والهيئات التى تقع عليها مسئولية الحفاظ على التراث الاسلامى، مشيرة إلى أن مدينة القاهرة القديمة مقسمة إلى 11 حيا بها 11 مسئولًا، بالإضافة إلى وزارة الأوقاف والثقافة والاثار ومحافظ القاهرة، وكل منهم يلقى بالمسئولية على آخرين، مطالبة أن يكون هناك جهة واحدة هى المسئولة عن الأحياء التاريخية. وأكدت عبد البر أن المواثيق الدولية التى صدقت عليها مصر تدين الهدم والبناء العشوائى فى حيز الشوارع التاريخية مثل شارع باب الوزير، شارع سوق السلاح، شارع المعز، وشارع الصليبة، لأن ذلك يهدد النسيج العمرانى للمدينة القديمة. وأشارت إلى أن المشاهد فاضحة وتوضح الحالة الكارثية التى وصلت إليها القاهرة التاريخية والاثار الاسلامية، حيث تعرضت الآثار الإسلامية للسرقة خلال العامين الماضيين ولم يتم ضبط اى من العصابات التى استولت على هذة الكنوز منها حشوات كرسى القارئ بمدرسة السلطان حسن، حشوات نحاسية من الباب الرئيسى بمدرسة السلطان برقوق، حشوات من الباب الرئيسى والمنبر بجامع السلطان المؤيد شيخ، حشوات المنبر بمدرسة السلطان قايتباى، حشوات المنبر بجامع الطنبغا الماردانى، وغيرها. وطالب أعضاء حملة «أنقذوا القاهرة» محافظ القاهرة ببعض الآليات التى من شأنها الحفاظ على القاهرة القديمة والآثار الإسلامية من خلال تجميد تراخيص الهدم والبناء فى القاهرة التاريخية لمدة عام، منع توصيل المرافق للعقارات المخالفة، وتكوين غرفة عمليات يكون من اختصاصها دراسة الوضع الحالى وحصر المخالفات وتفعيل قوانين البناء والهدم وتطوير خطط طويلة المدى تهدف إلى تحسين الأوضاع المعيشية بالأحياء التاريخية. وأشارت إلى قيام عماد عثمان عبد القادر مدير عام الشئون الأثرية بمنطقة الدرب الأحمر والسيدة عائشة بتنفيذ قرار الإزالة بشارع مختار باشا، وجاء تنفيذ هذا القرار بعد عدة سنوات ليردع كل من تسول له نفسه بالبناء المخالف. ومن جانبها قال ممدوح السيد مدير آثار الفسطاط، أنه تلقى تهديدا من وزير الآثار بالتحقيق معه بعدما صرح لوسائل الإعلام بأن المحافظة ردمت أرضا أثرية، مؤكدا أنه تقدم ببلاغ رسمى للرقابة الإدارية. وأضاف أنه حصل على خطابات رسمية من محافظة القاهرة مرسلة لوزارة الآثار تفيد طلب المحافظة استغلال الأرض لإقامة مدرسة فنية أو مستشفى رمد، رغم وجود 30 فدانا بنفس المنطقة ترفض محافظة القاهرة استلامها من وزارة الآثار، وذلك ما نوضحه خلال العدد القادم بصور ضوئية من هذه المستندات.