اختيار الناخب الجزائرى للرئيس عبد العزيز بوتفليقة بعث بعدة رسائل مهمة من بينها إبعاد الجزائر عن شبح وأجواء توتر الربيع العربى حيث يعانى شمال أفريقيا من انحراف الربيع فى تونس وليبيا عن مسار التغيير إلى الغموض والمجهول وإن كانت تونس تحاول ترتيب أوضاعها بشكل أفضل إضافة لدور الرئيس بوتفليقة فى إصلاحات سياسية اتخذها مؤخرا لدعم المناخ الديمقراطى ومحاصرة الإرهاب فى هذه المنطقة الحيوية والاستمرار فى استكمال تحسين الوضع الاقتصادى لبلاده ومع اندلاع ثورات الربيع العربى التى أطاحت برؤساء تونس وليبيا ومصر واليمن، حاول بوتفليقة إدخال إصلاحات دستورية بعد الأحداث التى شهدتها البلاد فى يناير 2011، ووعد بوتفليقة الجزائريين بدستور جديد وإصلاحات سياسية تضمن المزيد من الحريات وتحرير قطاع الإعلام وفتح المجال أمام إنشاء قنوات تلفزيونية خاصة. وبفضل الموارد المالية القياسية التى توفّرت للبلاد من النفط والغاز، تمكّن بوتفليقة من زيادة مخصصات الدعم للسلع الواسعة الاستهلاك والطاقة والنقل، حتى بلغت مخصصات الدعم 21 مليار دولار العام الماضي، وهو ما لم يتوفّر لنظرائه فى تونس وحتى مصر المنهكتين ماديًا واجتماعيًا.. وكان متوقعًا على نطاق واسع أن يفوز بوتفليقة بولاية رابعة، بمجرد إعلان ترشحه مع نجاحه فى الخروج من حرب أهلية فى التسعينيات أتت على الأخضر واليابس وخلّفت 250 ألف قتيل، وهجّرت مليون جزائرى داخليًا و400 ألف آخر نحو الخارج ودمّرت الاقتصاد.. أنصار بوتفليقة نفسه عزفوا على هذا الوتر كثيرًا قبل وخلال الحملة الدعائية، حيث كان هناك تركيز يبدو متعمدا على تذكير الشعب الجزائرى بالجراح التى عاشها طيلة تسعينيات القرن الماضى، وفى نفس الوقت تذكير الشعب بحصيلة الرجل خلال 15 عامًا من الحكم وخاصة فى مجال السلام والمصالحة الوطنية وعودة الأمن ونزول آلاف الإرهابيين من الجبال وعودتهم إلى الحياة الطبيعية بين أفراد الشعب.. كما تم التركيز على الجوانب الاجتماعية والنقلة التى تحققت لملايين من العوائل والأسر الجزائرية فى مجال السكن والشغل والصحة والتعليم وما شهدته البلاد من أعمال فى البنية التحتية. وتشير الأرقام الصادرة عن مؤسسات دولية ذات ثقة إلى أن معدل البطالة فى الجزائر كان فى العام 2000 عند 29% ونزل إلى 9.8% فى العام 2013. فيما تمكن بوتفليقة من إطلاق ثلاثة برامج خماسية للإنفاق العام فى قطاعات البناء والأشغال العامة والسكن والنقل والقطاع الزراعى والتربية والتعليم العالى والتكوين والصحة والرى وتأهيل القطاع الاقتصادى والمقاولات الصغيرة والمتوسطة. وبلغت قيمة البرامج الثلاثة 480 مليار يورو، ما سمح باستلام مليون وحدة سكنية لأصحاب الدخول المتوسطة، وتم الشروع خلال الولاية الثالثة فى انجاز 2.54 مليون وحدة سكنية جديدة بغلاف مالى يناهز 63 مليار دولار ويتوقع استلامها كليا قبل العام 2019. ونجح بوتفليقة فى العام 2007 فى دفع كلى للمديونية الخارجية قبل حلول موعد سدادها، وقدرت قيمة الديون التى دفعها 25 مليار دولار، ولا يتجاوز الدين الخارجى للجزائر عام 2013 ما نسبته 0.4 % من الناتج الداخلى الذى بلغ العام الماضى 209 مليارات دولار. وساهم غياب البرامج القوية لدى منافسى بوتفليقة فى الانتخابات الأخيرة فى إبراز فارق كبير بين رجل يتحدث وفى يده حصيلة مادية، ومن جاء للحديث عن الوعود التى قد تتحقق وقد لا تتحقق إطلاقا فى بلد يعتمد على النفط والغاز فى تحقيق 99.3% من دخل العملة الصعبة. ويعتقد كثير من المراقبين، أن غياب شخصية من الوزن الثقيل لمنافسة بوتفليقة ساهمت فى تكريس فكرة “الذى نعرفه أحسن بكثير من الذى نجهله”، خاصة فى ظل الاعتقاد السائد محليًا وعلى نطاق واسع، أن الانتخابات فى الجزائر مرتبطة فى ذهنية الناخب بالأشخاص ومدى الثقة الذى توضع فيهم وليس البحث عن البرامج. اما قبول الغرب ل بوتفليقة، خاصة وهم يرون أن الجزائر تحت حكمه قد ابلى بلاءً حسنا فى حربه على الإرهاب الدولى، وفى منع آلاف من المهاجرين الأفارقة غير الشرعيين من الوصول إلى سواحل القارة التى أنهكتها الأزمة الاقتصادية العالمية. كما بات ينظر إلى الجزائر، فى ظل حكم بوتفليقة، على أنها شريكا موثوق الجانب فى المجال الاقتصادى والأمنى، وحتى من حيث الحدود الدنيا للحريات والديمقراطية، وهذا ما يهم الغرب عندما ينظر إلى واجهة الأنظمة السياسية فى العالم الثالث، بحسب قول بوحنية أستاذ العلاقات الدولية فى الجامعة الجزائرية. و ينتظر الجزائريون، وعود الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، لتحقيق آمالهم وآحلامهم، لكن هل يستطيع أن يوفى بما وعد به الشارع الجزائرى أم ستواجه عقبات تمنعه من تحقيق ذلك. يذكر أن الرئيس عبد العزيز بوتفليقة فاز بولاية رابعة بنسبة 81.53% فيما حصل منافسه على بن فليس بنسبة 12.18%، وخاض الرئيس عبد العزيز بوتفليقة الانتخابات الرئاسية للمرة الرابعة على التوالى منذ انتخابات 1999. وبلغ عدد الناخبين الذين سجلوا للانتخابات 23 مليون ناخب، حسب وزير الداخلية. بوتفليقة.. مسار ومحطات الرئيس عبد العزيز بوتفليقة من مواليد الثانى مارس سنة 1937 بمدينة وجدة المغربية، حيث كانت تقيم عائلته، خاض معركة التحرير ضد الاستعمار الفرنسى وهو فى ال19 من عمره. وبعد الاستقلال عمل بوتفليقة وزيراً للشباب والسياحة فى أول حكومة جزائرية بعد الاستقلال وهو فى ال25 من عمره، قبل أن يعين وزيراً للخارجية فى 1963 إلى 1979. وخلال فترة عمله الدبلوماسى ساهم بوتفليقة فى الدفاع عن قضايا التحرر والقضية الفلسطينية، وطرد ممثل نظام «الأبارتيد» فى جنوب إفريقيا من أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة. وبعد وفاة الرئيس هوارى بومدين عام 1978 ابتعد عن العمل السياسي، وغادر البلاد لفترة، ليعود إليها فى 1987 ليكون بعدها من موقعى «وثيقة ال18» التى تطالب بإصلاحات سياسية، والتى تلت أحداث الخامس من أكتوبر 1988. وفى عام 1994 عرضت قيادة الجيش على بوتفليقة تسلم الحكم فى ظل أزمة أمنية عنيفة ودامية، لكنه رفض بسبب خلاف يتعلق بصلاحيات الرئيس، حيث كانت مؤسسة الجيش تسيطر على مقاليد الحكم بفعل الأزمة الأمنية وغياب البرلمان. وفى ديسمبر 1998 أعلن نيته الترشح للرئاسيات، وتم انتخابه فى 15 أبريل 1999 رئيساً للجمهورية، وأنجز ما يسمى ب «الوئام المدني» الذى سمح للآلاف من المسلحين من النزول من الجبال، وفى 22 فبراير 2004 أعلن عبدالعزيز بوتفليقة ترشحه لعهدة ثانية وأعيد انتخابه بما يقارب 85 بالمائة من الأصوات. وفى سبتمبر 2005، أقر بوتفليقة قانون المصالحة الوطنية فى البلاد التى وضعت حدا لمأساة عشرية كاملة من الإرهاب عاشتها الجزائر، وسمحت للآلاف من المسلحين بالعودة إلى عائلاتهم وتسوية أوضاعهم، وتعويض عائلات المفقودين وإطلاق 2200 سجين متورطين فى أعمال إرهابية. وفى نوفمبر 2008، قام الرئيس بوتفليقة بتعديل الدستور ليتمكن من الترشح لولاية رئاسية ثالثة فى انتخابات 2009، وهو التعديل الذى اعترضت بشأنه قوى سياسية. وتعرض بوتفليقة فى أبريل 2013 لازمة صحية دخل على أثرها المستشفى فى باريس، لكنه تعافى بشكل تدريجي، حتى أعلن فى 22 فبراير 2014 ترشحه لرئاسيات 17 أبريل.