أصبحت كل الطرق مفتوحة أمام الرئيس الجزائرى عبدالعزيز بوتفليقة، للفوز بفترة رئاسية رابعة خلال الانتخابات الرئاسية التى ستجرى فى 17 أبريل القادم، خاصة أن منافسيه الستة تعرضوا لهزائم انتخابية أمامه فى المرات السابقة، عدا مرشحا جديدا يدخل الانتخابات لأول مرة وهو «عبدالعزيز بلعيد» رئيس جبهة المستقبل. وقد أقر المجلس الدستورى المشرف على الانتخابات قائمة المرشحين الذين استوفوا جميع شروط الترشح، فيما تم استبعاد خمسة مرشحين آخرين وسط انقسامات حادة فى المجتمع الجزائرى إزاء ملابسات المعركة الانتخابية القادمة، والتى ستؤثر على أحوال الجزائر خلال السنوات المقبلة. لائق صحيا أول تلك المخاوف تتعلق بصحة الرئيس بوتفليقة نفسه، الذى يبلغ من العمر 77 عاما، وكان فى الصف الثانى لقيادات جبهة التحرير الجزائرية أثناء حرب الاستقلال، وشغل منصب وزير الخارجية سنوات طويلة أيام حكم الرئيس الراحل هوارى بومدين، وعاد إلى الأضواء بعد انفجار الحرب الدموية بعد إلغاء انتخابات 1991 التى فازت فى جولتها الأولى جبهة الإنقاذ فوزا ساحقا، وقام قائد الجيش الجنرال خالد نزار بإلغاء الانتخابات كما قدم الرئيس الشاذلى بن جديد استقالته، ودخلت الجزائر فى مرحلة الحرب التى عرفت «بالعشرية الحمراء» وسقط فيها أكثر من 150 ألف قتيل، إلى أن ترشح بوتفليقة لأول فترة انتخابية عام 1999، ثم فى 2004 و2009، وحصل فى كل المرات على أغلبية ساحقة. ويعانى بوتفليقة من آثار جلطة دماغية ذهب على إثرها للعلاج فى فرنسا التى مكث بها عدة أشهر، وعاد جالسا على كرسى متحرك، فيما يؤكد المقربون من الحكم أن ذلك المرض لا يعيق الرئيس عن أداء واجباته الرئاسية، وهو ما أكده المجلس الدستورى الذى يفحص ملفات المرشحين، وأقر بأن بوتفليقة لائق صحيا لتولى منصب الرئاسة فى حال فوزه بالفترة الرئاسية الرابعة! استعادة الأمن ويستند بوتفليقة إلى نجاح نظامه فى إنهاء الحرب الدموية، بعد إقرار قانون السلم والصلح، الذى بمقتضاه تم العفو عن كل الذين أدينوا بأحكام قضائية لارتكاب جرائم عنف نظير تسليم أسلحتهم، ونبذ العنف تماما، وبالفعل تمتعت الجزائر باستعادة الأمن إلى حد كبير، وإن عادت جماعات مسلحة لخوض حرب إرهابية فى المناطق الحدودية على الحدود مع تونس والنيجر، وآخرها عملية احتجاز عدد كبير من العمال والفنيين الجزائريين والفرنسيين فى أحد المصانع فى غرب الجزائر، وهو الحادث الذى انتهى بمقتل عدد من الرهائن والإرهابيين الإسلاميين. انتعاش الاقتصاد وساهمت الارتفاعات الكبيرة فى أسعار النفط إلى زيادة هائلة فى دخل الجزائر من العملات الصعبة، فسددت كل ديونها الخارجية، كما وجهت قرابة 730 مليار دولار للصرف على البنى التحتية، وتحسين المشروعات والخدمات العامة، وتم بناء أكثر من مليون وحدة سكنية قدمت للشباب والأسر الجديدة بأسعار زهيدة، وترى المعارضة أن جزءا كبيرا من تلك الأموال قد جرى اختلاسها من قبل مسئولين فى الحكومات وشركات البناء والمقاولات، وأن مناطق كثيرة لاتزال تعانى من سوء الخدمات والافتقار للمياه والكهرباء والمدارس والمستشفيات العامة. وفى بلد يمثل فيه من هم تحت سن 30 سنة أكثر من 70% من السكان، فإن قضية التشغيل وإيجاد وظائف للشباب الذين أطلق عليهم تسمية «الحائطيون» نسبة إلى التسكع فى الشوارع والاستناد إلى الحوائط، احتلت أهمية بالغة وتشير الأرقام الرسمية إلى الهبوط بنسب البطالة من 30% عام 1999 مع الولاية الأولى لبوتفليقة إلى ما دون التسعة فى المائة حاليا. النجاة من الربيع العربي ولابد أن ما حدث من آثار الربيع العربى التى حملت الأحزاب الدينية والمتطرفة إلى الحكم فى ليبيا وتونس ومصر والحرب الدائرة فى سوريا، ساهمت بشكل كبير فى إبعاد الجزائريين عن الانضمام إلى موجة الربيع العربي، خاصة أن الجزائر خاضت تلك التجربة مبكرا عندما شهدت انقساما سياسيا فى الثمانينيات من القرن الماضى فى أعقاب وفاة بومدين، وتولى الشاذلى بن جديد، الذى استجاب للضغوط الأوروبية والأمريكية والداخلية بإجراء انفتاح سياسي، فى ظل موجة قوية دفعت بجبهة الإنقاذ وزعيمها «عباس مدني» إلى التفوق الساحق فى الانتخابات البرلمانية، التى تدخل قائد الجيش الجنرال خالد نزار بإلغائها. ونظر الجزائريون بكثير من الشك إلى دعوات الحرية والتغيير التى ضربت الكثير من البلدان العربية المجاورة، ورغم ذلك انفجرت مظاهرات استمرت عدة أيام تم قمعها بشدة، وسط مخاوف غالبية الجزائريين من عودة الحرب الأهلية والتفجيرات والاغتيالات العشوائية.. كما ساهمت عمليات الاخفاق فى التغيير والعنف البالغ فى ليبيا التى تفككت، وتراجع الأحوال السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية فى تونس، إلى رفض الجزائريين الانجرار إلى حرب سياسية مع النظام، وفضلوا إصلاحه من الداخل عوضا عن تقويضه بالكامل نظرا لأن البدائل إما حكم عسكرى بوليسى صريح أو حكم جبهة الإنقاذ والجماعات الإسلامية من جديد. ما بعد بوتفليقة ويبدو أن مرحلة ما بعد بوتفليقة لاتزال مؤجلة، فعلى الرغم من الحالة الصحية للرئيس، لكن أصبح اختيار الضرورة، ومنعا لفتح ملفات التغيير، وسدا أمام عودة التيارات الإسلامية القوية، إذ يفضل الجزائريون النظام الحالى حتى لو كان هذا النظام من قادة الشرطة والمخابرات، إذ يكفى الآن الاستناد إلى شرعية وثورية وتاريخ جبهة التحرير الجزائرية التى كادت أن تشرف على الوفاة، لولا أن أحياها بوتفليقة الوحيد الآن المنتسب إلى جيل الثورة والجهاد، وهو ما يجعل عملية التغيير مؤجلة ما لم تحدث مفاجآت تفتح صندوق الرعب من جديد فى الجزائر.