مع التغيرات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية المتلاحقة التي تشهدها مصر ما بعد 25 يناير 2011، أصبح المجتمع المصري في حاجة ماسة إلى حركة تعاونية قوية فعالة، وأصبحت الحركة التعاونية المصرية بكافة أنشطتها أمام حاجة ملحة لإعادة هيكلتها وتطوير تشريعاتها وأساليب نشاطها وتبنى بدائل تمويلية جديدة لهذا النشاط عوضاً عن دعم الدولة، ووضع وتطبيق العديد من السياسات والبرامج والأطر التنظيمية والتشريعية الملائمة، وتنمية قدراتها البشرية الشعبية والتنفيذية بما يمكنها من التحرك بتنافسية مع القطاعات الأخرى لخدمة المجتمع المصري وتحقيق طموحاته الاقتصادية والاجتماعية والأمنية والثقافية. إن المنظمات التعاونية وسيلة مهمة لتحقيق الديمقراطية ويمكن أن تقوم بدور مهم فى التعرف على مشاكل الطبقات الفقيرة فى المجتمع وطرح حلول لها مع ما يمثله ذلك من أهمية فى مكافحة الفقر وإعادة توزيع الدخل وتنمية روح الفريق والعمل الجماعي، وإن التعاونيات يمكن أن يكون لها دور مهام فى تحقيق التنمية الاقتصادية فى ظل الأزمة الاقتصادية التى يشهدها الاقتصاد المصرى، حيث إن للتعاونيات فى مجالاتها المختلفة قدرتها على تعبئة جهود ودخول محدودى الدخل وزيادة دورهم فى المشاركة فى التنمية وتحقيق البعد الاجتماعى فيها وكذا خلق الوظائف وحشد الموارد وتدفق الاستثمار وفى إسهامها فى الاقتصاد، وأنها بمختلف أنواعها تعزز المشاركة الكاملة فى التنمية الاقتصادية والاجتماعية، إن التعاونيات جمعيات مستقلة ومملوكة ملكية جماعية ويتم الإشراف عليها بطرق ديمقراطية، لذلك ينبغى أن تعتمد لها الدولة تدابير لتعزيز قدراتها، لأن توازن المجتمع يقتضى وجود القطاعات الثلاثة الخاصة والعامة والتعاونية مما يتطلب أن تضع الحكومة سياسة داعمة وإطاراً قانونياً يتفق مع طبيعة التعاونيات ووظائفها. وفى بلد مثل مصر حيث تمثل المنشآت المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر حوالى 94% من مشروعات القطاع الخاص، وأن أكثر من 40% من مجمل السكان تحت خط الفقر، وشرائح أخرى كبيرة من أصحاب المعاشات والأرامل والمعاقين وغيرهم معرضة للهبوط تحت هذا الخط، فإن تنظيم تلك الشرائح الضخمة فى كيانات كبيرة من خلال العمل التعاونى هو خطوة بالغة الأهمية على طريق التنمية فى مصر ما بعد ثورة 25 يناير 2011. إن تجربة التعاونيات فى مصر كان الهدف الرئيسى منها هو تخفيف أعباء المعيشة على المواطنين من خلال الجهود الأهلية، حيث ظهرت تعاونيات استهلاكية أسسها موظفون بهدف شراء منتجات البقالة بأسعار منخفضة، وتعاونيات بين الصناع والحرفيين لشراء مستلزمات الإنتاج بأسعار أقل، وانتشرت فكرة الإقراض التعاونى بمعنى توفير القروض الميسرة لأعضاء الجمعية التعاونية وهى الفكرة التى أصبحنا فى أمس الحاجة إليها اليوم. التعاونيات فى العالم 1- فى تقرير المجلس الاقتصادى والاجتماعى، وتقرير الحملة العالمية لمواجهة الفقر وكلاهما صدرا عن الأممالمتحدة، يؤكد الأمين العام بان كى مون أن نحو نصف سكان الأرض يستفيدون بدرجة أو بأخرى من التعاونيات التى تلعب أدوارًا اقتصادية واجتماعية مهمة فى مجتمعاتنا الإنسانية وأن دورها أساسى فى مقاومة الفقر وتحقيق السلام الاجتماعى. 2- إن الحركة التعاونية فى دول العالم بجميع أشكالها وأنواعها هى جزء من المجتمع تتأثر به وتؤثر فيه، حيث يتحدد دورها بمدى قوتها وقدرتها على التأثير والتأثر، ولقد انعكست التغيرات الاقتصادية والتحولات الاجتماعية الحديثة بدورها على الحركة التعاونية فى معظم دول العالم، ففى أيسلندا بلغت التعاونيات درجة عالية من التطوير فى جميع فروع الاقتصاد، حتى إنها توصف بأنها الجزيرة التعاونية، وفى إيطاليا تعتبر شبكات تعاونيات العمال هى المؤسسات الأكثر فعالية فى المحافظة على الوظائف عندما تضطر المنشآت الصناعية إلى إغلاق أبوابها، وتعمل الحركة التعاونية فى اليابان ودول جنوب شرق آسيا على تطوير نفسها مع التغيرات الاقتصادية الجديدة والعمل على التنسيق والتكامل فيما بينها لمواجهة المنافسة الضارية من القطاعات الأخرى غير التعاونية، حيث تعمل اليابان على تطوير تعاونياتها بهدف التوسع ونشر قاعدة التعاونيات الأساسية والمشتركة وتجارة الجملة والتنمية الشاملة فى كافة المجالات محلياً وعالمياً. 3- أما عن مساهمة التعاونيات فى الاقتصاد العالمى، فنجد أنها مسئولة عن 40% من الناتج المحلى الزراعى فى الدول التى تطبقها وترعاها وعن 16% من إجمالى الصادرات لتلك الدول. ومن وثائق الأممالمتحدة نجد أن عدد أعضاء التعاونيات حول العالم بلغ 800 مليون تعاونى. وتضم قارة آسيا وحدها نحو 3.5 مليون تعاونى، وفى كندا 40% من السكان أعضاء بمنظمات تعاونية، وفى ألمانيا 20 مليون تعاونى، وفى فنلندا 62% من السكان أعضاء تعاونيات، وفى اليابان ثلث اليابانيين أسر تعاونية، وفى الولاياتالمتحدة 25% من المواطنين تعاونيين، وفى الهند أكثر من 239 مليون مواطن أعضاء تعاونيات.. وفى الدنمارك تسيطر التعاونيات الاستهلاكية على 37% من أسواق الاستهلاك، وفى الكويت 70% من تجارة التجزئة تسيطر عليها التعاونيات. 4- وهكذا نجد أن المنظمات التعاونية هى الوسيلة الأساسية والمهمة لمواجهة مشاكل الطبقات الفقيرة فى كل المجتمعات وهى التى تطرح الحلول لها مع ما يمثله ذلك من أهمية فى مكافحة الفقر وإعادة توزيع الدخل وتنمية روح العمل الجماعى وتحقيق العدالة الاجتماعية. وللتعاونيات فى مجالاتها المختلفة قدرات كبيرة على تعبئة جهود ودخول محدودى الدخل وزيادة دورهم فى المشاركة فى التنمية، أضف إلى ذلك أهميتها فى خلق الوظائف وحشد الموارد وجذب الاستثمارات المحلية، كما أنها بمختلف أنواعها تعزز المشاركة الكاملة فى التنمية الاقتصادية والاجتماعية..لذلك فإن توازن أى مجتمع رأسمالي، يقتضى وجود القطاعات الثلاثة الخاصة والعامة والتعاونية مما يتطلب أن تضع الحكومات سياسة داعمة وإطاراً قانونياً يتفق مع طبيعة التعاونيات ووظائفها. واقع التعاونيات فى مصر 1- لقد ظهر النظام التعاونى فى مصر مع بدايات القرن العشرين حيث تم إنشاء أول تعاونية زراعية عام 1910 وأول تعاونية استهلاكية عام 1912. وأن حركة التعاونيات فى مصر شهدت حالات من الازدهار وأخرى من الاندثار، فعلى سبيل المثال فقد ازدهرت خلال حقبة الستينيات من القرن الماضى مواكبة للفكر الاقتصادى الاشتراكى، وهى تشهد الآن حالة من الجمود أو عدم الاهتمام الواجب أن تحظى به جماهيرياً ومجتمعياً وعلى المستوى الرسمى، وللأسف الشديد فقد ارتبط ذلك بمقولة خاطئة مؤداها أن الفكر التعاونى هو فكر اشتراكى. 2- والنظام التعاونى فى مصر هو أحد صور الملكية الثلاث التى تقرها كل دساتير العالم ومنها الدستور - الذى أوقف العمل به فى 3/7/2013 - وهى الملكية العامة، والملكية الخاصة، والملكية التعاونية. والتعاونيات- كما يعرفها الاتحاد العام للتعاونيات- هى جمعيات مستقلة مؤلفة من أشخاص اتحدوا معاً بملء إرادتهم لاستيفاء احتياجاتهم وتحقيق طموحاتهم الاقتصادية والاجتماعية والثقافية المشتركة عن طريق منشأة يملكونها معاً ويشرفون عليها بصورة ديمقراطية، فى التعاونيات منظمات مجتمع مدنى تبنى على أساس قيم المساعدة الذاتية والمسئولية الذاتية والديمقراطية والمساواة والإنصاف والتضامن، وتأخذ التعاونيات بمبادئ العضوية الطوعية والمفتوحة دون تمييز قائم على أساس الجنس أو الأصل الاجتماعى أو العرقى أو الرأى السياسى أو الدين. الأهمية النسبية للتعاونيات فى الاقتصاد تتكون التعاونيات فى مصر من أكثر 18 ألف جمعية تعاونية تنتظم فى بنايات تعاونية نوعية خمسة من القاعدة إلى القمة مروراً بمنظمات إقليمية ومركزية وعامة وتتحد فى النهاية فى الاتحاد العام للتعاونيات على مستوى الجمهورية. التعاونيات الإنتاجية تساهم التعاونيات الإنتاجية الحرفية بحجم أعمال أكثر من 1.5 مليار جنيه سنوياً من خلال 487 جمعية تعاونية إنتاجية، ويبلغ حجم العضوية 58184 عضوًا، وتقوم التعاونيات الإنتاجية بتصدير المنتجات الحرفية اليدوية والتى تلقى رواجاً فى جميع دول العالم، كما تقوم بتنظيم المعارض إلى المستويين الداخلى والخارجى والوفاء باحتياجات المواطنين من منتجات الحرفيين فى مختلف الأنشطة بالإضافة إلى مشروع تشغيل الشباب بالتعاون مع الصندوق الاجتماعى للتنمية والعديد من المشروعات التعاونية الإنتاجية الحرفية الأخرى.