لم يأت قرار الأممالمتحدة الذى يقضى باعتبار عام 2012 «عام التعاونيات العالمي» من فراغ بل نتيجة لإدراك جيد بالدور المحورى الذى يلعبه هذا القطاع فى منظومة الاقتصاد العالمي، فضلا عما سبق لم يأت القرار وليد اللحظة بل نتيجة لعدد من الدراسات والتقارير الجادة التى عكفت هذه الهيئة الأممية على اصدارها منذ عام 1976، عندما اقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة آلية لإصدار تقرير مفصل كل 24 شهرا عن خبرات الأمم التعاونية اعترافا بدور النظام التعاونى فى التنمية الاقتصادية والاجتماعية خاصة فى البلدان النامية. وعلى الصعيد المصري، يأتى القطاع التعاونى ليكون بمثابة حلقة مهمة من مسيرة الحركة الوطنية منذ أكثر من مائة عام، عندما أنشأ عمر لطفى فى 1910 أول تعاونية زراعية فى الغربية لحماية المزارعين، ومنذ هذا التاريخ زاد الاقبال على هذه التعاونيات لما لها من قدرة على حماية محدودى الدخل من كل صور الاستغلال، فضلا عن نجاحها فى تطوير الزراعة واحداث التوازن فى التجارة الداخلية وتوفير المساكن وتطوير الصناعات الحرفية وتنمية الثروة السمكية، هذا كله ما جعل التطبيق التعاونى فى مصر بمثابة نموذج رائد فى العالم الثالث، يمتلك مقومات هائلة للانطلاق والمساهمة الجادة فى تنفيذ برنامج العمل الوطني. لكن المتابع لأداء قطاع التعاونيات المصرى يلاحظ أن هذا الدور شهد حالة غير مسبوقة من التراجع خلال العقود الثلاثة الأخيرة وبالتحديد بالتزامن مع البدء فى تنفيذ برامج التكيف الهيكلى المفروض من المؤسسات المالية الدولية «البنك والصندوق الدوليين ومنظمة التجارة العالمية»، الذى دفع الحكومة إلى تركيز دعمها للقطاع الخاص مقابل الإهمال بل والتخريب المتعمد لغيره من القطاعات الأخرى، حتى كانت ثورة 25 يناير، التى تطابقت أهدافها المتمثلة فى الحرية والعدالة والكرامة الانسانية مع فلسفة عمل التعاونيات، باعتبار أن التعاون جهاز اقتصادى اجتماعى ديمقراطى يهدف للنهوض بالمجتمع، وذلك بتنظيم جهود الفرد لصالح المجموع وجهود المجموع لصالح الفرد فيما يتعلق بشتى مرافق الحياة انتاجية كانت ام استهلاكية ام خدمية. هكذا بعد أن تطابقت الأهداف، فهل تكون الثورة بمثابة «قبلة الإحياء» للتعاونيات أم أن تتواصل جهود رجال الأعمال للإجهاز على باقى مقدرات هذا القطاع الحيوي؟ ومتى تتحرك الدولة لتعظيم الاستفادة من هذا القطاع البالغ عدد وحداته 18 ألف وحدة بعضوية تزيد على 12 مليون مواطن! وكيف تكون خطة حكومة د. الجنزورى للارتقاء بالتعاونيات لتعزيز مشاركتها فى دعم الاقتصاد؟ د. أحمد عبد الظاهر أستاذ التشريعات التعاونية بجامعة القاهرة رئيس الاتحاد العام للتعاونيات أكد أنه تم الاتفاق مؤخرا مع رئيس الوزراء د. كمال الجنزورى على خطة عمل لتطوير التعاونيات فى الفترة القادمة، موضحا أن هذا الاتفاق يأتى من منطلق إيمان كافة الأطراف بما تمتلكه التعاونيات من قدرة على المساهمة الجادة لإخراج الاقتصاد من الأزمة، التى يمر بها الآن، بما jمتلكه من قدرة على تقديم حلول عملية لسد عجز الموازنة، فضلا عن قدرته على طرح مشروعات صغيرة ومتوسطة للشباب بما يساهم فى حل مشكلة البطالة. عام التعاونيات وقال د. عبدالظاهر إن عام 2012 وهو عام التعاونيات العالمn سيكون بمثابة علامة فارقة فى تاريخ التعاون المصرى الممتد لأكثر من 103 أعوام، لما سيشهده من نهضة فى الأنشطة التعاونية، حيث تم تشكيل «لجنة وطنية» برئاسة د. الجنزورى تكون مسئوليتها وضع خطة عمل أو استراتيجية للنهوض بهذا القطاع ليتولى الدور المنوط به، خاصة أن التعاونيات تمثل إحدى الركائز الاساسية للاقتصاد القومى، والتى تقدر حجم اعمالها بنحو 70 مليار جنيه من خلال 18 ألف جمعية تعاونية واستهلاكية وانتاجية وزراعية، وكذلك فى مجالات الاسكان والثروة المائية، وتضم هذه القطاعات نحو 1.5 مليون فرصة عمل. وأضاف أن المجتمع المصرى أصبح فى حاجة ماسة إلى حركة تعاونية قوية وفاعلة فى ظل المتغيرات المتلاحقة على المستويات الدولية والإقليمية والمحلية، وهذا بدوره يجعل المهمة صعبة للغاية على هذا القطاع الذى فقد جزءًا كبيرًا من مصداقيته خلال السنوات الأخيرة نتيجة سياسات حكومية مقصودة كانت تستهدف تحقيق مزيد من الدعم للقطاع الخاص، موضحا أن غياب الثقافة التعاونية لدى الناس ناتج عن عدم اهتمام الجمعيات بإبراز أنشطتها اعلاميا، لأنها تعمل فى قلب الأسواق وتتعامل مباشرة مع الجماهير، لكن حان الوقت لأن تزيد هذه الجمعيات من تواجدها الإعلامى والجماهيرى. ولفت إلى أن الحركة التعاونية بجميع أنشطتها أمام حاجة ملحة لإعادة هيكلتها وتطوير تشريعاتها وأساليب إدارة انشطتها، وتبنى وسائل تمويلية جديدة لهذا النشاط عوضا عن دعم الدولة ووضع وتطبيق العديد من السياسات والبرامج والأطر التنظيمية والتشريعية الملائمة، وتنمية قدراتها البشرية والشعبية والتنفيذية بما يمكنها من التحرك بتنافسية مع القطاعات الأخرى لخدمة المجتمع وتحقيق طموحاته، مطالبا الحكومة بضرورة الإسراع فى إصدار التشريع التعاونى الموحد، الذى يتدارك ما فات التعاونيات من المواءمة مع سياسات الإصلاح الاقتصادى. واشترط د. عبدالظاهر أن يراعى هذا القانون - التعاون الموحد- حرية ومرونة العمل والنشاط الاقتصادى التعاوني, بما يتكافأ مع ذات الحرية، التى تنالها القطاعات الأخرى فى المجتمع والمساواة بينه وبين القطاعين الخاص والعام فيما يتعلق بالمزايا والحوافز المالية الاقتصادية والنشاط وفرص الحصول على التمويل والمعونات الأجنبية، وتقليص دور الأجهزة التنفيذية الحكومية عند حدود الشهر والتسجيل والمتابعة. مشاكل الفقراء وبدوره، أكد مدحت أيوب مدير عام الاتحاد العام للتعاونيات أن المنظمات التعاونية وسيلة مهمة لتحقيق الديمقراطية، ويمكن أن تقوم بدور مهم فى التعرف على مشاكل الطبقات الفقيرة وطرح حلول لها، فضلا عن قدرتها على تحقيق التنمية الاقتصادية فى ظل مرحلة التحول التى يشهدها الاقتصاد المصرى، مشيرا إلى أن التعاونيات تمتلك القدرة على تعبئة جهود ودخول محدودى الدخل وزيادة دورهم فى المشاركة فى التنمية، وتحقيق البعد الاجتماعى فيها. وأوضح أن تحقيق ذلك يحتاج إلى المضى قدما فى مراجعة القوانين التعاونية وإدماجها فى تشريع موحد، وتقديم القروض بأسعار فائدة تمييزيه مع إعادة النظر فى السياسة الضريبية للمشروعات التعاونية، وتكامل السياسات بين التعاونيات وبين خطط التنمية فى الدولة، وتبسيط اجراءات تعامل الدولة مع التعاونيات، واستكمال البنيان التعاونى، ودعم المؤسسات والهيئات التى تقوم بتقديم المعلومات، وتعميق وعى المواطنين بأهمية التعاون. وأوضح مدير عام الاتحاد العام للتعاونيات أن قانون التعاون الموحد لابد أن يتم تداركه قريبا، لأنه يمثل أهمية بالغة للنشاط التعاوني، لكونه ينظم وضع التعاونيات وعلاقتها بالدولة وببعضها البعض فى اطار حركة الاصلاح الاقتصادى، فضلا عن أنه يحد من قبضة الدولة على التعاونيات، كما يتيح نظاما لائحيا يمكن هذه المنظمات من تعديل التشريعات المنظمة، كلما طرأت ظروف مستجدة، لافتا إلى أن القانون سيحل محل القوانين الستة المنظمة للقطاعات التعاونية، والتى ترتب عليها افتقاد التنسيق بين وحدات الحركة، وتعدد الجهات الادارية والرؤساء، وتبديد الجهود التعاونية رغم ان المبدأ هو «أن نعمل معا»، لتبادل المنافع بين الوحدات. النمو الاجتماعي فيما أوضح د. عادل عامر أستاذ التشريعات المالية بجامعة المنصورة أن التعاون يمكن أن يكون عاملا مهما للتطوير وطريقا يمهد للنمو الاجتماعى والاقتصادي، بما يوكل إليه من دور فاعل فى مجال تطوير القوى الانتاجية، وتشييد أنماط أكثر تطورا من العلاقات، إضافة إلى ما يمتلكه من قدرة كبيرة على اتاحة تعدد الأنشطة للمساهمة فى الأداء الاقتصادى والاجتماعى والسياسى والثقافى للمجتمع. وقال د. عامر إن نجاح الجمعيات التعاونية الاستهلاكية فى مهمة توفير السلع المختلفة لأعضائها يرجع إلى أسلوبها التعاونى وتجنبها للوسطاء، مما يمثل فائدة مباشرة لأعضائها, وفائدة غير مباشرة للمجتمع، وذلك من خلال انتشارها الجغرافى والنوعى والمهني، الذى أدى إلى نجاح هذه النوعية من التعاونيات فى التجمعات العمالية وبصورة خاصة فى المناطق النائية. وأضاف أنه يمكن لهذه التعاونيات أن تقوم بأدوار فعالة فى مجالات بعينها مثل مجالات التنمية الزراعية والريفية وتحديث الزراعة لمناسبة الروح التعاونية لطبيعة الفلاحين، فضلا عن إمكانية مساهمتها بشكل جاد فى حل مشكلة الإسكان وتوزيع السلع الاستهلاكية فى المناطق النائية، لافتا إلى أن أهمية هذا القطاع لن تتأكد إلا بقيامه بدوره فى قضية التنمية الاقتصادية، باعتبارها السبيل الوحيد لرفع مستوى معيشة الأفراد. بداية التعاونيات فيما قالت د. عالية المهدى العميد السابق لكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة: إن الفكر التعاونى ظهر فى مصر عمليا عام 1910 وهو تاريخ تكوين أول تعاونية زراعية فى وقت كانت تعانى فيه البلاد من أزمة اقتصادية هددت الفلاحين، ثم كان تكوين أول تعاونية استهلاكية عام 1912، لتتسارع بعد ذلك حركة تكوين التعاونيات إلى بلغت قمتها عقب الحرب العالمية الثانية، لكن تغيرت الظروف بعد ثورة 1952، التى أممت كل التعاونيات وكان منها الجمعية التعاونية للبترول. وأضافت أن قيام الحكومة بتأميم التعاونيات خلق حالة من اللبث عند المواطنين، لأنهم بدأوا يتعاملون مع هذه الجمعيات كمؤسسات حكومية بعد أن كانت قبل ذلك تعاونيات، فاختلط الحابل بالنابل، وللأسف أصبحت الجمعيات التعاونية ما هى إلا منافذ لبيع السلع المدعمة، لافتة إلى أنه مع بداية تطبيق برنامج التكيف الهيكلى واتجاه الدولة للخصخصة فى التسعينات بدأت الحكومات تمارس سياسات من شأنها إضعاف هذه التعاونيات لما يمثله ذلك من إفساح المجال للقطاع الخاص. ولفتت د. المهدى إلى أنه مع زيادة الضغط على القطاع التعاونى بدأت تتعالى الدعاوى المطالبة بضرورة دعم هذا القطاع لكى يعود إلى سابق دوره كداعم للدولة ومساندة لأعضائه خاصة من محدودى الدخل، مؤكدة أن مصر أصبحت -أكثر من أى وقت مضي- فى حاجة الى حركة تعاونية قوية فعالة، اعتمادا على قدراتها الذاتية، التى تمكنها من تنمية وضعها التنافسى فى الساحة الاقتصادية، بحيث تصبح لديها القدرة التنافسية للبقاء والاستمرار. مكافحة الفقر وأوضحت د. ايمان محمد أحمد الخبيرة فى اقتصاديات التعاون أن تجارب الدول تذهب فى مجملها إلى أن التعاونيات أكثر الآليات قدرة على مكافحة الفقر وذلك من خلال تطبيقها لمبادرات التنمية المحلية، إضافة إلى حرصها على تنمية قدرة الأفراد على تنظيم المشاريع، وخلق فرص العمالة الإنتاجية، وزيادة الدخل، والمساعدة على الحد من الفقر، وتعزز فى الوقت نفسه الاندماج الاجتماعى والحماية الاجتماعية وبناء قدرات المجتمعات المحلية. وقالت د. إيمان محمد إنه فى الوقت الذى تعود فيه التعاونيات بفائدة مباشرة على أعضائها، تكون لها أيضا آثار خارجية إيجابية على بقية المجتمع، لأن التعاونية هى رابطة مستقلة بذاتها تتكون من أشخاص يتحدون بمحض إرادتهم من أجل الوفاء باحتياجاتهم وتطلعاتهم المشتركة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية من خلال مؤسسة يشتركون فى ملكيتها وتدار إدارة ديمقراطية، ومن ثم فإن هذه التعاونية تنشأ كمؤسسات تجارية لمنفعة أعضائها. وأضافت أنه باعتبار أن المنظمة التعاونية تقوم على المساعدة الذاتية، فهى بالتالى تتميز بسهولة الوصول إليها على نطاق واسع، ولا سيما بالنسبة للفقراء والمهمشين، وأنه عندما تكون المؤسسة الخاصة أو الحكومة ضعيفة، ولا سيما فى المناطق الريفية النائية، حيث تمكن التعاونيات السكان المحليين من تنظيم أنفسهم وتحسين ظروفهم، مؤكدة أن مبدأ التعاونيات المتمثل فى الانشغال برفاهية المجتمع يتجلى فى عدد التعاونيات، التى توفر خدمات أساسية مثل الإسكان، والصحة، والتعليم، والمياه والكهرباء. وأشارت د. إيمان محمد إلى أن هناك حاجة إلى أن تهئ الحكومات ظروف جيدة لعملها واستخدامها كموردة قادرة على المنافسة للسلع والخدمات إلى جانب المشاريع التجارية الأخرى من أجل النهوض بدورها بوصفها شريكاً فعالاً فى مجال التخفيف من الفقر، مؤكدة أنه من شأن تشجيع التعاونيات أن تساهم فى التصدى لمسائل الفقر والبطالة وانخفاض الدخل ونقص إمكانية حصول الفقراء على القروض والخدمات المالية بالنظر إلى الأزمة المالية العالمية الراهنة. وشددت على أنه يمكن للتعاونيات من خلال الإجراءات الحكومية المبسطة والميسرة أن تساعد على ضمان تذليل الحواجز والمعوقات لأصحاب المشاريع الطامحين، مما سيؤدى إلى إتاحة المزيد من الفرص للفقراء، موضحة أنه فى دراسة قام بها البنك الدولى فى بعض الدول عن كيفية الافلات من الفقر، كانت الاجابة فى المقام الأول هى على تحقيق دخل من العمل فى منشأة أعمال يملكونها هم، أو من فرصة عمل يحصلون عليها، وهذا يقتضى تعزيز النمو وضمان قدرة الفقراء على المشاركة فى جنى ثماره. حركة شعبية د. أسامة البهنساوى أستاذ الاقتصاد الزراعى بكلية الزراعة جامعة الأزهر، قال: إن التعاونيات المصرية تعد حركة شعبية عريضة وديمقراطية، تضم كل فئات الشعب، وتدعو إلى التضامن، وتستهدف تلبية احتياجات الأعضاء والمستهلكين، من خلال توفير السلع والخدمات بسعر منخفض مقارنة بالقطاع الخاص، وتمثل نحو 80% من شعب مصر. وأضاف أن الاسرة التعاونية تضم نحو 12 مليون عضو فى إطار 18 ألف منظمة تعاونية، وأن التعاونيات تمثل وسيلة لحماية محدودى الدخل من خلال تطوير الزراعة وتحقيق الأمن الغذائى وتوفير السلع والخدمات الجيدة بالأسعار الملائمة، وتوفير المساكن اللائقة، وتنمية الصناعات الحرفية، مشيرا إلى أن الحركة التعاونية المصرية تعلب دورا رائدا فى مجال تحقيق العدالة الاجتماعية بتخصيص 10% من أرباحها للخدمات الاجتماعية فى مناطق عملها. وأكد أنه على مدى ما يزيد عن مائة عام كانت هناك جمعيات نشيطة نجحت وأخرى توقفت وتم حل مجالس إداراتها، وعلى الرغم من نجاح التعاونيات فى بلدان العالم المتقدم حيث تقود الإنتاج الزراعى والقطاعات الإنتاجية والاستهلاكية والإسكانية وغيرها ، إلا أن الحركة التعاونية المصرية تتطلب إعادة النظر لتصحيح مسارها وتعديله نحو الأفضل، وهذا يستوجب المضى قدما فى إصدار قانون التعاون الملائم للمتغيرات الاقتصادية والاجتماعية، فضلا عن ضرورة إنهاء عملية تداخل الصلاحيات وفض الاشتباك ببن الأجهزة التنفيذية والأجهزة الشعبية فى الجمعيات التعاونية. واوضح د. البهنساوى أن عودة التعاونيات لممارسة دورها المجتمعى الفاعل لابد من السماح بقيام التعاونيات بتوفير القروض لأعضائها من خلال منافذها الخاصة، وفى هذا الصدد يجب التركيز على إنشاء بنك تعاونى, ليعمل على توفير كافة الموارد المالية اللازمة لأعضاء التعاونيات, مشددا على أهمية تشجيع التأمين التعاونى متعدد الأغراض والإدخار والاستثمار التعاونى, كمصدر لتعبئة صناديق الأموال التعاونية, والتى يمكن أن تستخدم لخدمة أهداف التعاونيات، ووقف تدخل تدخل المحليات وغيرها من الجهات السيادية فى شئون إدارة التعاونيات، وأن يتضمن قانون التعاون حق المساهمة فى الشركات. أليات السوق وأشارت د. سلوى سليمان أستاذ الاقتصاد بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة أن أية دولة تسعى بالطبع إلى تحقيق النمو السريع فى ظل آليات السوق الحر التى فرضتها علينا العولمة، وأنه إبان هذه المساعى السريعة تقع تغيرات فى المجتمع تكون بمثابة الثمن المدفوع مقابل هذا النمو، وأن الغالب فى الأمور أن الفئات متوسطة ومتدنية الدخل هى التى تدفع فاتورة هذه التغيرات، وتأتى التعاونيات كوسيلة فاعلة لمعالجة آثار هذا النمو من خلال ما تقدمه من آليات للمساهمة فى مساعدة هذه الفئات. وأوضحت أن قيام التعاونيات بهذه الأدوار أمر يعتريه عدد من التحديات، أولها، افتقاد التعاونيات لآلية تمويل خاصة بها، وهذا بدوره يترتب عليه مواجهة الجمعيات التعاونية لعقبات كبيرة فى سبيل الحصول على الائتمان الذى يتلاءم وخصوصية النشاط التعاوني، وثانيها، وجود قيود قانونية على دخول التعاونيات فى مشروعات مشتركة داخلية وخارجية، وهذا بدوره يقلل فرص توسع الجمعيات التعاونية فى الأنشطة الاستثمارية، وثالثها، عدم وجود مظلة للتأمين الصحى تشمل كل أعضاء التعاونيات -12 مليون- مما يخلق صعوبات بالغة أمامهم فى الحصول على العلاج. كما أن غياب دور التعاونيات فى خطط الدولة للتنمية، كما ترى د. سلوى سليمان، يمثل أحد تحديات قيام هذا القطاع بدوره، لما ينطوى عليه هذا الغياب من محاولة بعض الجهات تهميش دور التعاونيات، ونقص التمويل الميسر لسرعة انجاز المشروعات، وحرمان القطاع التعاونى من المنح والقروض الميسرة التى توفرها وزارة التعاون الدولى للقطاع الخاص والاستثمارى وضعف التعاون بين قطاعات التعاونيات المختلفة وهي: الاستهلاكية والانتاجية والزراعية والاسكانية والثروة المائية، بحيث تتبادل المنافع والافتقاد الى المؤسسات التى تؤمن الحاصلات الزراعية ضد التقلبات السعرية والمخاطر الطبيعبية. مشاكل وتحديات فيما أكدت د. منال متولى أستاذ الاقتصاد ومدير مركز البحوث والدراسات الاقتصادية والمالية أن مصر لها دور ريادى على خريطة العمل التعاونى حول العالم، حيث بدأ العمل التعاونى فى منذ أكثر من 100 عام، وأن هذا القطاع يضم ما لا يقل عن 18 ألف جمعية تعاونية بمختلف أنشطتها (الاستهلاكية، الزراعية ، الإسكانية ، الإنتاجية، والثروة السمكية)، وبالرغم من الدور المنوط بهذا القطاع فى توفير السلع والخدمات للأعضاء بأسعار مناسبة، إلا أن هذه التعاونيات مازالت تواجه العديد من المشاكل والتحديات التى تعوق عملها. وقالت د. متولى إن قيام ثورة 25 يناير سيوفر المزيد من الفرص لهذا القطاع الهام لكون أهدافه وفلسفته تتطابق إلى حد كبير مع الأهداف العامة التى تسعى الثورة لإدراكها، فالعدالة الإجتماعية يمكن ادراكها من خلال دعم هذا القطاع ودفعه لممارسة دور فاعل على صعيد محاربة الاحتكار والغلاء فى الأسواق فضلا عن توفير المزيد من فرص العمل من خلال تقديم المساندة والدعم لثقافة المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر التى تعد المدخل الأمثل لمواجهة زيادة معدلات البطالة فى المجتمع. وأضافت أن الصالح العام يستوجب من الدولة التدخل الفاعل لدعم هذا القطاع لما يمكن أن يترتب على هذه الجهود من زيادة الانتاج عبر التعاونيات الانتاجية وزيادة مساهمة الزراعة فى التنمية من خلال دعم التعاونيات الزراعية، فضلا عما يمكن أن يترتب على دفع أنشطة التعاونيات الاستهلاكية من عودة الاستقرار إلى الأسواق، وبالتالى تراجع معدلات التضخم وزيادة معدلات الاستثمار, موضحة أن قراءة تجارب الدول الأخرى تذهب إلى أن التعاونيات يمكن أن تكون «فرس رهان» المرحلة، لذلك لابد أن تحسن الدولة استغلالها. عقود عديدة أما د. على لطفى أستاذ الاقتصاد بكلية التجارة جامعة عين شمس رئيس الوزراء الأسبق فقال إن قطاع التعاونيات يعانى إهمال كامل منذ عقود عديدة مضت افقدته القدرة على ممارسة دور مؤثر فى دفع عجلة الاقتصاد، وأن هذا الإهمال وصل خلال العقد الأول من القرن الحالى إلى مستويات دعت البعض أن الأمر ليس إهمالا بل خطة ممنهجة لتخريب هذا القطاع وافقاده القدرة على الاستمرار كفاعل رئيسى فى الأسواق لإفساح الطريق لرجال الأعمال لممارسة كافة صور الاحتكار. وأشار إلى أن حكومات الثورة أدركت جيدا قيمة هذا القطاع فكان حرص د.شرف ومن بعده حكومة د. الجنزورى على التباحث فى آليات دعم هذا القطاع، الذى يضم عشرات الملايين من الأعضاء يمكن أن يكونوا قوة ضاربة لدفع الاقتصاد الوطني، موضحا أن هذه التعاونيات يمكن أن تمارس دورا مهما فى تحقيق النمو الاقتصادى المتوازن من خلال رفع التنمية الاقتصادية والاجتماعية. وخلص د. لطفى إلى أن الظروف الحالية التى يمر بها الاقتصاد تستوجب تفعيل دور كافة القطاعات سواء القطاع العام أو الخاص وكذلك التعاونى لتحقيق اعلى معدلات نمو وتوفير كافة الخدمات الأساسية للمواطن, مشيرا إلى أن مشروع خطة التنمية لعام 2010/2011 لم تتضمن سوى كلمة واحدة عن التعاونيات عندما ذكرت أن حجم الاستثمارات فى الخطة 265 مليار جنيه للقطاعين الخاص والتعاونى. القطاع التعاونى المصرى فى أرقام - 4005 هو عدد التعاونيات الاستهلاكية التابعة لوزارة التجارة والصناعة، والمنتظمة في 20 اتحادا اقليميا، فضلا عن الاتحاد التعاونى الاستهلاكى المركزى بإجمالي عضوية تبلغ 4 ملايبن وحجم أعمال يقدر بنحو 17 مليار جنيه، وتعمل بمقتضي القانون 109 لسنة 1975. - 469 هو عدد التعاونيات الانتاجية الأساسية بإجمالي عضوية تقدر بنحو 58184 عضوا، وحجم أعمال يزيد على 15 مليار جنيه، تعمل وفقا للقانون 110 لسنة 1975، بإشراف من وزارة التنمية المحلية. - 6598 هو عدد التعاونيات الزراعية بإجمالي عضوية تبلغ 4 ملايين عضو، وبحجم أعمال قدره 30 مليار جنيه، وتعمل بمقتضي القانون 122 لسنة 1980 بإشراف وزارة الزراعة. - 2370 هو عدد تعاونيات الإسكان بإجمالي عضوية تبلغ 2 مليون عضو، وبحجم أعمال قدره 11 مليار جنيه، وتعمل بمقتضي القانون 14 لسنة 1981 بإشراف وزارة الإسكان. - 93 هو عدد تعاونيات الثروة السمكية بإجمالي عضوية 91876 عضو بحجم أعمال يزيد على مليار جنيه وتعمل بمقتضي القانون 123 لسنة 1983 بإشراف وزارة الزراعة. - 18 ألفا هو عدد التعاونيات في مصر بإحمالي عضوية يبلغ نحو 12 مليون عضو، وحجم أعمال سنوى يزيد عن 70 مليار جنيه، و1.5 فرصة عمل متحققة من هذا النشاط.