تنفرد الإسكندرية بظاهرة غريبة عن باقى المحافظات وهى ما يطلق عليه «الكاحول» والكاحول هو اللهو الخفى فى سوق العقارات المخالفة التى يهرب أصحابها الأصليون من الوقع تحت طائلة القانون ويستترون خلف حاجز وهمى هوًا الكاحولًا وهو الذى يمتلك ولا يحكم فهو يوقَّع على كل الأوراق الرسمية وغير الرسمية فى تراخيص البناء ولكنه مالك وهمى وغالبًا ما يكون مزورًا لبطاقة رقمه القومى أو ليس له محل إقامة ثابت بحيث يتعذر الوصول إليه ومحاسبته عند وقوع أية كارثة إنسانية وانهيار العقارات. وهذه الظاهرة بدأت بوضوح فى زمن اللواء عبد السلام المحجوب محافظ الإسكندرية الأسبق والذى شهد عهده إقامة حوالى 50 ألف عمارة مخالفة وناطحة سحاب فى الأزقة والحوارى. وهناك واقعة عاصرتها أيام المستشار الجليل السيد الجوسقى رحمه الله والذى كان حازمًا فى اتخاذ القرار المناسب وإزالة أية عمارة مخالفة وعدم السماح بأى تهاون أو تدليس فى تراخيص البناء. وأتذكر أنه نقل رئيس حى شرق لأنه سمح بهدم فيلا لها طابع تاريخى وأثرى والإسكندرية تشهد سباقًا محمومًا فى إنشاء العمارات المخالفة لدرجة أنه فى كل يوم تدك خراسانات نحو 500 عمارة مخالفة أو بدون ترخيص، وبذلك تزيد المخالفات فى البناء على 50 ألف عمارة فى السنوات الثلاث الأخيرة بخلاف السابقة. والحل فى وقف هذه المهزلة هو إلغاء ظاهرة «الكاحول» وأن تصدر رخصة البناء باسم مالك الأرض لكى لا يتحايل أصحاب الذمم الخربة والضمائر من المقاولين الجشعين الذين دفعهم جشعهم إلى هدم الفيلات الأثرية والتاريخية والتى تتميز بطرز معمارية إيطالية وفرنسية وقباب إسلامية فريدة وإقامة أبراج سكنية بدلًا منها. إن الدكتور محمد عوض أستاذ العمارة بكلية هندسة الإسكندرية وضع مجلدًا للتراث المعمارى قبل عشرين عامًا ضم كل الفيلات والبيوت التاريخية التى مضى على إنشائها أكثر من مائة عام وتصل إلى أكثر من 500 فيلا مميزة أثريا وتاريخيًا ومعظم أصحابها من الخواجات الذين توفاهم الله. ولجأ بعض المحامين إلى عمل توكيلات من ورثتهم وبيعها للمقاولين بالإسكندرية. واستغل هؤلاء المقاولون المواقع المهمة فى الفيلات فى الأحياء الراقية والشوارع الرئيسية وأقاموا أبراجًا مكانها بعد هدمها رغم أن قانون المبانى يلزم مالك هذه الفيلا بأن يحافظ عليها ولا يَّعدل فى طرازها المعمارى. لقد تحولت عروس البحر المتوسط إلى عجوز البحر المتوسط وأصبحت غابة أسمنتية من الأعمدة الخرسانية بعد أن سادها الفوضى والإهمال شأن كل شىء فى مصر فى الوقت الراهن.